رجال فى حضرة الهانم هند رستم

الأحد، 08 أبريل 2018 10:00 ص
رجال فى حضرة الهانم هند رستم
هند رستم
كتب - مصطفى الجمل

حسن الإمام أسماها «عند رستم».. ويوسف شاهين «بهدلها».. إسماعيل يس أبكاها.. ومحمود المليجى جرى وراها.. والعقاد حلل لها التمثيل بعد الحج.. ورشدى أباظة جعلها «مجرمة».. وعبدالناصر أرعبها بنظرة 
 

والدها اللواء حسين رستم.. أخذت منه العند وركوب الخيل وتربية الكلاب.. قاطعها بسبب دخولها الفن.. وغرس بداخلها حب حزب الوفد ومصطفى باشا النحاس 

«لم تكن تجامل حتى نفسها، ولم تكن أعمالها تسلم من صراحتها، تنتقد نفسها ببساطة كما تنتقد الآخرين، تعترف لك بلا تردد أن هناك أفلامًا قامت ببطولتها لكنها لا تحبها، ولا تفخر أنها فى رصيدها». هذه الكلمات على لسان الكاتب الصحفى أيمن الحكيم، متحدثًا عن واحدة من أهم نجمات السينما المصرية، سماها أستاذها المخرج الكبير حسن الإمام «عند رستم»، وفطين عبدالوهاب أطلق عليها «أم رجل دهب»، واختار لها مفيد فوزى لقب «ملكة الإغراء»، و «مارلين مونرو الشرق»، وناداها محمد عبدالوهاب بـ «الهانم»، أما هى نفسها فكانت تحب لقب «ريتا هيوارث».  هند حسين مراد رستم، الفتاة المصرية ذات الأصول التركية، التى خطفت قلوب المصريين، جيل يخلفه جيل، ومثلت فتاة أحلام الأجداد والأحفاد منذ ظهورها لأول مرة على الشاشة حتى الآن، تتحدث خلال السطور المقبلة - ننقلها عن الكاتب الصحفى أيمن حكيم من كتابه «ذكرياتى.. هند رستم»، الصادر حديثًا عن دار الكرمة - عن أبرز الرجال فى حياتها، كيف أثروا فيها؟ كيف أخذوا بيدها؟ كيف غضبوا منها؟ وكيف منعت نفسها عنهم أحيانًا؟ من كانت تهابه ومن أدخلها عالم الإجرام والمشاغبة؟ وعلاقتها بالسياسة، ومذهبها الذى اعتقنته حتى مماتها. 

 

717521635338764592

يعتبر رشدى أباظة من النجوم الذين أثروا بشكل كبير فى مسيرة هند رستم الفنية، ولها معه ذكريات كثيرة. 
تقول: «عندما كنت أعرف أن عندى تصوير مع رشدى أباظة، أشعر بالارتياح، فقد كنت أعتبره أخًا حقيقيًا يخاف على ويحبنى بصدق، لا أنسى فى أحد المشاهد الصعبة فى فيلم «رجال فى العاصفة» اتكعبلت ووقعت على قضبان السكة الحديد، وأصبت بنزيف داخلى قوى، ومن دون تفكير حملنى رشدى أباظة ووضعنى فى سيارته وانطلق بسرعة جنونية حتى أقرب مستشفى، ولم يتركنى إلا بعد وضع الجبس فى رجلى والاطمئنان على». 
 
 
201701230532553255
 
 
1467543348-4366526
 
تتابع: « فى فيلم رد قلبى، كان هو زعيم فرقة المشاغبين المكونة من رشدى وشكرى سرحان وزهرة العلا وأنا طبعًا، وكان مخرج الفيلم الأستاذ عز الدين ذو الفقار، وكان أصيب بمرض حد من حركته، فكان يستعين بعصا طولها 6 أمتار لضرب أى منا إذا حاول أحداث شغب، بعد الفيلم قرر رشدى أباظة السفر لبيروت، فطلبت منه أن يشترى لى قماش من هناك يمتاز بالمتانة والثقل والجودة، وفى اليوم التالى لعودته دق جرس الباب الساعة 10 صباحًا، فاستيقظت مذعورة واتجهت وكلى غضب لأفتح الباب فوجدت رشدى ومعه عمر الشريف، ومن دون سلامات ولا مقدمات فوجئت به يرمى قطعة القماش فى وجهى، ويقول: خدى يا ستى آدى البطانية اللى انت عايزاها». 
 
20171012_173027_8433
 
تضيف هند عن ذكرياتها مع عمر الشريف: «كانت فرقة المشاغبين تضم رشدى وعمر الشريف وأنا وبعد ذلك أحمد رمزى، وكان المخرج فطين عبدالوهاب يعرف أنه إذا اجتمع الثلاثى المشاغب فى عمل انقلب الاستوديو إلى مولد، وحدث أننى عملت مع عمر الشريف فى فيلم من إخراج فطين، ولم يكن معنا رشدى، وفى أحد أيام التصوير زارنا رشدى فى الاستوديو، فلما رآه فطين وضع يده على رأسه وقال: يا نهار اسود، الشياطين اتجمعوا، إن شاء الله الفيلم مش خلصان، ثم نظر إلى رشدى وقال: انت يا أستاذ ياللى اسمك رشدى أباظة.. انت جاى تعمل إيه؟ فرد رشدى فى براءة مصطنعة وقال: جاى أسلم عليك يا أستاذ، فجرى عليه فطين وصاح: مش عايزك تسلم على! يلا بره». 
 
اشترك رشدى وهند وحسام مصطفى فى تكوين شركة إنتاج سينمائى، تقول عنها «الهانم»: كانت باكورة إنتاج هذه الشركة، فيلم ست البنات، وفشل الفيلم فشلاً ذريعًا، وتسبب فى خسائر كبيرة كانت كفيلة بفض الشركة، وكان رشدى كلما قابلنى بعد الفيلم ينظر لى فى غيظ ويقول: منك لله يا شيخة خربتى بيتى». 
 
Hind_Rustom
 
وعن أيام رشدى أباظة الأخيرة، تقول: «ذهبت لزيارة رشدى فى المستشفى أثناء مرضه الأخير، ويومها وجدت عنده حشدًا من النجوم، أذكر منهم عزت العلايلى ونادية لطفى، ولما عرف رشدى بوجودى رفض مقابلتى، على الرغم من الصداقة الطويلة والقوية بيننا، ولكنى لم أحزن، فقد شعرت بأنه لا يريدنى أن أراه فى هذه الحالة التى كان عليها فى أيامه الأخيرة، وهو الذى اعتاد أن نراه فى كامل صحته وفتوته ورجوله، عز عليه أن أراه رجلاً بلا حول ولا قوة بعد أن هزمه المرض، وعلى الرغم من رحيله منذ سنوات إلا أن ذكراه ما زالت حية ونابضة فى قلوب الذين عاصروه وأحبوه». 
 
على الرغم من قوة شخصيتها واعتزازها بنفسها، وثقتها الزائدة التى نفضت عنها إحساس الخوف، إلا أنه هناك فى حياة الهانم رجالا أهابتهم وكانت تخشى ردة فعلهم، وهم الفنان يوسف وهبى وحسين رياض ومحمود المليجى. 
 
عملت هند رستم، مع فنان الشعب يوسف وهبى فى فيلمين الأول، إشاعة حب عام 1960، بالاشتراك مع سعاد حسنى، وعمر الشريف وعبدالمنعم إبراهيم ولاعب الكرة الشهيرة عادل هيكل ومن إخراج فطين عبدالوهاب، والثانى اعترافات زوج من إخراج فطين عبدالوهاب أيضًا وبالاشتراك مع فؤاد المهندس وشويكار ومارى منيب، وعرض فى عام 1964. 
 
تقول الهانم عن ذكرياتها مع يوسف وهبى: «من الذكريات التى لا أنساها فى فيلم «إشاعة حب». 
 
وتضيف: «فى فيلم إشاعة حب كان هناك مشهد يضم يوسف وهبى، وعمر الشريف وعبدالمنعم إبراهيم وأنا، وفيه أدخل عليهم وأنا أحمل طفلاً صغيرًا وأتوجه لعمر الشريف وأقول بدلال: ده ابنك.. بوسة يا حبيبى، فيقع عمر على الأرض من الصدمة، ونفذ عمر المشهد بشكل كوميدى جدًا، فلم أتمالك نفسى من الضحك وباظ الشوت، وكررنا المشهد مرة أخرى وضحكت فيه من جديد فظهر الغضب على وجه يوسف وهبى، ولكنه لم يعبر عنه احترامًا للأستاذ فطين عبدالوهاب، وفى المرة الثالثة انفجرت فى الضحك، فانفجر يوسف وهبى من الغيظ وقال فى غضب: إيه يا سى عمر إنت وست هند، إنتو هتهزروا، يا أستاذ فطين لما البهوات يمسكوا نفسهم إبقوا نادونى، واعتذر له فطين وأوضح له أننى أضحك من شدة الإرهاق، وأنه سيتم تأجيل المشهد إلى الغد، فانصرف يوسف وهبى غاضبًا، واعتذرت له فيما بعد وقبل الاعتذار وتصافينا». 
أما الفنان حسين رياض، فأول عمل جمعه بهند رستم كان «بنات الليل»، وتقول عنه هند: «كنت أحب الأستاذ حسين رياض وأخاف منه، وفى أول فيلم أشترك فيه معاه كان جسمى ينتفض، وقلت ذلك للأستاذ حسن الإمام، الذى فتن على للأستاذ حسين، وفى أول مشهد شدنى من ذراعى وأوقفنى فى مكان معين باللوكيشن وقال لى: لا تخافى منى..إنتى البطلة.. اعتبرينى كومبارس واقف قدامك.. شوف العظمة، كنا نحب الرجل ونجله، ولم نكن نجرؤ على أن نناديه باسمه مجردًا، أو أن نرفع التكليف بيننا وبينه، بل اعتاد الجميع على أن يناديه بلقب الأستاذ، حتى أن حسن الإمام بجلالة قدره كان عندما يراه قادمًا يترك مقعده ويجرى عليه ويقبل يده».
 
أما الفنان محمود المليجى، فتقول عنه مارلين مونرو الشرق الأوسط: «كنت أخاف منه، وكانت ابنتى بسنت تبكى وتصرخ عندما تراه، على الرغم من أنه كان طيب القلب وبسيطًا جدًا ومتواضعًا إلى أبعد الحدود، ولم أكن أجرؤ على أن أتباسط معه وأناديه باسمه، كنت أعمل له حساب لأنه غول تمثيل وممكن يخطف منك الكاميرا حتى من دون أن يتكلم، ومرة واحنا بنصور فيلم من إخراج حسن الإمام، وكان تعليماته أن نسير فى صالة واسعة أحكى له وهو يسمع من دون أن ينطق حرف، وفوجئت بالأستاذ محمود يقطف وردة من فازة وراح يقطع أوراقها بطريقة جذابة، وأدركت أنه يمارس لعبته المفضلة فى خطف الكاميرا، وبسرعة اتجهت نحوه وخطفت الوردة من يده، وقلت عبارة خارج النص: لما اتكلم تسمعنى، ثم أكملت بقية الحوار الموجود فى السيناريو، وسرقت أنا منه الكاميرا، ولما انتهى المشهد جريت بأقصى سرعة فى اتجاه غرفتى، وفوجئت به يجرب خلفى ويصيح:  أقفى يا هند.. هتقفى يعنى هتقفى، شعرت بالرعب فوقفت واقترب منى، وفوجئت به يقبلنى على رأسى وهو يقول فى حنو: برافو يا هند.. عجبتينى.. لأنك صاحية للى قدامك، أسرنى بهذا الشعور الإنسانى الذى لا يصدر إلا عن عملاق واثق بنفسه». 
 
كانت هند رستم تعتبر الصحافة بمثابة المرشد والمعلم، والعين البصيرة التى تكشف الأخطاء وتصححها وتشد أذن المخطئ وفى الوقت نفسه تعطى للمصيب حقه من التقدير والشكر، وكانت تعتز باللقب الذى أطلقته عليها الصحافة «مارلين مونرو الشرق». 
 
ومن كتاب الصحافة الذين ارتبطت معهم هند بعلاقة صداقة قوية، الأستاذ إحسان عبدالقدوس، وتقول عن ارتباطهما الوثيق: «لم أكن أقدم على عمل فنى جديد، إلا إذا استشرت إحسان وسمعت نصائحه وتوجيهاته، وظلت علاقتى به طيبة حتى آخر يوم من حياته، وكنت أعشق رواياته وأسلوبه فى الكتابة، بل كنت أستخدم هذه الروايات على الرغم من صراحتها وجرأتها فى تربية ابنتى بسنت، فعندما أجد فى إحدى الروايات مشكلة ما تواجهها البطلة أعطى الرواية لابنتى لتقرأها، وأناقش معها هذه المشكلة وكيفية التصرف فيها، وذلك حتى لا أرفع حاجز الاحترام بيننا». 
 
تابعت: «عندما كتب إحسان رواية النظارة السوداء، ذهبت إلى بيته بصحبة المخرج حسام الدين مصطفى لنشتريها منه، وكنت فى ذلك الوقت شريكة فى شركة الإنتاج السينمائى التى كونها حسام مع ألبير نجيب، ولما عرف إحسان أننى سأقوم ببطولة الفيلم باع لنا الرواية بثمن رمزى إكرامًا لى، وقدرت له هذا الموقف النبيل، وبعد فترة بسيطة، حدثت خلافات بين الشركاء وتمت تصفية الشركة، واشترى المنتج عباس حلمى الرواية، واختار نادية لطفى لبطولة الفيلم». 
 
«فى صالون بيتى، أحتفظ بصورة تقفز منها ذكريات جميلة، كلما رأيتها، صورة تجمعنى بالفيلسوف والكاتب والمفكر العظيم عباس محمود العقاد، كلما نظرت إليها تتداعى ذكريات هذا اللقاء، الذى تم عام 1963، وما زالت أتذكر تفاصيله كأنه حدث بالأمس القريب»، افتتحت هند حديثها عن الأستاذ العقاد بهذه الكلمات، مشيرة إلى مدى تقديرها له وإجلالها لمكانته فى قلبها. 
 
وعن تفاصيل أول لقاء بينهما، تقول «هند»: «فى يوم لا أنساه اتصل بى الأستاذ مصطفى أمين، وأبلغنى بأن العقاد اختارنى أنا تحديدًا لزيارته وإجراء مقابلة صحفية معه، وأذهلنى الخبر، وقلت لنفسى غير مصدقة: أنا، العقاد اختارنى لأحاوره، كان العقاد فى هذا الوقت ملء السمع والأبصار والأفئدة، وله فى نفوس الناس منزلة عظيمة، فهو كاتب ومفكر وله تاريخه ونضاله وآراؤه الشهيرة، وعرفت فيما بعد أن مجلة «آخر ساعة» عرضت على العقاد 5 نجمات من ألمع نجمات السينما المصرية وقتها، ليختار منهن واحدة تقوم بزيارته فى منزله لتجرى معه حديثًا صحفيًا تنشره المجلة واختارنى الرجل من بين هذه الأسماء وتم تحديد موعد لإجراء هذا اللقاء». 
 
وعن تفاصيل الاستعداد لهذا اللقاء، قالت: «أخذت فى الاستعداد لهذه المقابلة التاريخية، كنت ذاهبة وكأنى ذاهبة لملاقاة أحد الملوك العظام، بل من هو أعظم من الملوك وأكثر خلودًا، فهو الأستاذ العقاد هرم مصر الرابع، والرجل الذى يجلس على قمة تجارب البشرية وأفكارها، وأحضرت مجموعة منتقاة من كتب العقاد لأقرأها قبل ملاقاته حتى أتعرف على فكره وفلسفته وآراءه عن قرب، وأخذت فى الاستعداد لكل شيء، طريقة جلوسى، الموضوعات التى سأتحدث معه فيها، الملابس التى سأرتديها، بل كيف سأسلم عليه، ونحن فى الطريق لمنزل العقاد، وقلت لمرافقى من آخر ساعة: أنا مش هروح المعاد ده، قال: مش ممكن، قل له هند تعبت، حصل لها ظرف، أو حتى قل له ماتت، أخذ مرافقى فى تهدئتى حتى وصلنا لمنزل الأستاذ، وكانت المفاجأة أنه نزل بنفسه ليستقبلنا تحت منزله، ومنذ أول لحظة وعلى الرغم من تقدمه فى العمر، إلا أننى شعرت بالكبرياء الشديدة التى تملأ نفسه». 
 
وعن اللحظة الفارقة، التى ستتحدث فيها إلى الأستاذ وينطلقا إلى حديثهما الصحفى، تقول: « فاجأنى بقوله لى: تعرفى إنك نجمتى المفضلة، قلت والذهول يعقد لسانى: أنا؟! للدرجة دى يا أستاذ؟! قال: أنا اكتشفت دلوقت أن الأصل أروع كثيرًا من الصورة، يا أستاذة هند أنت أقرب واحدة لشكل وتركيبة سارة بطلة روايتى الشهيرة، بس إنتى عصبية شوية، وأنا أرشحك لتمثيل دورها فى السينما». 
 
تضيف «هند»: «دار حديثنا حول موضوعات شتى، أذكر منها دورى فى فيلم شفيقة القبطية «مارلين مونرو» والإغراء، وقال لى عن مونرو إن أمها كانت مجنونة، وهى كان عندها شعور بالنقص، فكانت تعوض ذلك بالمبالغة فى إظهار أنوثتها، وفجر مفاجأة جديدة عندما قال: أنا أحب المرأة جدًا، وعندى إيمان بالحب والعاطفة، وموضوع إنى عدو للمرأة ده كلام فارغ، غير صحيح، وفى وسط الحديث قلت له: أنا نفسى أزور بيت الله، هل ينفع إنى أروح أحج، وأرجع اشتغل فى السينما تانى؟، فرد بحماس: طبعًا ينفع، مين قال إن فن التمثيل حرام؟، أنا رأيى الشخصى إن التمثيل مش حرام، الحرام هو الخلاعة والابتذال، سواء فى التمثيل أو فى غيره، وتشعب الحوار وامتد لأربع ساعات، بعد أن قدرت أنه لن يزيد على نصف الساعة، وخرجت من بيت العقاد وقد ازددت إيمانًا بعظمة الرجل وشموخه. 
 
كانت هند متعاطفة بشكل كبير مع ثورة يوليو ورجالها، فهى واحدة من الطبقات التى استفادت من قرارات الثورة، التى أنصفت الطبقة المتوسطة، فضلاً عن التقدير الهائل الذى منحته الثورة للفنانين، بعد أن كانت المحاكم لا تأخذ بشهادتهم. 
 
تقول هند: «انحيازى لثورة يوليو لا يجعلنى أملك حق مصادرة الآخرين الثائرين عليها، وإن كنت شايفة إن أى ثورة فى الدنيا لابد أن يكون لها ضحايا، وكانت ثورة يوليو هى الأقل دموية إذا قارناها مثلاً بثورة فرنسا وروسيا، أنا لا أبرر بذلك أخطاء الثورة، بالطبع كانت لها أخطاء، خاصة مسألة الاعتقالات والإرهاب والرعب اللى كان عامله صلاح نصر للناس، قالوا إن هذه الأمور كانت تتم من دون علم عبدالناصر، ولكنى لا أصدق ذلك لأن عبدالناصر كان يعرف دبة النملة فى البلد، على أية حال أنا أحب عبدالناصر، وسمعته كانت زى الفل، وكان حاسس بالناس الغلابة وعمل لهم حاجات كتير عشان كده أحبوه، ووقفوا جنبه لما حصلت نكسة 1967، وعمرها ما حصلت فى العالم إن الناس تطلع وتهتف لزعيم مهزوم وتطالبه أن يبقى فى السلطة، وبعدها الشعب كله يطلع فى جنازته، مع أن كان جزء من أراضينا محتلاً وعساكر إسرائيل بيستحموا فى القنال. 
 
وعن علاقتها بعبدالناصر، وكواليس لقاءاتها به قالت: «أتيح لى أن التقى الرئيس عبدالناصر ثلاث مرات، كانت الأولى فى ديسمير من عام 1957، حينما جاء ومعه كل أعضاء مجلس قيادة الثورة، لمشاهدة عرض خاص لفيلم رد قلبى فى صالة العرض الصغيرة باستوديو مصر، وكان هناك اهتمام من جانب الثورة بهذا الفيلم، ليس لأن مؤلفه يوسف السباعى عضو تنظيم الضباط الأحرار، ولا لأن مخرجه عز الدين ذو الفقار صديق الضباط الأحرار وزميلهم السابق قبل استقالته من الجيش وتفرغه للسينما، ولا لأن أحمد أبطال الفيلم – أحمد مظهر- دفعة الرئيس عبدالناصر، ولكن لأن الفيلم يحمل شعارات الثورة، جلست فى الصف الثانى من القاعة، خلف عبدالناصر مباشرة وكان بجوارى صلاح ذو الفقار أحد أبطال الفيلم، وسبق عرض الفيلم جريدة مصر السينمائية، التى كانت تعرض لقطات مصورة لأبرز الأحداث السياسية خلال أسبوع العرض، وكان من بين الأخبار المذاعة تفاصيل زيارة الملك حسين لأمريكا، ولاحظت أن الملك حالق شعره بطريقة غريبة، أثارت دهشتى فقلت لصلاح ذو الفقار هامسة: الحلقة بتاعة الملك حسين وحشة قوى، وأحسست أن عبدالناصر سمعنى وعندما جاءت مناظرة للملك وهو فى البيت الأبيض يلتقى الرئيس الأمريكى علقت قائلة: إوعى يضحكوا عليك يا جميل، وفى هذه المرة التفت إلى عبدالناصر بنظرات معاتبة، فوجدت نفسى أنزل تحت الكرسى، لأن عبدالناصر كان عنده طلة رهيبة وعينه فيها رصاص، كان حاجة تخض الله يرحمه، حتى أن صلاح ذو الفقار نفسه اترعب، وخاف إن عبدالناصر يكون غضب من تعليقاتى، فقال لى فى غضب وهو يهمس: «قومى من جنبى هتودينا فى داهية». 
 
وتتابع قائلة: «بعد العرض جاءت منتجة الفيلم السيدة آسيا، ووزعت علينا صورًا من الفيلم وطلبت مننا أن نقف صفًا، ونطلب من الرئيس أن يوقع عليها، لاستغلال الصور فى الدعاية للفيلم، ووقفنا صفًا للسلام على الرئيس والحصول على توقيعه، كان فى الصف شكرى سرحان، وصلاح ذو الفقار، ومريم فخر الدين وحسين رياض وأحمد مظهر وكمال ياسين وأنا، مريم قالت للرئيس بمنتهى السذاجة: سيادتك أنا عاوزة تكتب لى على الصورة الفنانة المهذبة مريم فخر الدين، أنا سمعت الكلمة دى وأعصابى باظت، وقلت إزاى طيب أنا هاقول له إيه، ده أنا عاملة دور رقاصة، فقررت أن أخرج من الصف رعبًا من مواجهة عبدالناصر، وبمجرد أن خطوت خطوة للخلف لمحنى وقال لى بابتسامة: تعالى يا هند، سلمت عليه وأنا قلبى يرتجف ويكاد يتوقف من الخوف». 
 
هذا كان عن اللقاء الأول للهانم والزعيم، أما اللقاء الثانى تنقله لما بقولها: «جاء الرئيس ليحضر افتتاح الفيلم نفسه فى سينما كايرو بالاس، وكنت أجلس وراءه فى الصف الثانى أيضًا، وكان المرة الأخيرة التى ألتقى فيها عبدالناصر، عندما جاء الزعيم السوفيتى خروتشوف، لزيارة مصر، وكان ضمن برنامج التكريم والاحتفاء بالضيف، إقامة حفلة على شرفه فى نادى الضباط بحضور عدد من كبار الفنانين المصريين وكنت من بين المختارين، وفى هذا الحفل قدمت وردة لخروتشوف وكان عبدالناصر أمامى مباشرة، ولكن لم يحدث بيننا أى حوار، وحتى الآن لا تفارق مخيلتى طلته البهية وعيونه النافذة، كان زعيمًا بجد، ما زلت أحترمه وأقدره وأرى أنه خدم البلد وقدر الفن والفنانين». 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق