قيامة السيد المسيح..

النار فى الأديان السماوية

الأحد، 08 أبريل 2018 05:00 ص
النار فى الأديان السماوية
المسيح
كتب - حمدى عبد الرحيم

مفهوم الجحيم ضبابى للغاية فى اليهودية

الكنائس الإصلاحية التى بدأت من حركة مارتن لوثر ترى الجحيم كمكان مؤقت غير أبدى والعذاب فيه يأتى لتطهير النفوس لا لعقابها 

التلمود يركز على كون «جهنم» مرحلة مؤقتة محددة بـ 12 شهرا

بابا روما: إننا نرى الجحيم كجهاز تأديبى لأن الجحيم مجرد كناية عن الروح المعزولة

تتفق الكنائس المسيحية عمومًا على كون عذاب الجحيم يأتى مقسمًا إلى 7 مستويات (كالنعيم المقسم بدوره إلى 7 مستويات)، كل منها مخصص لفئة محددة من المعاصى والذنوب التى لها عقوباتها المناسبة

الجحيم فى الإسلام أبدى بشكل مطلق للكفار والمنافقين ولأى أحد ينكر أُلوهية الله أو رسالة الرسول أو للمشركين الذين يعتقدون بوجود عدة آلهة 

البشر حين يرفضون الأمور الأبدية وبمشورة الشيطان يتحولون إلى الأمور الفاسدة

يبدو بابا الفاتيكان مولعًا بإطلاق التصريحات التى تتناول أمور الآخرة وليس شئون الدنيا، فقبل أيام جلس البابا مع الصحفى الإيطالى البارز إيجينيو سكالفارى مؤسس صحيفة لاريبوبليكا.

وخلال الجلسة قال البابا: «إن الجحيم غير موجود»
الصحفى البارز الذى يقال إنه من الملحدين نشر كلمات البابا، فقامت قيامة المؤمنين بوجود عقاب فى الآخرة، وهو الأمر الذى أدى إلى صدور بيان رسمى من الفاتيكان نقلته كبريات الصحف والإذاعات جاء فيه: إن الاقتباس الذى قام به الصحفى من كلام البابا لم يكن دقيقًا.
 
 
وأضاف الفاتيكان أن المقال اعتمد على مقابلة خاصة بين البابا والصحفى.
وأكد البيان أن عقيدة الكنيسة الكاثوليكية تؤكد وجود جهنم وأبديتها، وتقول تعاليم الكاثوليكية إن أرواح المذنبين تلقى فى جهنم، حيث يعانون النار الأبدية.
 
كادت القصة تنتهى ببيان الفاتيكان ولكن تدخل الكاردينال فنسنت نيكولز، رجل الدين الكاثوليكى الأعلى فى انجلترا وويلز، زاد الأمر اشتعالًا، لأن الكاردينال قال: «لا يوجد فى تعاليم الكاثوليكية ما يقول فعليا إن شخصا ما فى جهنم».
 
من ناحيته لم يقف الصحفى سكالفارى مكتوف اليدين، فقد نشر مقاله الخميس قبل الماضى عن الجلسة التى جمعته والبابا، وجاء فيه، إنه سأل البابا أين تذهب: «الأرواح الشريرة ؟».
 
فرد البابا: «الأرواح لا تعاقب.. هؤلاء الذين يتوبون يحصلون على عفو الله، ويدخلون ضمن صفوف الذين يتفكرون فيه، لكن أولئك الذين لا يتوبون ولا يمكن العفو عنهم يختفون. ليس هناك جحيم. هناك اختفاء لأرواح المذنبين».
 
المقال جعل إذاعة عريقة مثل الـ «بى بى سى» تدخل على خط المواجهة حيث أكدت أن الصحفى الإيطالى البارز ملحد ويعلن ذلك.
سخونة المعركة دفعت المعارضين للبابا إلى إعادة نشر السجلات القديمة وقد توقفوا كثيرا عند عظة للبابا يعود تاريخها إلى مطلع العام 2014 وقد جاء فيها: من خلال التواضع وروح البحث والتأمل والصلاة، اكتسبنا فهمًا جديدًا لبعض العقائد.
 
 الكنيسة لم تعد تعتقد فى الجحيم حيث يعانى الناس، هذا المذهب يتعارض مع الحب الذى لا حصر له من الله.
وفى العظة القديمة ذاتها أكد البابا أن الله: «ليس قاضيا ولكنه صديق ومحب للإنسانية، وهو لا يسعى إلى إدانة الناس، ولكن يقوم فقط باحتضان خلقه، إننا نرى الجحيم كجهاز تأديبى، لأن الجحيم هو مجرد كناية عن الروح المعزولة، والتى ستكون موحدة على غرار جميع النفوس فى نهاية المطاف فى الحب مع الله». 
 
تلك العظة لم تمر بسلام لأن البابا ذكر فيها أن قصة آدم وحواء أسطورية، ثم نظر بعين العطف للشواذ جنسيًا، تلك القنابل أدت إلى التدخل المعتاد من الفاتيكان الذى أصدر بيانًا قال ملخصه: إن البابا لم يكن يقصد الكلمات بمعناها !
المتابع لكل تلك التصريحات والتصحيحات والتدخلات سيدرك أن رؤية الفاتيكان للجحيم متخبطة، فرأس الفاتيكان أعنى البابا يقول كلامًا واضحا وصريحا، وعندما يهيج معارضوه يتدخل الفاتيكان للتهدئة !
الكاتب السورى على وديع حسن التفت بطريقة جادة إلى الأمر فكتب دراسة عن الجحيم من وجهة نظر الأديان السماوية الثلاثة، جاء فيها: بغض النظر عن الاختلافات الظاهرية الكبيرة فى الطقوس بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة، فالخلافات العقائدية محصورة بشكل أكبر، ولعل واحدًا من أكبر هذه الخلافات هو مفهوم النعيم والجحيم، فبينما يظن الكثيرون أن المفهوم متطابق فى الأديان الثلاثة وطوائفها، فهو مختلف بشكل كبير ولاقى العديد من التغييرات والتعديلات مع الزمن.
 
اليهودية القديمة: لا نصوص تحدد مضامين «الحياة الآخرة»
كما الأديان الإبراهيمية الأخرى، فاليهودية تؤكد بشكل قاطع بأن الموت ليس النهاية، والوجود البشرى ليس محدودًا بالسنوات التى يقضيها الإنسان على سطح الأرض. لكن مع التأكيد اليهودى على وجودة حياة بعد الموت، فلا يوجد أية تحديدات لمضمونات هذه الحياة، خصوصًا مع تركيز اليهودية على فكرة الثواب والعقاب ضمن الحياة الأصلية للإنسان.
 
معتقدات ما بعد الموت فى اليهودية تتراوح بشكل كبير، فبالنسبة للصالحين فالثواب قد يكون على شكل إعادة البعث لمرات عديدة (التقمص) أو «القيامة» مع قدوم المسيح المخلص أو حتى كون القيامة عملية مستمرة غير محصورة بوقت واحد فقط.
 
يؤمن معظم اليهود بوجود عالم لاحقٍ بعد الموت يبدأ بالقيامة ويسمى «أولام ها با» (العالم الذى سيأتي) وعلى عكس التفاصيل التى تبدو مادية للجنة الإسلامية، فالنعيم اليهودى أقرب لحالة روحية من الصفاء المطلق فى «جنة عدن» والمختلفة تمامًا عن «الجنة» التى خلق بها آدم وحواء.
 
مفهوم «الجحيم» ضبابى للغاية فى اليهودية، فمع غياب أى ذكر للعذاب الأبدى، فالعذاب ليس غائبًا تمامًا، وبينما غير المؤمنين لا يمرون بالقيامة أصلًا (تفنى أرواحهم)، فالعصاة من المؤمنين يهبطون إلى وادى «جهنم» للتكفير عن ذنوبهم.
 
 هذا التكفير عن الذنوب غير متفق على طبيعته، فالبعض يراه مرحلة يشاهد فيه العصاة عواقب أفعالهم السيئة، بينما يرى آخرون أن كل ذنب يقوم به اليهودى يخلق ملاك عذابٍ (شيطانًا) يقوم بتعذيبه لاحقًا فى جهنم ليكفر عن خطاياه ويستحق الصعود إلى عالم النعيم أو «مملكة السماء».
 
على الرغم من أن التوراة لا تذكر وجود جهنم أو عذابها، فالتلمود يركز على كون «جهنم» مرحلة مؤقتة فقط محدودة بـ 12 شهرًا فقط، مع كون طبيعة العذاب فيها أقرب لكونها مشاعر ندم وأسف لا عذابًا جسديًا.
 
مصير الشخص، بعد فترة جهنم، غير محدد فى الواقع، فالبعض يعتقد أن المذنب بشكل كبير تفنى روحه تمامًا، بينما يظن البعض أن روحه تبقى فى حالة دائمة من الندم والأسف للأبد. أما المؤمن الذى يعاقب لخطايا قليلة، فمصيره النهائى هو حالة النعيم بعد تطهير روحه.
على عكس اليهودية والإسلام، فكرة الخطيئة الأصلية الناتجة عن عصيان آدم للإله فى الجنة تلعب دورًا محوريًا فى العقائد المتعددة لمختلف الكنائس المسيحية.
 
 فبينما يولد الإنسان طاهرًا لدى اليهود والمسلمين، فى المسيحية، لا يتخلص الإنسان من خطيئته الأصلية إلا بقبوله ليسوع كمخلص له وإيمانه بالثالوث المقدس (الأب والابن والروح القدس). 
 
الدور الكبير للخطيئة الأصلية فى المسيحية يأتى من محورية صلب المسيح وكون هذه التضحية كفارة للخطيئة الأصلية التى ورثها البشر.
تصف الكنائس المسيحية الجنة غالبًا بكونها مكانًا من الصفاء الروحى والاقتراب من الإله، فهى بذلك ليست مجسدة وحتى أنها ليست مكانًا محددًا بنظر الكثيرين، بل هى حالة من السعادة المطلقة والمحبة التى لا يشوبها أى ألم أو سوء أو مشاعر سلبية من أى نوع.
 
الجحيم بالمقابل، يعامل على أنه فيزيائى إلى حد بعيد، فالعذاب فيه جسدى بالإضافة للعذاب النفسى، ومقابل الجحيم المحدد بوقت معين فى اليهودية؛ هو أبدى وخالد فى المسيحية، والمعذبون فيه من الكفار الذين رفضوا قبول يسوع كمخلص لهم يخلدون فيه للأبد دون أمل بالخروج منه، تبعًا للعقيدة الكاثوليكية ومعظم الكنائس المشرقية الأرثوذكسية. 
 
الخلاف الأساسى فى مفهوم الجحيم يأتى فى أبديتها، فالكنائس الإصلاحية التى بدأت من حركة مارتن لوثر وأنشأت البروتستانتية التى تفرعت لاحقًا، ترى الجحيم كمكان مؤقت غير أبدى والعذاب فيه يأتى لتطهير النفوس لا لعقابها.
 
بالمقابل فالكاثوليكية ترى عذاب الجحيم غير أبدى فقط لأولئك المؤمنين العصاة، وواحد من أهم الأعمال الأدبية المرتبطة بالكاثوليكية هى الكوميديا الإلهية التى كتبها دانتى، وتروى رحلته عبر مراحل العذاب فى الجحيم ليصل للمطهر حيث يتطهر من ذنوبه ويستحق دخول النعيم.
تتفق الكنائس المسيحية عمومًا على كون عذاب الجحيم يأتى مقسمًا إلى 7 مستويات (كالنعيم المقسم بدوره إلى 7 مستويات)، كل منها مخصص لفئة محددة من المعاصى والذنوب التى لها عقوباتها المناسبة. والعذاب مؤقت لمن يمتلك الإيمان، إلا أنه أبدى لمن هم خارج الكنيسة.
 
وجهة النظر هذه بدأت بالتغير نسبيًا فى الكنيسة الكاثوليكية خصوصًا مع تصريحات البابا (السلطة الكنسية الأعلى وخليفة الإله على الأرض بالنسبة للكاثوليك) التى تكلم فيها عن الخلاص للجميع حتى لمنكرى وجود يسوع وكونه مخلصهم.
 
وفق النصوص الإسلامية، الحياة الآخرة أبدية، ولكنها لا تبدأ فورًا بعد الموت، بل بعد «يوم القيامة»، بعد أن ينفخ إسرافيل فى الصور «نفخة البعث». 
 
فيحاسب الناس وفقًا لحسناتهم وسيئاتهم خلال حياتهم، ومن ثم يعبرون «الصراط» للوصول إلى الجنة، حيث يكون ضيقًا جدًا للكفار الذين يقعون عنه ليخلدوا فى النار للأبد. فكرة الصراط فى الإسلام مشابهة للغاية للجسر الذى يعبر عليه الناس يوم الحساب الموجودة فى الزرادشتية القديمة (المجوسية).
 
على عكس كل من المسيحية واليهودية، فالجنة الإسلامية موصوفة بدقة، كمكان حقيقى تعمّه أساليب الحياة الرغيدة والسعادة. فالقرآن الذى يشكل المصدر الأساسى للتشريع الإسلامى والذى يراه المسلمون منزّلا من الله، يصف الجنة بتفاصيل متعددة مع أنهار من العسل واللبن وفاكهة وطيور وطبيعة جميلة وحتى قصور وجوارى وغلمان.
 
النعيم الإسلامى كما المسيحى، مقسم إلى سبعة مستويات لكنه موصوف بشكل مادى، وهنا لا بد من الإشارة إلى ميل البعض وخصوصًا الطوائف الباطنية والجماعات الدينية الصغرى، لاعتبار النعيم تجربة روحانية لا جسدية وحسية.
 
الجحيم فى الإسلام أبدى بشكل مطلق للكفار والمنافقين، ولأى أحد ينكر أُلوهية الله أو نبوة محمد أو للمشركين الذين يعتقدون بوجود عدة آلهة، وعلى الرغم من وجود الكثير من الآيات القرآنية التى تصف الجحيم بكونه أبديًا لأى من يدخله، فالعديد من شيوخ الإسلام يرون أن الجحيم مؤقت للمسلمين العصاة ومرحلة تطهير لهم وهو أبدى فقط للكفار.
 
إلا أن العذاب جسدى إلى حد بعيد، وله أنواع وأشكال عديدة، تستفيض النصوص الإسلامية بوصفه، ولكن على عكس المسيحية، فالشيطان (إبليس) ليس من يحكم النار عند المسلمين، بل يخضع للعذاب فيها كذلك كعقاب لرفضه للسجود لآدم عند خلقه.
 
 
العقائد الإبراهيمية الثلاثة تتشابه بشكل كبير مع الزرادشتية فى نظرتها للآخرة: فالنعيم تحول بشكل كبير من تجربة روحية مشابهة لأفكار الأديان المشرقية، إلى تجربة جسدية أو مجسدة، كما أن الفكرة الأساسية المشتركة فى جحيمها هى كونها مرحلة تنقية وتطهير من الذنوب للمؤمنين، ولو أن مدتها تتغير من كونها مؤقتة للجميع فى اليهودية إلى الأبدية فى الإسلام والمسيحية. 
 
انتهى ملخص دراسة على حسن وديع، ولكن بقى أمر الجحيم لدى المسيحية يحتاج لمزيد من التوضيح إن لم أقل الحسم، هذا التوضيح وجدته فى موقع «أصول المسيحية الحقيقية فى عصر النعمة» فقد نشر الموقع دراسة وافية عن التصور المسيحى للجحيم لباحث لم يذكر الموقع اسمه !
 
وإن كان الباحث نفسه قد أستند إلى دراسة كتبها الباحث أشرف بشير.
تقول الدراسة: إن فكرة الجحيم فى المسيحية الأرثوذكسية تختلف تمامًا عن الجحيم فى صورته الفلكلورية المتعارفة، فمثلا حاول بعض الرسامين المسيحيين فى العصور الوسطى تصوير الجحيم فى الاعمال النحتية والتصويرية فأخرجوها فى صورة مساحة كبيرة من النار يتعذب فيها البشر، بل وبالغ البعض منهم بأن صور الله يلقى فيها البشر بواسطة ملائكته كنوع من العقوبة ! فى صورة تشوه صورة الله وتحوله إلى اله «منتقم جبار» هدفه الاقتصاص ممن خالفوه وعصوه فتتمثل عقوبته العادلة فى وضع هؤلاء البشر فى عقاب عادل دائم فى نار لا تطفأ. 
 
قبل أن نبدأ فى تحليل الصورة الصحيحة للجحيم لنتذكر قول القديس صفرونيوس: «كل من يحاول أن يغرس أى فكرة ما ضد محبة الله … فهو متحالف مع الشيطان».
 
ودائما تذكر هذه القاعدة فى محاولة فهمك لتدبير الله كما وضحها القديس يوحنا ذهبى الفم: «ينبغى الا ينسب أحد القسوة إلى الله».
 ويجب أيضا أن ترفض أى فكرة تفترض وجود الله منفصلًا عن الحب، فيشرح هذا القديس يعقوب السروجى فيقول: «الله لا يسكن حيث لا يوجد الحب».
 
إذن فباختصار المسيحية الارثوذوكسية (الأصلية) لا تؤمن بالجحيم لأن الله ببساطه كلى الرحمة.
 
يقول القديس امبروسيوس: «روح الله يميل إلى الرحمة، وليس إلى القسوة».

الانجيل يتعارض مع فكرة الجحيم
قد تتعجب او تصدم حين تعرف أن الجحيم فى الفكر الآبائى ما هو إلا حب الله ! يشرح القديس اسحق السريانى فيقول: «إنه من الخطأ أن نظن أن الخطاة فى الجحيم مبعدين عن حب الله ! الحب هو ابن معرفة الحق، وإنه لا جدال مُعطَى للجميع، ولكن قوة الحب تعمل فى طريقين: تعذب الخطاة وفى نفس الوقت تسر من عاشوا وفق الحب».
 
 يؤكد القديس اغسطينوس نفس الرأى بمثال آبائى كلاسيكى مشهور فيقول: «كيف تريد أنت أن ترى طلوع الشمس بعينين مريضتين ؟! اعمل على أن تكون عينيك سليمتين فتفرح بالنور. أما إذا كانتا مريضتين فالنور عذاب لهما».
 
نعم، هكذا علمنا آباءنا، إن الجحيم ليس انتقاما أو تعذيبا أو تشفيا، بل حبا مقدما من الله، يقع على البعض سعادة وفرح وعلى الآخرين ألم وعذاب وحزن، مع أنه ذات الحب بدون أى اختلاف ! فان الله لا يقدم سوى حب، فان طبيعته لا تستطيع ان تقدم غير هذا ! لأنه «محبة» ! ونفس المعنى أكده اللاهوتى الأرثوذكسى كوستى باندلي:
«الحب يعمل بطريقتين مختلفتين فانه يصبح عذابا فى الهالكين وفرحا فى المطوبين».
 وهو نفس ما ذكره القديس اسحق السريانى حين يقول إن الحب يعاقب الانسان بعذاب لا مثيل له بسبب تشوهه بالخطية: 
فى جهنم يتعذبون بعذاب الحب، فما هو الأكثر مرارة والأشد من عقاب الحب ؟ أعنى هؤلاء الذين أصبحوا مدركين انهم اخطأوا تجاه الحب، فانهم يعانون بهذا عذاب أكثر من عذاب أى خوف من العقاب ! لأن الألم الناتج فى القلب من الخطية ضد الحب أكثر حدة من أى عذاب. 
 كما يجدر ان نلاحظ ان الحب شعور متبادل، فيكون العذاب فيه ان كان من طرف واحد !! حاول الله أن يزرع فينا هذه الصورة بعلاقات الحب البشرية، اعطانا صورة مصغرة لنتخيل هذا، هل جربت أن تحب شخص لا يحبك ولا يهتم بمشاعرك ؟ هل تألمت بهذا ؟ انه شعور ابيك السماوى الذى تقابل حبه بلا مبالاة، هل جربت ان تتلقى حبا من شخص حب عظيم وتكون فى حالة لا مبالاة ويتعبك انه يقدم لك هذا الحب وأنت عاجز عن مبادلته اياه لانك لا تطيقه ولكنك تقدر حبه وأعمال حبه تجاهك ؟ تعجز عن رفضه لانه يعشقك وفى نفس الوقت لا تحتمل وجوده، تعذبك نظرات حبه لك وفى ذات الوقت رفضك له يمنعك من مجاراته رغم تقديرك لحبه ! هذا هو شعورك انت تجاه الحب الالهى فى صورة مصغرة وضعها الله (فى حياتك الدنيوية) لتتخيله فيها بقدراتك المحدودة، عن هذا يقول القديس سلوان الآثوسى: «فإن فى الانسان تكمن جرثومة موته، كما يقول القديس اغسطينوس: «إن الإنسان ينطوى على جرثومة موته».
ويؤكد هذا المعنى القديس باسيليوس أيضا: «ليس الله مسببا لعذابات الجحيم بل نحن أنفسنا لان أصل الخطية وجذرها كائن فى حريتنا وإرادتنا».

 ونفس المعنى نجده فى تعاليم القديس اثناسيوس حين يعلم
البشر حين يرفضون الأمور الأبدية وبمشورة الشيطان يتحولون إلى الأمور الفاسدة يكونون لأنفسهم سببا فى فساد الموت !
 هذا ما لدى اليهودية والمسيحية عن الجحيم، أما فى الإسلام فالأمر مقطوع به ومجمع عليه، فهو ثابت عند المسلمين بالعقل والنقل ويعد الإيمان بوجود النعيم والجحيم من الأركان الراسخة التى لا يجدى معها التأويل.
وقد رأيت مراعاة للمساحة نشر سؤال تلقاه موقع إسلام ويب قال فيه السائل: أنا فى حيرة من أمرى، أنا مسلم -ولله الحمد- لماذا يعذب الله البشر فى الآخرة؟ ما الحكمة من ذلك؟ وما الغاية من ذلك؟ مع العلم أنه لا يوجد بشر فى الكون يستطيع أو يطيق تحمل عذاب جهنم ولو لثانية واحدة. أليس ذلك قاسيًا جدا، ألا توجد طريقة أخرى لتمحيص الإنسان من الخطايا والذنوب؟ أو ليس الله أرحم الراحمين؟ أو ليس الله أرحم من الأم بولدها؟ فلماذا عذاب جهنم خلق؟
وقد رد شيوخ الإفتاء على السائل قائلين: الله تعالى كما أنه أرحم الراحمين، وأنه عفو كريم، رؤوف غفور حليم، فهو سبحانه: حكم عدل، حكيم عليم، جليل عظيم، عزيز ذو انتقام.. ولا بد من ظهور آثار أسمائه وصفاته كلها على خلقه، ومن ذلك مجازاة الناس يوم القيامة، فكما يظهر فيها العفو والمغفرة والرحمة، فكذلك يظهر فيها العدل والحكمة والنقمة، كلٌّ بحسب ما يليق بحاله، وهذا من العدل الذى قامت به السموات والأرض.
ورغم شدة العقاب، وسوء الحساب، الذى ينتظر المجرمين، فليس لأحد منهم عذر بعد قيام حجة الله تعالى عليهم، بإرسال الرسل وإنزال الكتب، والوعيد الشديد، والإنذار الأكيد، بأهوال القيامة والإخبار بصفة النار وأحوال أهلها، قال تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 13 - 15]. 
فليس هناك من ظلم فى الآخرة، بل هو عمل الإنسان يجد جزاءه حاضرا، بعد أن قامت عليه حجة الله بإنزال الوحى بالبشارة والنذارة.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق