عفواً.. المشكلة ليست في الإعلام

الأحد، 15 أبريل 2018 04:51 م
عفواً.. المشكلة ليست في الإعلام
إيهاب عمر يكتب:

شاءت الاقدار ان امتلك متسع من الوقت خلال ديسمبر 2017 لأتابع عن كثب كافة القنوات التلفزيونية المصرية خاصة الإخبارية، في محاولة حاسمة ونهائية لتقييم هذا الملف الذييتبارى الجميع في تخوينه وتحميله مسؤولية كل شيء وصل اليه الوطن منذ يناير 2011 لليوم.
 
كانت المرة الاولي منذ يناير 2011 التي اجلس خلالها بهذا التكثيف امام قنوات التلفزيون، ففي 31 يناير 2011 عدت الى البيت بعد يوم صاخب، شاهدت القنوات المؤيدة لما يجري في الشوارع فوجدتها تقول احداث لم تحدث، ولما قلبت الى قنوات لا تتوافق على ما يجرى في الشارع وجدتها تقول احداث لم تحدث، وقتذاك فهمت انه بغض النظر عن موقفي او رأيي فلا احد من هؤلاء يؤيد رؤيتك لوجه الله واحتراماً لرأى او موقف، ولكن لكل قناة اجندة خاصة بها ونحن مجرد جمهور او حتى ضيوف تخدم تلك الاجندة طالما سمع لنا بالصعود من مقاعد المتفرجين الى خشبة المسرح.
 
ولكن الموقف اليوم مختلف تماماً على ضوء ما رأيته، اولاً كانت الملاحظة الأولى ان اغلب من يكتب انه الاعلام هو المشكلة والازمة هم ضيوف دائمين على موائد القنوات الإعلامية، فلا اعرف إذا كان الاعلام هو الازمة فلما لا تستغلون المساحات المقدمة لكم من اجل تعديل الرؤي، او لم ينتبهوا انهم أصبحوا بظهورهم الثابت الدائم جزء من المنظومة التي يتطاولون عليها، ام ان هذه الاستراتيجية هي التي تحافظ على ظهورهم الدائم إعلامياً؟ لن نخوض في النوايا ولكن اول ملاحظة كانت ان اشد منتقدي ملف الاعلام هم الضيوف الدائمين في الاعلام، إدانة ذاتية لا يمكن الا نتوقف عندها.
 
اغلب قنوات المسلسلات تبث المسلسلات الوطنية خاصة حقبة الثمانينات والتسعينات، خاصة في أوقات المناسبات الوطنية، كذا قنوات الأفلام، ورغم انها قنوات فنية الا ان الضبط الوطني وعدم التهليل لمن يعوي ضد الوطن من اهل الفن كان واضحاً.
 
قنوات الاخبار والتوكشو جميعها مع الدولة المصرية، دولة وإدارة ورئيس، نشرات الاخبار كلها تكرس النشاط الرئاسي والحكومي، وحتى في ملفات الشؤون الدولية فأن اطلاع الشعب على ما يجرى من حولنا يخدم اجندتنا الوطنية حيال الاعتداءات القطرية والتركية المتكررة على مصر وحلفائها، وما آل اليه الموقف في دول صديقة انهارت على وقع الربيع العربي.
 
وفى الفواصل الاعلانية هنالك دائماً أفلام قصيرة لا تتجاوز الخمس دقائق تبث على مدار الساعة عن المشاريع والإنجازات الوطنية الجارية، وحينما يجري حدثاً وطنياً فأن كافة تلك القنوات توحد الارسال وترسل فرق العمل للتنافس على حصريات وكواليس هذه المناسبات.
 
ربما يكون هنالك برنامج او اثنين يدس بهم السم في العسل، هذا صحيح، ولكن على ما يبدو ايضاً انه منتقدي الاعلام لا يشاهدون الا تلك البرامج.
 
اذن اين المشكلة؟
المشكلة ليست في المحتوي الإعلامي، المؤيد للوطن بنسبة 99.99 %، ولكن المشكلة في امرين لا ثالث لهم.
من يدير المنظومة، ولا اقصد مالكى القنوات، ولكن من يدير منظومة الاعلام داخل دولاب الدولة، الذي لم يقدم حتى الان أفكار مختلفة تستطيع ان تقنع الشعب بمشاهدة هذه المواد الإعلامية.
 
اما المشكلة الثانية، وهى أساس كل مشاكل الوطن بلا استثناء، هي انه شبه الدولة قبل ثورة 30 يونيو 2013 وقبل زمن الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد سلمت ملف الصحافة والاعلام والثقافة الى اليسار والاخوان في كوتة سياسية، ظنناً من الدولة ان هذه القطاعات الفكرية مجرد رفاهيات او قطاعات ترفيهية، وكانت النتيجة ان هؤلاء زرعوا في الوعي الجمعي للشعب المصري على مدار اربع عقود من الزمن – على الأقل – ديباجات وأفكار وتفسيرات اخوانية ويسارية عن كل كبيرة وصغيرة في الواقع والتاريخ المصري، واصبحنا بحاجة الى تفكيك قوي ومنظم لهذا الخطاب وشن خطاب اعلامي وصحفي مضاد على كل كذبة مهما كانت بسيطة لهؤلاء.
 
كل كذبة ليست عن واقعنا فحسب، ولكن عن تاريخنا وحكايتنا، لان هكذا هي المؤامرة الثقافية والفكرية والإعلامية.
في الواقع ان المشكلة الحقيقية ليست في الاعلام او الصحافة، ولكنها مشكلة شعب تشبع بأفكار المؤامرة ولم يعد يتابع اعلامنا، اما عزف عنه او يتابع اعلام قطر وتركيا المناهض لمصر.
 
احضر أي شخص ممن يعوي ضد الاعلام المصري، أي مؤيد للدولة ممن يقول المشكلة في الاعلام واسأله ماذا يشاهد من اعلامنا المصري حتى يحكم ان الازمة ازمة اعلام؟ لن تجد أي إجابة.
 
انهم لا يشاهدون الاعلام المصري من الأساس ويرون ان الاعلام المصري هو المشكلة!
 
المشكلة في متلقي مر بعملية غسيل مخ طيلة 40 سنة، بالنسبة له لا يوجد تفسير لإعلامي يقول كلمة حق بحق الوطن الا انه مرتشي او مستفيد، ولا يوجد انجاز للحكومة الا ويجب ان يستخرج الآلة الحاسبة لكي يحسب مكاسبه من المشروع والا كان اكذوبة.
 
بالتالي ان الاعلام والصحافة وان كانت منظومة بحاجة الى اصلاح، الا ان المشكلة ليست في الصحافة والاعلام في المقام الأول، ولكن في غياب المشروع الفكري والثقافيللدولة، المشروع المضاد لكل أكاذيب من حقن ادمغة المصريين على مدار أربعين سنة وحتى اليوم بمبادئ أصبحت تعمل لوحدها دون تدخل من اليسار او الاخوان.
 
تم برمجة المصريين، برمجة فكرية وهندسة مجتمعية، هذه مصطلحات استخباراتية خالصة، تتعلق بجعل العقلية المصرية ومجتمعه بيئة حاضنة للمؤامرة، فالبيئة الحاضنة أكثر خصباً من جيش من العملاء او كتيبة عسكرية من جيش العدو، البيئة الحاضنة او الحواضن الشعبية للمؤامرة لم تضرب او تمس حتى اليوم، رغم مرور خمس سنوات على ثورة 30 يونيو 2013 المصرية.
 
جميع الدول من حولنا لديهم مشروع فكري وثقافي، من ينشر السلفية ومن ينشر الصوفية ومن ينشر الإسلام السياسي او القومية العربية ومن يبشر بالعثمانية الجديدة، بينما الدولة الوحيدة التي لديها المقومات الحقيقية لمشروع ثقافي وثورة فكرية لا تجد ذلك ابداً، بل ومسموح اعلامياً باسم الفقرة الثقافية ان يتفوه المرتزقة بأحط الالفاظ بحق قادة تاريخها!
 
الثورة الثقافية والفكرية هي الفريضة الغائبة التي سمحت للمؤامرة بالتغلغل داخل كل بيت مصري، وعدم وجود مشروع فكري مضاد جعل الحواضن الشعبية للمؤامرة تصبح مفرغة لتقديم الإرهابيين على مدار الساعة.
 
واشدد هنا ان السطور السابقة لا تعتبر إعادة انتاج لمقولة البرادعي بان الفكر لا يواجه الا بالفكر، فالإرهاب ليس فكر بل سلاح لا يواجه الا بالتدابير الأمنية والآلة العسكرية، ولكن اتحدث عن ظهير شعبي وفكري وثقافي واعلامي وصحفي للمؤامرة، خلق رواسب في عقول الشعب لا تزال باقية في عقول اعتي المؤيدين، هذا هو ما يجب ان نشن ضده الثورة الثقافية والمشروع الفكري.
 
بكل اسف وبعد مرور خمس سنوات على ثورة 30 يونيو 2013، جميع أدوات والحواضن الشعبية للمؤامرة على الأرض جاهزة للحظة التي تكف فيها الدولة عن محاربة الإرهاب، نحارب اشباح المؤامرة في اتون صحاري سيناء ولكن أدوات وحواضن المؤامرة على الأرض كما هي، الأفكار والنصوص التي تشكل ظهير شعبي وشبابي وثوري للمؤامرة كما هي في عقول اعتي المؤيدين قبل رجل الشارع العادي.
 
الرهان على شعبية الرئيس السيسي لن يكفي، يجب ان نؤسس جمهورية قابلة للحياة، مهما تبدلت الظروف السياسية، ولكننا حتى الان لم نفعل شيئاً حيال حرب الأفكار والحروب الثقافية، متى اتى نظام سياسي مرحب بالإخوان–أمنياً يجب ان تفرض أسوأ الاحتمالات وتتخذ التدابير اللازمة حيالها – فأن الحاضنة الشعبية على الأرض جاهزة لأحياء التنظيم في بضعة أسابيع فحسب وان تشكل له ظهيراً شعبياً وانتخابياً.
 
الازمة الحقيقية انه المحاولات الحكومية لإصلاحأي منظومة تتعلق بالثورة الثقافية والفكرية، دائماً تحدث في إطار المجيء بمجلس او هيئة ممن سبق وفشلوا ولو مرحلياً قبل يناير 2011 من اجل وضع سياسات ومشاريع ما بعد 30 يونيو!، حينما يصبح ركن من اسباب المشكلة هم المسؤولين عن وضع الحلول بل وتطبيقها!
 
ختاماً، بح صوتي وجفت اقلامي في هذا المضمار واقترحت العديد من الأطر الخاصة بهذه الثورة وتلك الحرب التي تشن علينا منذ أربعين عاماً ومن الداخل قبل الخارج دون ان نرد بالشكل اللائق، ليس الامر رفاهية فالكتاب والثقافة والصحافة والاعلام ليس رفاهية، الأفكار المتطرفة او حتى التي تبدو عادية بينما هي حاضنة شعبية للمؤامرة ليست رفاهية، تشوه أفكار المصريين عن تاريخهم السياسي والديني والحضاري والثقافي والفني ليس قضية ثقافية بل امن قومي في المقام الأول.
 
الثورة الفكرية وخوض الحرب الثقافية دفاعاً عن بلادنا ليست رفاهية، بل هي الفريضة الغائبة في الحرب على الإرهاب والمؤامرة على بلادنا، وتحميل قطاع الاعلام فشل غياب الثورة الفكرية وعدم خوض غمار الحرب الثقافية هو تحميل مبالغ فيه لأن الملف اكبر من ان يديره قطاع الاعلام وحده.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق