فيما بين الدين والإنسانية

الخميس، 29 مارس 2018 08:56 ص
فيما بين الدين والإنسانية
دكتور حاتم العبد

مبعثي على كتابة هذا المقال هو الموقف الإنساني البطولي للضابط الفرنسي الذي آثر سيدة على نفسه، وقدم روحه الطاهرة فداءً لها ؛ هذا رجل مبادئ انتمي وبامتياز إلى الإنسانية، ووجد أن من واجبه الإنساني والوطني أن تُستبدل السيدة به، وأغلب الظن أنه كان موقن من أنه سيلقى حتفه، لا سيما وأن سبقه آخرون إلى الدار الآخرة ؛ أما الجرذ الحقير الجبان الذي قتله غدرًا وخسة ووضاعة وحقارة فهو ينتمي إلى الشيطان، زَيّن له سوء عمله، وأفهمه أن الدين إنما هو بركة من دماء الأبرياء الذكية ؛ استبدل الغدر بالوفاء، والخيْر بالأدنى، والنفيس بالرخيص، والشيطنة بالأنسنة. هذا الحقير لم يقم مثقال ذرة لا لصحيح دينه، ولا لإنسانيته التي تتبرأ منه، ولا لعهده مع ضحاياه. إنما الدين المعاملة، فكيف يكون تحيتك فيها سلام ويدك تنفث غدرًا وتقطر دمًا، ثم إنك تعبد الله أم تعبد الشيطان ؟! لا أريد أن أذكّر بأن الإسلام براء من تلك الجراثيم الخبيثة، وإنما مقصدي ومرماي إيضاح ما هو أبعد من ذلك مدى وأكثر إلحاحًا. 
 
علينا أن نعي أننا جميعًا خلق الله، لا فضل ولا مكرمة لأحد على أحد، وما دام الحال كذلك ؛ فلا ينبغي أن نتبع إلا صحيح الدين وقويم التعاليم، وألا ننساق خلف الكفرة الفجرة، أعداء الله وأعداء الإنسانية، بل من واجبنا هو محاربتهم، والعمل على تجفيف منابع التطرف والتعصب والإرهاب، وأن نعلم أن أي دين هو بالإساس منتمٍ للإنسانية، وأن ما يخالف الإنسانية والفطرة التي جُبلنا عليها هو ردّ، ولا يصلح لأن يكون دين يتعبّد به. 
 
لا يقل شأنًا عن الانتماء إلى الدين، الانتماء إلى الوطن وحمل رايته، بل إن الثاني جزء من الأول، بغيره لا يكتمل الأول ؛ وقد رأينا في ملحمة أكتوبر الخالدة، كيف أن المصريين وقد انتموا إلى مصريتهم، وكيف اختلطت دماءهم الذكية بعضها ببعض، دون أن يشعر شخص بأن الآخر مختلف معه في الدين. الجميع كان منتمٍ لمصريته، تلك المصرية لازمة للانتماء إلى صحيح الدين، وصحيح الدين لازمة للانتماء إلى الإنسانية الرحبة التي جبل الله تعالى عليها خلقه. تستمر ملحمة المصريين العظيمة في الذود عن الأرض بالروح والدم ؛ إن جنود مصر البواسل، درع الوطن وسيفه، وهم يضحّون بأرواحهم من أجل أمن واستقرار المجتمع، لهم– حفظهم الله– أروع مثال على حقيقة الانتماء بدوائره الثلاثة (الوطن، الدين والإنسانية).
 
بفقد الانتماء إلى أيٍّ من تلك الدوائر والأُطر، يفقد "الإنسان" هويته ويعدم ذاتيته، وتضطرب بوصلته، ويضحى أداة في أيدي شرذمة ضالة مُضلة، تستخدمه لهدم المعاني الإنسانية، وتشويه صحيح الدين، والإساءة إلى الأوطان. 
 
باطل كل دين ومُعتقد يقيلك من الإنسانية
باطل كل دين ومُعتقد يدعو إلى العنف وحمل السلاح
باطل كل دين ومُعتقد يروع الآمنين
باطل كل دين ومُعتقد يحيلك لعدو لوطنك
باطل كل دين ومُعتقد يحيلك إلى عبدٍ لأشخاص لا إلى خالق الكون
باطل كل دين ومُعتقد يلغي العقل ويسلب الإرادة
تحية إلى الضابط الفرنسي وإلى روحه الطاهرة ودمائه الذكية
تحية إلى شهدائنا الذين يقضون كل يوم من أجل رفعة وطنهم والدفاع عن دينهم وإنسانيتهم
تحية لكل من يقضِ من أجل وطنه ومبادئه
تحية إليكي أيتها الإنسانية لما تحملتيه وتتحمليه من فئة ضالة تنتمي شكلًا إليكي
تحية لكل من ينتمي إلى الإنسانية، وإلى صحيح دينه وإلى وطنه الأم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق