سلمى أنور تبحر مع «ماتريوشكا» في عالم أنثوي متعدد الطبقات

السبت، 31 مارس 2018 11:17 ص
سلمى أنور تبحر مع «ماتريوشكا» في عالم أنثوي متعدد الطبقات
سلمى انور
أمل غريب

 دمية روسية شهيرة بيضاوية الشكل تحمل ملامح وشكل المرأة، لكنها تضم بداخلها عدة دمى متدرجة الحجم بحيث تحوى الأكبر الأصغر منها، وصولا إلى أصغر دمية في المجموعة.

 

واختارت الكاتبة المصرية سلمى أنور، هذا الاسم عنوانا لكتابها الجديد «ماتريوشكا.. نساء من داخل نساء»، لوصف عالم المرأة المتداخل والمتعدد الطبقات.

 

وعبر 154 صفحة من القطع المتوسط، تصحبنا في رحلة مفعمة بالتفاصيل الواقعية الدقيقة لعالم ثري تراه الكاتبة بعين الأنثى في مختلف مراحل عمرها.

 

ومنذ الوهلة الأولى يرسخ الكتاب لفكرة «الماتريوشكا»، فالإهداء موجه إلى زينب، ابنة الكاتبة الوحيدة التى تخاطبها «زينبي»، فابنتها تنتمي لها مثلما تنتمي هي نفسها لأمها وأمها لجدتها.

 

الكتاب صادر عن دار دلتا للنشر، وهو خامس أعمال سلمى أنور الأدبية حيث صدر لها من قبل رواية (نابروجادا) وكتاب (الله.. الوطن..أما نشوف) وكتاب (الصعيد فى بوح نسائه) وديوان شعر (سأعيد طروادة إلى أهلها ثم أحبك).

 

وينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين.. الأول (ماتريوشكات العائلة وأنا) ويهيمن عليه السرد الذاتي. وفيه تستهل الكاتبة كلامها بعبارة "طالما هيئ لى أن عائلتى مكونة من نساء فحسب!"

 

تقول "كنت دوما محاطة بالنساء وأكثر حكاياتى بطلاتها نساء، نساء فى خلفيتهن سفر، نساء فى خلفيتهن فقر، نساء فى خلفيتهن سجون، نساء فى خلفيتهن بيزنس، نساء فى خلفيتهن رجال... ونساء فى خلفيتهن حروب".

 

وتسرد سلمى أنور فى هذا القسم 17 قصة متنوعة عبارة عن لمحات من حياتها منذ طفولتها المبكرة وحتى أصبحت امرأة فى منتصف الثلاثينيات، وكأنما تفتح لنا عالم ذكرياتها وترافقنا فيه وقد أمسكت بيدها مصباحا تسلط ضوءه على مواقف وذكريات تركت فيها أثرا وكانت دوما محاطة بالنساء.

 

وتتطرق إلى علاقتها بوالدتها وعلاقتها بجدتيها وتذكر بعضا من حكايات كن يقصصنها. وتسترجع لقطات من طفولتها فتقول "أذكر غرفة أمى فى بيتنا القديم حيث كانت تلك الأباجورة الملونة علبة أسطوانية تمر بين طرفيها من أعلى لأسفل خطوط حمراء وصفراء وخضراء، تدور الأسطوانة فتدور الألوان لتتحول غرفة أمى إلى بلاد العجائب الملونة! كنت أنام فى ذاك العالم الملون عالمة أنه ما دامت هذه الألوان تدور فأنا بمأمن... لكن عالمى الملون لم يصمد أمام اختبارات الحياة طويلا".

 

وبأسلوب بسيط سلس تتحدث عن أحداث مهمة مثل حرب الخليج فى مطلع تسعينيات القرن الماضى وكيف أحدثت صدى داخل أسرتها إذ كان خالها يعمل فى الكويت ثم انقطعت أخباره بعد الاجتياح العراقي. كما تشير إلى زلزال 1992 فى مصر وتقول "كنت وسط كل هذا الخراب مشغولة بحذائى الذى ضاع فى فوضى الزلزال، ولم يكن بوسعى أن أنضم للنسوة فى مدخل العمارة بقدمين حافيتين.. لقد كنت ألعب دور سندريلا فى حكاية زلزال القاهرة".

 

وتركز الكاتبة فى روايتها للأحداث على جوانب إنسانية وتفاصيل دقيقة، فتمس حكاياتها الذاتية وترا فى نفس من يقرأ وعاصر هذه الوقائع.

 

وتقف الراوية شاهدة على أحداث جلل فى مرحلة المراهقة منها الهجوم على مركز التجارة العالمى فى نيويورك عام 2001 وكيف تغير وجه العالم بعدها. كما تتحدث عن التحاقها بفريق التمثيل المسرحى أثناء دراستها الثانوية وعن الأستاذ (ف) مدرس اللغة العربية المسؤول عن ضبط الأداء اللغوى للفريق.

 

تقول "كان أستاذ (ف) يستبقينى ليشاركنى حكايات طفلته المصابة بمرض التوحد الغامض وكيف أنها تبدو له فى صمتها كتمثال جميل نسوا أن ينحتوا له لسانا. كان يحكى بأسى وأنصت عاجزة عن التعليق فأقول فى نفسي: فلتذهب الدروس والدرجات وكليات القمة جميعا إلى الجحيم! سأنصت مرة ثانية وثالثة وزيادة لحكاية التمثال المتوحد الجميل، لأشارك الأستاذ (ف) برأس محنى ولسان عاجز حزنه الجليل".

 

وبعد التخرج من الجامعة وسفرها لاستكمال دراستها فى الخارج تقص سلمى كيف كان يغلبها الحنين إلى الوطن وإلى الأم فتتصل بها من هاتف عمومى لسماع صوتها فقط إذ لم تكن تملك نقودا تمكنها من إجراء المكالمة سماعا وتحدثا. تقول "طوال الليل كنا نقف وحدنا.. أنا بجيوبى الخاوية، الكابينة الباردة جدا، وصوت ماما يمر فى صبر عبر كل الأشياء".

 

وتنتقل الكاتبة إلى التجربة الأهم فى حياة أى امرأة: الأمومة، وتتحدث بحس إنسانى متميز كيف أنها رأت بعين الأم صورتين لم تكن لتراهما بنفس الطريقة لو لم تنجب. الصورة الأولى لمقاتلة كردية تجلس مرتدية ملابس القتال وتلقم رضيعها ثديها وقد تركت سلاحها الآلى جانبا. تقول "يمكن للسلاح أن ينتظر وللعدو أن ينتظر وللحرب بأسرها أن تنتظر أو حتى أن تضع أوزارها إلى الأبد إن لم يعجبها الانتظار، لكن لا يمكن للرضيع الجائع أن ينتظر".

 

والصورة الثانية لأم أفغانية مغطاة بالبرقع الأفغانى الأزرق مدفونة فى الأرض لا يظهر منها إلا الجذع والرأس فى وضع تنفيذ الحد بالرجم، وبجوارها وقفت طفلتها ذات الخمس سنوات لترد على رميات رجال حركة طالبان الذين يرجمون أمها حجرا بحجر.

 

تقول "لحظتها فكرتُ أن هذه الأم المنزرعة فى الأرض بلا حراك ولا حول هى الأجدر بالحسد من بين كل أمهات الأرض! كيف لا، وقد ظفرت بابنة من ذاك الطراز الذى يحب ويدافع بشراسة دون حسابات، والذى يعرف كيف يتمسك بالحب الأمومى غير المشروط، وإن كان على حافة الموت؟".

 

أما القسم الثانى فعنوانه (ماتريوشكات من هنا ماتريوشكات من هناك)، وفيه تتحدث من خلال 17 قصة أيضا عن نساء من خارج عائلتها، من مصر وخارجها، نساء طيبات وأخريات يمتلئن شرا، ولكل منهن قصة حجزت لها مكانا فى التاريخ الإنساني.

 

تتحدث مثلا عن الأميرة ديانا التى تحمل قصتها عنوان (طفلة ضائعة على أبواب القصر الملكي)، كما تعرج على إيفا براون عشيقة الزعيم النازى الألمانى أدولف هتلر التى رافقته حتى الانتحار، وأعطت لحكايتها عنوان (سراويل داخلية من مخلفات الحرب) حيث عُرضت ملابس إيفا الداخلية للبيع بآلاف الدولارات.

 

وتحت عنوان (انسحاب قبل شروق الشمس) تتحدث عن النساء فى حياة الضابط محمود بطل رواية بهاء طاهر (واحة الغروب): كاثرين الزوجة الأجنبية التى تكبره فى العمر، ونعمة الجارية التى عشقته وأعطته نفسها دون تردد بدافع الحب لكن أبت كرامتها أن تبيت فى بيته ليوم واحد بعدما زجرها وذكرها بحقيقة وضعها كجارية.

 

تختم سلمى أنوار الكتاب بفصل عنوانه (داخل زنازين العشق) تتحدث فيه عن زليخة زوجة عزيز مصر ومعاناة عشقها للنبى يوسف، وتورد على لسانها وقد انشرخ صوتها بالألم وقهر العشق والسجن فى المعشوق:

 

"يا رب يوسف أشهدك أنى رميت بآلهتى كلها على الأرض.. كان يوسف يقول إنك شاهد وناظر.. أنت فى كل مكان وترى كل شيء.. إذن أخبر يوسف أن زليخة قد تركت عبادة الأصنام.. زليخة تركت عبادة الأصنام..

 

"لكن من تراك تكون حقًا حتى يعبدك يوسف ويضنى فى عشقك؟ أنا شهدت بكاء يوسف لك وهو يناجيك مرارًا.. أنا قد بكيت ليوسف كثيرًا، أما لك فلا.. لا.. من أنت؟ من تراك تكون حتى أدمعت عيون حبيب أهل مصر.. يظهر أنك تليق بالربوبية".

 

(تغطية صحفية للنشرة العربية سامح الخطيب - تحرير أمل أبو السعود)

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة