دموع في أعين الرجال

الثلاثاء، 10 أبريل 2018 02:32 م
دموع في أعين الرجال
حاتم العبد يكتب :

شببنا على عيبيّة بكاء الرجل، وأفهمونا بنقيضيّة البكاء والرجولة، حتى صرنا نسخر ليس فحسب ممن يبكي، بل ممن تترقرق الدموع بأعينه، فهل حسنًا فعلوا ؟ وهل كانوا محقّين في غرس مثل تلك فلسفة في أنفسنا ؟! ونستمر في أنسها واحتضانها ؟! وهل لنا أن نحبس دموعنا في أعيننا نحن الرجال وهل نورّث هذا المفهوم ونسقيه لأولادنا ؟ أم أن الوقت قد آن لتصحيح مغلوطيّة مفاهيم والتخلص من بالي العادات، وأن نتخطى الشكليات لنعانق المضامين ؟! وأن نرتب أولوياتنا ؟!

إن الأحمال عندما تثقل وتتكثّف وتتابع وتتضافر وتتآنى وتتلحّظ وتتوقّت وتتآذر وتتضامن، قانون الطبيعة يخبرنا ببدأ سقوطها. فلا يستكثر علينا أحد، نحن معشر الرجال، في أن نحتمي في الطبيعة، وفِي أن نطبق قوانينها، وفِي أن تدمع أعيننا.

وكيف نفسر دموع رجل، أقعده مرضه عن الحراك ؛ في دائرة الحياة بعدما فضّت من حوله بطانة الزيف وحاشية الزور، في رجل عقيم عندما يرى الآخرين يتباهون بالبنون، عندما تفضّله زوجته على غريزة الأمومة، في مريض انفضّ من حوله الزوجة والولد، أو من خيبة أمله في ابنٍ عاق وبنت متمردة وناكرة للأبوة ! من خيانة زوجة وحرصه على بقائها حماية للأبناء ! أو من احتقارها له ليل نهار لضيق ذات اليد وفقرها !!

وكيف نفسر دموع رجل، بعد أن أسند رأسه لحائط الهموم وبعد أن غمُضت جفونه على أوجاع ظهره من انحنائه سعيًّا وراء لقمة العيش وهو يرى عينا ابنه تزوغان نحو فاكهة لا يملك ثمن كيلو منها، أو لأن تطمع في النظر إلى لحومٍ وأسماك !! 

كيف نفسر... وكيف نفسر... وكيف نفسر...

ثم أتدري في أي سماء حزنٍ تكونت تلك الدموع ؟! أتدري على أي سحابة أوجاع حُملت ؟! أتدري قوة رياح الهموم التي عصفت بها لتسقطها في أحضان إعصار الألم في بحر الكروب !!

أتدري حرقة فراق أنيس ووجيعة غياب زوجة وفاجعة موت ابن ومرارة مرض بنت، أتدري ألم الأب لتأخّر زواج ابنته ؟! أتدري وجيعته في حلول المكان والزمان عن أن يرعى والديه المقعدين، لرسوب ابنه في الامتحان أو لتغيّبه في ظروف غامضة.

أتدري... ! أتدري... ! أتدري... !

ولأنها لقطرات، وليست بأمطار، أتستكثرون على الرجل أن ترطّب وجنتاه دموع بعدما أبت أن تفعل ذلك راحة يد النساء !

ثم كيف لشاب أول دفعته ولم يعين معيدًا، ولم يلتحق بهيئة قضائية ؟ ألا تدمع عيناه !! كيف لشاب لا تدمع عيناه لسفه أب، لصبيانيّة أم، لغدر صديق.

ثم كيف لجيلٍ تربّى على أدب أحمد خالد توفيق لا تدمع عيناه وقت وداعه، كيف لجيل فقد الأب والمثل، الصديق الأمين، والرفيق الصالح لا تزرف عيونه أنهارًا من الدموع، كيف لجيلٍ لا يعبر بصدق عن مشاعره في مصابه الأليم...

ثم أليس مرد العدالة القياس على النفس، فليقس كلٍّ منّا الأمر على نفسه، شريطة أن تلمّ بالظروف كلها، وما أنت بها بمحيط !!

تحية لكل دمعة حقيقية في أعين كل رجل.

أيتها الدموع لا تهجري أعين الرجال، بل استوطنيها، اتخذي منها سكنًا ومرفأ، عانقي الطبيعة، صادقي الفطرة ؛ وابتعدي عن التجمّل وتجنبي التصنّع، وترفعي عن الصغائر، ولا تلقي بالًا لتوافه الأمور.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق