حصاد.. البورصة المصرية 2015 بداية شديدة التفاؤل ونهاية صادمة
الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015 06:33 ص
رغم كثرة الأحداث الإيجابية التي شهدها عام 2015 سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي من انعقاد لمؤتمر شرم الشيخ في مارس 2015 وافتتاح قناة السويس الجديدة في أغسطس الماضي وحصول مصر على دعم اقتصادي كبير من دول الخليج وانتهت بإنجاز انتخابات البرلمان، إلا أن أرقام البورصة المصرية في نهاية العام لم تأت كما كانت التوقعات شديدة التفاؤل في بدايته.
يقول خبراء ومحللون اقتصاديون إن البورصة المصرية شهدت موجة من التفاؤل الشديد في بداية العام استمدت أسبابها من قوة أداء البورصة في 2014، وتوقعات لما ينتظر الاقتصاد في العام الجديد سواء من أرقام متوقعة لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي أو توقعات بالغت فيها وسائل الإعلام لقناة السويس الجديدة، لكن جاءت النهايات على غيرالمأمول وتحولت إلى صدمات عنيفة في أغلب فترات العام بخسائر فاقت الـ 75 مليار جنيه ومؤشرات فقدت ما بين 25 إلى 35 في المائة من قيمتها على مدار العام.
يقول عادل عبدالفتاح رئيس مجلس إدارة شركة ثمار لتداول الأوراق المالية إن عام 2015 يمكن تقسيمه إلى 3 مراحل ربعه الأول من يناير وحتى موعد المؤتمر الاقتصادي منتصف مارس، تفاؤل شديد وأوسطه، من منتصف مارس وحتى تولىطارق عامر محافظا للبنك المركزي خلفا للمحافظ السابق هشام رامز أواخر أكتوبر الماضي، كان صادما بسبب الأحداث السياسية والاقتصادية محليا وإقليميا وعالميا، فيما عاد التفاؤل من جديد في الربع الأخير من العام مع أنباء بعض صفقات الاستحواذ.
وأضاف أن بداية العام كانت موجة التفاؤل منقطعة النظير مع كثرة الحديث عن مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي والإعداد الجيد له والحضور العالمي والمشروعات الكبرى المطروحة، ما كان له أثرا نفسيا كبيرا على التوقعات الاقتصادية بشكل عام وسوق الأوراق المالية على وجه التحديد.
وأشار إلى أن أزمة قانون الضرائب على أرباح البورصة اثرت سلبيا على نبرة التفاؤل في النصف الأول من العام وكان البورصة أكثر القطاعات تأثرا لتشهد موجة من الانهيارات الحادة لولا تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي وتوجيهاته بحل الأزمة التي انتهت بتأجيل تطبيق القانون.
ورأى أن الهبوط الحاد في أسعار البترول وأثره على الاقتصاديات الخليجية كان له الأثر السلبي الكبير على أداء البورصة المصرية.
وأشار إلى أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في النصف الأول من العام والمتعلقة بفرض حدود على الإيداع والسحب الدولاري، والتي أدت إلى نشاط غير مسبوق للسوق السوداء للعملة، كان عاملا سلبيا على أداء البورصة، لكن تغيير محافظ البنك المركزي ومجئ طارق عامر على رأس الجهاز المصرفي والإجراءات الجيدة التي اتخذها في الشهرين الأخيرين من العام، والتي أدت إلى استقرار الدولار وتوفير مستحقات المستثمرين الأجانب انعكست بالإيجاب على المستثمرين ومؤشرات السوق.
ولفت إلى أن تفعيل المجلس التنسيقي بين الحكومة والبنك المركزي وضمه لشخصيات كبرى مثل الخبير الاقتصادي العالمي الدكتور محمد العريان ومحافظ المركزي الأسبق الدكتور فاروق العقدة كان نقطة إيجابية بارزة في 2015 أثرت بالإيجاب على البورصة وأوحت باستعادة التناغم والتفاهم بين الحكومة والبنك المركزي عكس النصف الأول من العام.
ولفت إلى أن الجهود الكبيرة التي بذلتها وزيرة التعاون الدولي سحر نصر ونجاحها خلال وقت قصير في حصول مصر على قروض دولية من البنك الدولي والبنك الأفريقي عزز الثقة في الحكومة وزاد من مصداقيتها لدى المستثمرين.
واعتبر أن دخول رجل الأعمال نجيب ساويرس في عدة صفقات استحواذ بالبورصة المصرية على كيانات عاملة في الخدمات المالية أعطى مؤشرات إيجابية في الربع الأخير من العام.
كما اعتبر رئيس مجلس إدارة شركة "ثمار" لتداول الأوراق المالية أن الاكتتابات التي شهدتها البورصة في عام 2015 مثل "أوراسكوم كونستركشن" و"ايديتا" للصناعات الغذائية وإعمار من النقاط المظلمة في البورصة خلال العام، خاصة اكتتاب شركة إعمار الذي يعد نقطة تحول سلبية في تاريخ البورصة المصرية لما جرى فيه من مبالغة في سعر تقييمه والخسائر الحادة التي مني بها المستثمرون ما أعطى صورة سلبية كبيرة للبورصة وأدى الى فشل الاكتتابات التي تلته.
من جانبه، يقول الدكتور عمر عبدالفتاح الخبير الاقتصادي إن التفاؤل الكبير الذي بدأت به البورصة المصرية عام 2015 ربما جاء نتيجة الأداء القوي للسوق في 2014، بالإضافة إلى التأثر بالتضخيم الإعلامي لبعض الأحداث الاقتصادية التي كانت مرتقبة خلال العام 2015 مثل المؤتمر الاقتصادي في مارس وافتتاح قناة السويس الجديدة.
وأضاف أن المستثمرين في البورصة المصرية بالغوا في التوقعات بشأن أداء الأسهم في 2015، مع كثرة نغمة الأرقام الضخمة التي كان يرددها الإعلام حول حجم المشروعات التي كانت ستطرح في مؤتمر شرم الشيخ ووصلت الى 200 مليار دولار، وكذلك ما تردد حول أرقام العوائد من قناة السويس الجديدة إلى 100 مليار دولار.
وأوضح أن رفع سقف التوقعات بالنسبة للمواطنين والمستثمرين كان له أثره السلبي الكبير عندما اصطدم الجميع بالواقع الفعلي للاقتصاد، وكذلك الأحداث الإقليمية المضطربة التي شهدتها المنطقة في عام 2015 سواء في سوريا واليمن والعراق وليبيا وحتى بعض الأحداث الإرهابية التي نالت من مصر خلال العام كان لها أثرها السلبي.
وأشار إلى أن المتفائلين في بداية عام 2015 تناسوا أيضا أن العالم كان يعاني من بوادر أزمة ركود عالمية اقتصاديا وظهر ذلك في أوقات تالية من العام من تراجع نمو اقتصاد الصين وتلميحات الولايات المتحدة الأمريكية برفع الفائدة قبل أن تتخذ القرار فعليا في الشهر الأخير من العام، فضلا عن تفاقم أزمة بعض البلدان الأوروبية ومنها أزمة اليونان وتعثر بعض الدول الأوروبية الأخرى مثل البرتغال وإسبانيا وحتى روسيا وأزمتها مع أمريكا والاتحاد الأوروبي بسبب ما جرى في أوكرانيا.
ولفت إلى أن البورصة المصرية في 2015 عانت أيضا من ضعف الأداء الحكومي على مدار العام وعدم التفاهم والتناغم بين الأجهزة التنفيذية، سواءبين البنك المركزي من جانب وبعض الوزارات من جانب أخرى بسبب قرارات المركزي بشأن الدولار والتي أثرت بشكل سلبي على الصناعة والتصدير والاستثمار، فضلا عن أزمة وزارة المالية والبورصة بسبب قانون الضرائب على أرباح البورصة لكنه كان له الأثر السلبي على أداء البورصة لشهور طويلة قبل تدخل الرئيس لحل الأزمة وتأجيله لمدة عامين.
ونبه إلى أن البورصة عانت أيضا بسبب تقصير الحكومة في متابعة المشروعات الكبرى المعلنة، خاصة خلال مؤتمر شرم الشيخ في مارس 2015 والتي لم ينجز منها إلى القليل جدا مقارنة بما أعلن، ما أدى إلى مضاعفة حالة الإحباط لدى شرائح عريضة من المستثمرين.
وقال عبدالفتاح إنه على صعيد الاقتصاد المصري الحقيقي لا يزال هناك مشكلات كبيرة استمرت طوال عام 2015 منها مشكلة توفير "الدولار" والتي كانت محركا أساسيا لأداء الاقتصاد وبالتالي البورصة تزامن ذلك مع مشكلات السياحة وأزمة الطائرة الروسية وبعض الأحداث الإرهابية التي عانت منها مصر.
واعتبر أن المساعدات الضخمة التي حصلت عليها مصر في بداية العام من دول الخليج، والتي تجاوزت 6 مليارات دولار كانت بمثابة مسكنات اقتصادية، لكن عدم خلق موارد ثابته للعملة الصعبة من الاقصاد أدى إلى استمرار الأزمة، خاصة في النصف الثاني من العام الذي خيمت فيه حالة عدم وضوح الرؤية، ما أدى إلى إحجام الكثيرين عن الاستثمار سواء المباشر أو غير المباشر المحلي أو الأجنبي.
ورأى أن إجراءات البنك المركزي الاستثنائية بتوفير الدولار للمستثمرين مرة في النصف الأول من العام ومرة أخرى في نوفمبر الماضي جاء في أجواء مضطربة اقتصاديا وأفق غير واضحة مع استمرار أزمة نقص الدولار وإطلاق شائعات عن مزيد من الخفض للجنيه، قبل أن يفاجئ البنك المركزي الجميع برفع لقيمة الجنيه بقيمة 20 قرشا بعد خفضه بذات القيمة قبلها بأقل من شهرين ما زاد من ارتباك السوق.
وأوضح عبدالفتاح أن أداء صناديق الاستثمار والمؤسسات خاصة الحكومية كان مؤثرا بشكل كبير في حركة السوق حيث واجهت البورصة استردادات غير مسبوقة خلال العام 2015 هي الأعلى منذ سنوات طويلة.
وانتقد عمر عبدالفتاح الخبير الاقتصادي غياب دور الدولة والبنوك وعدم دعمها بشكل مباشر لبورصة الأوراق المالية خلال العام 2015 رغم أن مثل هذه الخطوة تتخذها أكبر دول العام واتخذتها فعليا أمريكا واليابان والصين وبعض الدول الأوروبية بالشراء المباشر للأسهم عبر صناديق سيادية.
وأشار إلى أن الوضع في مصر كان العكس، حيث سعت الدولة بشكل غير مباشر لسحب جزء كبير من سيولة البورصة عبر طرح شهادات قناة السويس الأكثر إغراء، وكذلك من خلال البنوك بسحب قرابة 100 مليار جنيه من خلال شهادات ادخارية مرتفعة الفائدة.
ولفت إلى أنه كان على الحكومة وبالاتفاق مع البنوك إعادة توجيه جزء من هذه المبالغ ولو بقيمة 10 مليارات دولار لإنشاء صندوق سيادي لدعم البورصة حتى لو كان اهتمامه بالشركات الحكومية التي انهارت أسهمها مثل المصرية للاتصالات وغيرها ووصلت أسعارها إلى أدنى مستوياتها في تاريخها.
وأكد أن مؤشرات البورصة هي أفضل مروج للاستثمار في العالم، حيث تتناقل وسائل الإعلام بيانات مؤشرات البورصة في العالم أكثر من مرة يوميا وفي حال اهتمت الحكومة ببورصتها سينعكس ذلك إيجابيا على مناخ الاستثمار المباشر.
ونوه بأن الاكتتابات الكبرى التي شهدتها البورصة المصرية لم تعد شهادة نجاح نظرا لأن الجزء الأكبر من تغطية هذه الاكتتابات جاء من البنوك ولم يكن هدفه الاستثمار متوسط أو طويل الأجل بالبورصة، بل سحبت هذه الاكتتابات جزء من سيولة السوق ومع الخسائر التي تحققت نتيجة هبوط بعضها مثلما هو الحال في اكتتاب شركة "إعمار" فكان الأثر السلبي أكبر على البورصة بشكل عام، كما أن بعض هذه الاكتتابات استخدم في تهريب أموال من مصر للخارج قبل أن تفطن البورصة لذلك وتشدد إجراءات تداول أسهم الشركات التي لها شهادات إيداع دولية في الخارج.
ورأى أن تعثر بعض المشروعات الكبرى مثل مشروع المليون وحدة سكنية لشركة "ارابتك" الإماراتية وكذلك العاصمة الإدارية الجديدة له أثرا سلبيا على المستثمرين في البورصة.
ويرى محمد دشناوي خبير أسواق المال أن عام 2015 بدأ بجرعة كبيرة من التفاؤل مصحوبا بعوامل إيجابية دفعت المؤشر للصعود لمستويات جيدة عند مستوي فوق مستوى 10 آلاف نقطة منها التفاؤل بمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي وقانون الاستثمار الموحد والدعم الكبير من الدول الخليجية والتي قدمت منح وقروض ميسرة لمصر.
وقال دشناوي إن إيجابيات المؤتمر تحولت إلى سلبيات فيما بعد بسبب عدم متابعة تحويل الاتفاقيات إلى واقع وتأخر صدور اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، فضلا عن أزمة قانون الضرائب على أرباح البورصة.
وأضاف أن هذه الأجواء السلبية صاحبها أرقام اقتصادية محبطة على صعيد الديون العامة والعجز في الموازنة ونقص الدولار وتراجع الاستثمارات المباشرة، لكن هذه لا يمنع من أن العام شهد بعض الايجابيات منها بعض الطروحات المليارية التي شهدتها البورصة المصرية.
وأشار إلى أن هذه الطروحات نجحت شكلت وفشلت موضوعات من خلال الخسائر التي كبدتها للمستثمرين وأصبحت انعكاسا سلبيا للبورصة، كما اعتبر أن نجاح المركزي في سداد مستحقات المستثمرين الأجانب المتأخرة بمثابة نقطة إيجابية في عام 2015.
وأوضح أن البورصة المصرية تأثرت ببعض الضغوط الخارجية اقتصاديا وسياسيا وأهمها انخفاض البترول الحاد، بالإضافة إلى الأحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا، وكذلك أزمة سقوط الطائرة الروسية في سيناء وما تتبعه من أحداث بالإضافة رفع الفائدة الأمريكية وما تتبعه من سحب السيولة من الأسواق الناشئة ومنها السوق المصري، بالإضافة إلى التباطؤ الاقتصادي الصيني العالمي.