الإسلام دين الحب والرحمة

الجمعة، 06 أبريل 2018 12:30 م
الإسلام دين الحب والرحمة
دكتور مهند خورشيد يكتب :

 

إحدى آخر الدراسات الميدانية عن تدين المسلمين في ألمانيا أظهرت أن نسبة المسلمين الذين يتواصلون مرة واحدة على الأقل في الأسبوع مع المسجد لا تزيد بين الشباب المسلم عن ٢٣٪‏ أي أن أكثر من ‫ثلاثة أرباع الشباب ليس له تواصل فعلي مع المساجد.

‏دراسات أخرى أظهرت أن حوالي ‫ثلث الشباب ذي الأصول الإسلامية لا يؤمن بوجود الله أصلاً.

لقد تعودنا أن نُجرِّم هؤلاء الشباب ونتهمهم بالإلحاد ونتوعدهم ‏بالعقوبات فضلاً عن تكفيرهم والختم على مصيرهم أنهم من أهل النار. لكن لنقف وقفة صريحة مع أنفسنا ومع هؤلاء الشباب الذين هم أبناؤنا ولنسأل عن المجرم الحقيقي. إنها بلا شك الصورة الخاطئة ‏والمشوهة عن الله وعن الإسلام التي تُبعِد الكثيرين عن الدين، خاصة أولئك الذين تعودوا التفكير الواعي والناقد والذين يرفضون مجرد تلقن الأمور دون بحث وتساؤل وتفكر نقدي. فيغلب على الخطاب الوعظي السائد تصوير الله على أنه إله يبحث عن السلطة من خلال بحثه عن من يعظمه ويبجله من خلال إتباع قوانين وضعها كي يرضى وكأن الله بحاجة للإنسان ليصل من خلاله للكمال أو للسلطة وحاشاه سبحانه. فالكثير من الشباب يعاني من اختزال الدرس الديني على مجرد تقديم الدين على أنه مجموعة من القوانين المطلوب اتباعها. فكأن الطالب يحصل على لائحة قوانين عليه أن يلتزم بها. فتتقلص صورة الإله وصورة العلاقة بين الإله والإنسان على أنها صورة قانونية، هناك مجرد مشرع وهناك مجرد متلقي لهذه القوانين. وهذا يكون على حساب علاقة الله بالإنسان كعلاقة حب ورحمة وعلاقة ثقة وهذا هو المفهوم التربوي للإيمان.

علينا إذن إعادة النظر في صورة الإله التي ورثناها، فإله القرآن هو إله الحب والرحمة الذي جعل من رحمته ثابتاً مطلقاً في علاقته مع الإنسان، بينما جعل عذابه نسبياً: "عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ".

 

إله القرآن الذي كتب على نفسه الرحمة، أعطى بذلك وعده للإنسان أنه إله الرحمة، وأنه لا يريد بالإنسان إلا الخير، إله القرآن هو الذي طلب من الملائكة السجود للإنسان تأكيداً على محورية الإنسان وإيمان الله بالإنسان كخليفة مكرماً بكونه إنساناً بغض النظر عن دينه أو عرقه.

إله القرآن أكد أن علاقته بالإنسان هي علاقة حب: "يحبهم ويحبونه" وقد إبتدأ بنفسه لأنه بخلقه للإنسان سارع متجهاً للإنسان بخطوة الحب الأولى منتظراً الجواب على هذه الخطوة، وهل يكون الجواب على الحب إلا حباً متبادلاً؟ لكن حب الله لا يكون بالمزايدة ولا بالدعاوى الفارغة إنما يتحقق حب الله بأن يجعل الإنسان من نفسه أداة لتحقيق الحب والرحمة. كم يعجبني حديث الرسول عليه الصلاة والسلام حين وضح معنى العبادة الحقيقية: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ" (رواه مسلم). هذا الحديث يذكّرنا بالإصحاح ٢٥ من إنجيل متى، إذ توجد فيه رواية مشابهة يتمّ التوكيد في آخرها على: "بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ". إنّ جوهر التديّن ومعياره في نفس الوقت هو كون الإنسان أداة تحقيق محبّة الله ورحمته، فكلمّا حرص الإنسان من خلال تصرفاته على تحقيق محبّة الله ورحمته بين البشر، كان بذلك أكثر إلتزاماً بدينه. فالأمر لا يتوقف على شعارات رنانة أو على بعض جمل يرددها المؤمن وإنّما على مدى تغيير هذا الإنسان لنفسه على أرض الواقع جرّاء إلتزامه بالدين، أي هل يكون الإنسان بإلتزامه الديني أداة لتحقيق محبّة ورحمة الله أو يكون أداة جمود أو حتّى أداة للسلبية والكراهية؟

والرسول عليه الصلاة والسلام أكد على هذا المعنى: "أحب الناس إلى الله أنفعهم لِلنَّاسِ" (أخرجه  الطبراني) .

 

الحب والرحمة هما معيار الخير، فكل ما يُحقق الحب والرحمة هو من مراد الله. فليس على الإنسان إلا أن يستفتي قلبه كما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك وفقاً لمعيار الحب والرحمة بين الخلق تحقيقاً لمراد الله الذي يريد أن تتجلى محبته ورحمته من خلال الإنسان. فكون الإنسان خليفة لله يعني أنه أداة تحقيق مراد الله. فالإيمان بالله هو عمل على تمهيد الطريق لتجلي الحب والرحمة الإلهيين. لكن كم نتحدث في كلامنا عن الإسلام عن الحب كعلاقة مقدسة بين الله والإنسان والتي تتجلى في خُلُق الإنسان وفي عمله وعلاقاته مع محيطه الإنساني والمادي؟ كم نتحدث عن الرحمة الإلهية والتي لا تكاد تخلو صفحة من القرآن إلا وتشير إليها؟ كثيراً ما يطغى الحديث الفقهي على ذلك الروحاني الذي هو البداية والنواة والنهاية لكل حديث عن الله والإنسان. فقدنا ونفقد الكثير من شبابنا لأنهم نادراً ما يجدون في الخطاب الديني السائد تلك الروحانيات التي تشتاق إليها الروح.

 

لذلك نحتاج لإعادة النظر في أساليب التربية الإسلامية وفي أساليب تدريس الدين الإسلامي. لم يعد أسلوب التلقين يؤتي ثماره. فتلقين الدين يعني النظر إلى المتلقن كمتلقي سلبي لا يمتلك قراره بيده، وهذا يفتح الباب أمام الوصاية الدينية التي يرفضها الشباب المسلم اليوم، خاصة المثقف منه والذي يريد أن يتخذ قراره الديني بنفسه وعن قناعة لا عن وصاية. فبدلاً من إستخدام أسلوب تلقين القيم الدينية لا بد من الحديث عن طرق اكتساب الدين أو تمثل القيم الدينية. فالتدين لا يلقن بل يُكتسب. الحديث عن اكتساب التدين أو تمثل القيم الدينية يعني أن الإنسان هو الفاعل الذي يكتسب تدينه بنفسه كنتيجة فعل إيجابي وقناعة ذاتية. فهو ليس مجرد المتلقي السلبي لمحتوى الدين الذي يفتقد للحجة العقلية.

فالموضوع إذاً يتمحور حول احترام حرية الإنسان في تحديد وتشكيل ذاته. والحرية لا يقصد بها كما يُساء فهمها مجرد حرية الاختيار،  أي أن أختار بين أمرين أو أكثر ولكن مفهوم الحرية كما أصّل له الفيلسوف الألماني كانط وغيره هو الاختيار الواعي لما هو أعقل. فأنا حر ليس إذا إخترت ما شئت ولكن إنما أنا حر عندما أختار الخيار الأعقل.

وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد حدد علاقة الإنسان بربه على أنها علاقة حب (يحبهم ويحبونه)، فلا بد وأن يكون هذا الإله قد رزق الإنسان حرية تشكيل علاقته بالله كعلاقة حب حيث أن مفهوم الحب لا يمكن فصله عن مفهوم الحرية. فحيث لا حرية لا يمكن الحديث عن الحب. الحب المُجبَر ليس حباً بل مجرد انصياع لأوامر.

نحن مدينون للأجيال القادمة في أن نعيد النظر في طرحنا الديني والبداية لا بد أن تكون في طرح السؤال المركزي: ما هي صورة الإله التي نؤمن به وبالتالي ما هي صورة الإله التي نطرحها في خطابنا الديني؟

 

مهند خورشيد. أستاذ التربية الإسلامية ومدير مركز الدراسات الإسلامية في جامعة مونستر الألمانية

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق