الطب والهندسة والهرم المقلوب

الثلاثاء، 10 أبريل 2018 12:35 م
الطب والهندسة والهرم المقلوب
د. طارق محمود ناصر

في أحد أيام منتصف السبعينيات كتب العبقري الراحل أحمد بهاء الدين إحدى مقالاتهالمعتادةفي جريدة الأهرام فيالصفحة الأخيرةوصك فيها مصطلحه الخالد "انفتاح السداح مداح".

وتم استدعاء الكاتب الراحل إلى قصر الرئاسة وطلب منه الرئيس الراحل أنور السادات تفسير وتوضيح ما كتب..وكعادة كاتبنا الكبير فسر بوضوح وبدون مواربةوبأدبه الجم،ودماثة خلقه المعهودة أن الانفتاحالاستهلاكي بداية من ورق الحائط إلى السيراميك وخلافه سيقلب ميزان البلد بعد عقدين أو أكثر،وسيخلق طبقة جديدة من الأثرياء بدون وجه حق.. وسيخلق طبقة من الطفيلين من أصحاب الملايين.

ودارت الأياموتحقق حرفيا ما قالهوتنبأ به كاتبنا العظيم.. إلى أن جاء هذا العهد الذينعيشهوازداد انقلاب الهرم بشكل ينبئ بالفعل أننا أضحينا على حافة الهاوية. إذ تفوه أحد الإعلاميين- لا فض فوه- بكلام مضحك مبكي عن أن التعليم،وحمل الكتب المدرسية، والاستذكار والدأب والتحصيل العلمي، سيؤدى إلى لا شيء من وجهة نظر ذلك الإعلامي. وهذا اللاشئالذي سيصل إليه الطالب المجتهد الناجح النابههو أنه سيدخل كلية الطب أو الهندسة وسينحني ظهرهويحرم من دخول جنة كليات الشرطة أو الحربية ولن يدخل النيابة كمان..تخيلوا!

والشيء الذي يجعل الضحك بطعم البكاء أن هذا الإعلامي لا يعلم أن الغرب بكل جبروته لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد الثورة الصناعية.. التي سبقتها عصور النهضة والتنوير. وأن الغرب قطع أشواطا عظيمة في تحصيل العلم لكي يصل إلى تلك الطفرة في كل مناحي الحياة.

والمبكي أيضا أنه لا يعلم أن العلم هو الذي صنع الدبابة والطائرة والصاروخ والبندقية أي أن الجيوش لم تصبح جيوشا إلا بفضل العلم.. والشرطة لم تصبح شرطة إلا بفضل العلم. فصانع كل ما سبق وذكرت هو المهندس الذيانحني ظهره من العلم والتحصيل حتىيتسنى للعاملين في المجال الأمني القيام بعملهم.

وليس هذا فحسب فالأزياء التي يرتديها أفراد الجيش والشرطة وأعضاء النيابة بل والشعب كلهيتم بفضل ماكينات عملاقة أخترعها المهندسون الذينانحنت ظهورهم من العلم والتحصيل والمثابرة.

ولمزيد من البكاء أو الضحك معا أقول له أن المبني الذي تعيش فيهويعيش فيه كل العاملين في القطاعات-التي ذكرها ذلك الإعلامي- بكل مشتملاتها من ثلاجة وبوتاجاز وتلفزيون وكهرباء وماء وصرف صحيوكل تفصيلهفي حياتنا من أصغرها لأكبرها هي من صنع ماكينة أجتهد أحد المهندسين فيابتكارها لكي نعيش تلك الحياة الميسرة التي نحياها الآن.

وإذا تكلمنا الآن عن فضل الأطباء علينا جميعا في حياتنا فأنحني إجلالا واحتراما لكل طبيب،وأقول جملةتلخص دوره العظيم في الحياةهى أنه إذا كان الإنسان وتحديدا العلماءوالمهندسين الذين أناروا حياتنا بعقولهم وبفضل انحناء ظهورهم فإن هذا الطبيب العملاق هو الذي حافظ على ذلك الجنس البشرى العبقري المتمثل في الإنسان المبتكر بدراسته لأعقد ماكينة في الحياة. إنها الماكينة التي صنعها الخالق عز وجل وهي الإنسان. فالطبيب هو الذي درس ماكينة الماكينات وهي الإنسان.

وأختم كلامي بأن أذكر آخر معركة عالمية مدمرة للبشرية وهي الحرب العالمية الثانية. فإن بعض الناس لا تزال تذكر ونستون تشرشل وروزفلت، ولكن كل الناس بلا استثناء ستظل تذكر اسم أينشتين – وإلى آخر الزمان - على أنه العالم الأعظم الذي كان له الفضل في إنهاء الحرب لصالح أمريكا والحلفاء باختراعه للقنبلة الذرية،والمؤكد أيضاألا أحد على وجه الأرض يعلم اسم قائد الطائرة التي ألقت القنبلة على اليابان.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة