الأتراك والأكراد من أتاتورك إلى أردوغان

الأربعاء، 18 أبريل 2018 05:00 ص
الأتراك والأكراد من أتاتورك إلى أردوغان
أتاتورك

أتاتورك «الذئب الأغبر» يخدع الأكراد الأوفياء لتثبيت عرشه ثم يغدر بهم

​ابنة أتاتورك «الطيارة» التى قصفت الكرد بالقنابل فى درسيم

​100 عام من الإبادة للشعب الكردى فى تركيا

«إسماعيل بيشكجى» صديق الكرد.. مفكر تركى يسبح ضد التيار

أوجلان يكشف الدور الحقيقى لـ«أردوغان» فى الشرق الأوسط

محطات مختصرة عن حزب العمال الكردستانى العدود اللدود لأردوغان

«ضحية» أردوغان تكتب عن أسباب إغلاقه ملف المصالحة الكردية

وفاة إكلينيكية لعملية السلام بين «الكردستانى» وأنقرة

على مدار قرن كامل من الزمن شكلت العلاقة الكردية التركية واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا، وارتقت فيه المشكلة الكردية فى تركيا إلى مرتبة المشكلات التى لا أمل فى حلها، وقد فرض اللونان الأحمر والأسود سطوتهما على هذه العلاقة، فما أكثر المعارك والصراعات الدموية، والمذابح التى أريقت فيها دماء الأبرياء لتكتب مأساة شعب محروم من أبسط حقوقه، تعرض للإبادة والإنكار والتهجير والتشويه فقط لأنه «شعب مختلف» يريد أن يحافظ على هويته، وما أكثرها المآسى والذكريات الحزينة السوداء فى حياة هذا الشعب ذاق مرارتها على أيدى حكام طغاة ودعاة أيديولوجيات مدمرة، أمعنوا فى إنكار وجوده وإهانته ووصفه بـ «أتراك الجبال» أى المتخلفين ساكنى الجبال، بداية من أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة التى بناها على جماجم شعوب رفضت الانصهار فى القومية التركية، ووزير عدله التركى محمد عزت الذى قال: «هؤلاء ليس لديهم حقوق وإنما هم عبيد». إلى أردوغان، خليفة المسلمين الطامح فى بعث الامبراطورية العثمانية من مرقدها، والذى يهدد ويتوعد الكرد، مثلما هددهم قبله الجنرال كورسيل بقوله: «إن لم يخلد الأتراك الجبليون المشاغبون إلى الهدوء فسيكون بانتظارهم حمام من الدماء يأتى عليهم وعلى بلادهم»، وقوله: «لا وجود على الإطلاق لشعب كردى».

 

أتاتورك «الذئب الأغبر» يخدع الأكراد الأوفياء لتثبيت عرشه ثم يغدر بهم

فى كتابه «الذئب الأغبر.. مصطفى كمال أتاتورك» يقول الكاتب الانجليزى « هـ. س.ارمسترونج» عن مؤسس الدولة التركية: «كانت الوعود دائمًا فى نظر مصطفى كمال وسيلة لغاية، وسلّمًا لهدف». وهذا بالضبط ما فعله أتاتورك مع الكرد وهو يضع أولى لبنات الدولة التركية الحديثة، فقد اتصل مع زعماء العشائر الكرديّة، وحاورهم باسم الوطنيّة والدين». والحقيقة أن الكرد لعبوا دورًا كبيرًا فى إقامة الدولة التركية الحديثة، لكنهم وبفضل «حسن نيتهم ووفائهم» من جانب، ودهاء أتاتورك وتنصله عن وعوده لهم من جانب آخر، فقد دفع الكرد الثمن غاليًا بتبخر أحلامهم فى إقامة دولتهم وكيانهم المستقل، ليس هذا فحسب بل وكذلك فى أنهم ذاقوا الاضطهاد والتنكيل والإنكار طوال عقود استمرت حتى يومنا هذا، يلاحقهم وصف «أتراك الجبال» الذى جلب عليهم اللعنات، وهو الوصف الذى أطلقه عليهم أتاتورك وتعامل معهم وفقًا له، وتبعه فى ذلك خلفاؤه.

خداع أتاتورك دفع الكرد إلى مساندته فى صراعه بعد هزيمة العثمانيين فى الحرب العالمى الأولى، ضد حكومة اسطنبول التى اعترفت لهم بالحكم الذاتى وإقامة دولتهم إذا أرادوا بعد ذلك وهو ما تضمنته اتفاقية سيفر 1920، إلا أن أتاتورك أقنعهم بموقفه وقطع لهم الوعود فصدقوه وعندما انعقد المجلس الوطنى التركى فى أنقرة 1920، كان فيه 72 نائبًا يمثلون كردستان، هم الذين تعاونوا مع مصطفى كمال، وأبرقوا إلى الحلفاء بأنهم لا يرغبون فى الانفصال عن الأتراك».
أرسل مصطفى كمال وفداً إلى مؤتمر لوزان، برئاسة صديقه عصمت إينونو. وأثناء تواجد الوفد هناك، طلب مصطفى كمال من النواب الأكراد فى البرلمان، الرد على الاستفسار، الذى وصله من إينونو «كردى الأصل»، فى مؤتمر لوزان، حول رغبة الأكراد فى البقاء ضمن الدولة التركيّة الجديدة. فردّ النائب الكردى عن أرضروم، حسين عونى بيك، قائلاً: «إن هذه البلاد هى للأكراد والأتراك. وإن حقّ التحدّث من هذه المنصّة، هو للأُمتَين، الكرديّة والتركيّة». وأيده النواب الكرد فى البرلمان، وبموجبه، أعلن إينونو فى مؤتمر لوزان، أن «تركيا هى للشعبَين، التركى والكردى، المتساويَين أمام الدولة، ويتمتعان بحقوق قوميّة متساوية».
وحين وجد المشاركون، أن الأكراد، لا يريدون الانفصال عن تركيا، وأن الأخيرة وعدت بتلبية مطالبهم القوميّة، وافقوا على غض النظر عن أى فكرة لاستقلال كردستان، وحذفوا ذكر الأكراد من وثائق المؤتمر.
بعد إعلان مصطفى كمال - أتاتورك ولادة الجمهوريّة التركيّة فى 29/10/1923، وضمانه دعم الغرب والقوى العظمى، وتغاضيها عن حقوق الاكراد، بدأ أتاتورك التنصّل مما جاء فى معاهدة لوزان، ووعوده للكرد، وبدأت مرحلة مريرة ومظلمة فى حياة أكراد تركيا. وكردّة فعل على ذلك اندلعت انتفاضة الشيخ سعيد بيران سنة 1925، لكنه سحقها وأعدم الشيخ سعيد مع رفاقه فى 30/05/1925، وتتالت الانتفاضات الكرديّة ومنها انتفاضة جبل آغرى، بقيادة الجنرال فى الجيش العثمانى، إحسان نورى باشا عام 1926 واستمرّت لغاية 1930، وأيضاً تمّ سحقها. ثمّ انتفاضة الكرد العلويين فى محافظة ديرسم، بقيادة سيد رضا، عام 1937 - 1938، وتمّ سحقها عبر استخدام الطيران، وهكذا، كانت بداية العهد الجمهورى - العلمانى، الأتاتوركى، المجازر بحق الكرد.
وأثناء ذلك، أرسى أتاتورك مبادئ الدولة - الأمّة فى تركيا، ارتكازًا على عمليّات الانكار والصهر والتذويب لكل الأقليّات القوميّة، ضمن بوتقة القوميّة التركيّة، جرى انكار كل شيء له علاقة أو يوحى بوجود الكرد فى تركيا.
 
​ابنة أتاتورك «الطيارة» التى قصفت الكرد بالقنابل فى درسيم
على درب أبيها «أتاتورك» مؤسس الجمهورية التركية، فى اضطهاد وإبادة الكرد، سارت «صبيحة جوتشكن»، وكما سجل التاريخ أنها أول امرأة تقود طائرة مقاتلة فى تركيا والتاريخ، سجل لها تورطها فى جريمة إبادة جماعية حيث شاركت فى قصف وتدمير المناطق الكردية التى شاركت فى انتفاضة درسيم عام 1937، لتتورط مع والدها بالتبنى «أتاتورك» فى المذبحة التى أودت بحياة أكثر من 13 ألف شخص بحسب الحصيلة الرسمية، بينما تؤكد مصادر الأكراد أن العدد الحقيقى للقتلى يزيد على 70 ألفًا، غالبيتهم أكراد وعلويون، حيث قادت «صبيحة» عمليات قصف المدينة بالقنابل.
و«صبيحة» واحدة من 8 أطفال تبناهم مصطفى كمال أتاتورك سنة 1925، ولدت فى 22 مارس 1913، ودرست فى مدرسة جانقايا الابتدائية وثانوية بنات أسكدار فى إسطنبول، ودخلت مدرسة «تُرك قوشوه» للطيران المدنى التابعة لمؤسسة الجو التركى سنة 1935، وحصلت على الشهادة العالية لقيادة الطائرة عديمة المحرك فى أنقرة.
وبعد ظهور قانون اللقب، منحها أتاتورك اسم العائلة جوتشكن فى 19 ديسمبر 1934، و«جوتشكن» تعنى يتعلق بالسماء أو ينتمى إليها، وأتمت تدريبها بعد مشاركتها فى بعثة مع 7 طلاب درسوا فى روسيا، ودخلت فى سنة 1936 مدرسة الطيران العسكرية، لتتخرج منها طيارة عسكرية، وتم اختيارها لتكون الطيار الوحيد من النساء فى ملصق «أفضل 20 طيارًا فى التاريخ» الصادر عن القوات الجوية الأمريكية عام 1996.
جدير بالذكر أنه 23 نوفمبر 2011 قدم أردوغان خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية فى أنقرة اعتذارا تاريخيا باسم دولة تركيا حول الأحداث المأساوية التى وقعت بين سنوات «1936 - 1939» فى منطقة درسيم، التى ارتكبتها الحكومة التركية آنذاك ممثلة بالحزب الجمهورى بحق الأكراد العلويين فى نهاية الثلاثينات من القرن الماضى.
100 عام من الإبادة للشعب الكردى فى تركيا

فى كتابها «الكرد أمة الإبادات الجماعية» الصادر حديثًا عن مركز القاهرة للدراسات الكردية، أكدت الباحثة الفنلندية «كرستينا كويفنن» أن النظام الحاكم فى الجمهورية التركية مارس ما أعتبرته «إبادة» بحق الشعب الكردى فى تركيا، إبادة بكل أشكالها.
بداية من التهجير المستمر منذ عام 1917 وحتى الآن - وإن تراجعت درجته - ففى عام 1917 تم تهجير 700 ألف كردى إلى الأناضول، فى اطار خطة ممنهجة بما لا تزيد نسبتهم فيها على 5 ٪ من السكان، وبعد ثورة الشيخ سعيد بيران تم تهجير مليون كردى ما بين سنوات 1925 - 1928، مات عشرات الآلاف منهم فى الطريق بسبب نقص الغذاء والتجهيزات والمسافات الطويلة التى أُجبروا على قطعها فى الشتاء القارص، كما أُحرقت مئات القرى ومات ما بين 40 ألفا إلى 250 ألف شخص.
وشكلت إعادة الإسكان للمجموعات الكبيرة أحد الأساليب التى استخدمتها السلطات لتسريع عملية صهر الكرد، استنادًا إلى قانون صدر فى مايو1932 نص على: «يُمنع الأشخاص الذين يتكلمون لغة أم غير اللغة التركية إعادة بناء القرى أو البلدات»، ومن جهة أخرى تم إعادة تسكين المهاجرين من الأجزاء السابقة من الدولة العثمانية، غالبًا من بلغاريا والبلقان، فى المحافظات الكردية لزيادة نسبة الأتراك من مجموع السكان. 
كما تم تمرير قانون إعادة الإسكان رقم 2510 فى يونيو1934 بهدف «التتريك» وشرع القانون إخلاء السكان لأسباب دينية أو ثقافية أو سياسية أو لأسباب عسكرية، بهدف خلق، كما قال وزير الداخلية آنذاك «شكرو قايا»، دولة ذو لغة واحدة وعقلية واحدة وإحساس بالاتحاد، لتحطيم الهوية الكردية عن طريق تهجير الكرد من كردستان، ألغى القانون جميع الاعترافات بالقبائل أو الأغوات أو الشيوخ، توجب نقل زعماء القبائل وعائلاتهم لصهرهم فى الثقافة التركية، منع أى نوع من التجمع أو الاتحاد والتى لا يتكلم الأغلبية فيها اللغة التركية.
ويقدر الحزب الشيوعى التركى أنه خلال عامى 1925 و1938 تم تهجير وقتل 1.5 مليون. وتشير «كرستينا» إلى أن الكرد كانوا يُهجرون ويُعاد توطينهم منذ العهد العثمانى، ولكن أكبر عمليات التهجير تدميرًا فى شمال كردستان حدثت فى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، بتدمير 3848 قرية من قرابة5000 قرية كانت موجودة قبل عام 1985 طبقًا لأرقام رسمية، وتم اجبار ثلاثة إلى أربعة ملايين كردى على ترك بيوتهم. 
واستمرت العمليات العسكرية التى شهدت جرائم ضد الإنسانية بقتل واخفاء واغتصاب الأطفال والنساء وحرقهم فى الكهوف التى لجأوا إليها، وإعدام جميع رجال ونساء قبائل بيفلانك وأشاغى عباس، وإحراق نساء قرية اركان، وعن الإبادة الثقافية قالت «كرستينا» إنه منذ 1923 منع الدستور استخدام اللغة الكردية فى الأماكن العامة لغاية عام 1991. واستمر قمع اللغة الكردية منذ العشرينيات واشتد فى الثمانينيات، وكان هناك حظر على الموسيقى الكردية والملابس والأعراس والرقص وكل مظاهر الحياة التراثية والتى هى كردية تحديدا. 
وكان التعليم إجباريًا باللغة التركية، وكان هناك مركز شرطة صغير فى كل مدرسة بالمناطق الكردية، للتأكد من تنفيذ ذلك، كما تم بناء مدارس داخلية للتلاميذ الكرد، حيث يتم فصلهم عن عائلاتهم و«تتريكهم». 
 
 

«إسماعيل بيشكجى» صديق الكرد.. مفكر تركى يسبح ضد التيار
 

«إسماعيل بيشكجى» مفكر وعالم اجتماع تركى شهير، اختار أن يدعم القضية الكردية وحقوق الشعب الكردى فى تركيا التى أهدرتها الأنظمة المتعاقبة منذ أتاتورك وحتى أردوغان، أما أشهر كتبه فهو «كردستان مستعمرة دولية»، وكان طبيعيًا أن يدفع «بيشكجى» الثمن غاليًا من حريته حيث تعرض للعقاب على موقفه الإنسانى والعلمى من الكرد، فتم سجنه واعتقاله أكثر من مرة ولمدة قاربت على العشرين عامًا.
ولد سنة 1939، وفى سنة 1961 قام ببحث ميدانى عن لغة الكرد وتاريخهم وجغرافية وطنهم، وفى سنة 1962 نال بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة أنقرة، ومنذ 1964 إلى 1969 عمل أستاذًا مساعدًا فى علم الاجتماع بجامعة أتاتورك بأرضروم، وفى سنة 1971 كان موعده الأول مع السجن والتنكيل حيث ألقى القبض عليه وقدم للمحاكمة بتهمة الكتابة عن الكرد وحكمت عليه المحكمة بالسجن 13 عاما، وأطلق سراحه سنة 1974 نتيجة عفو عام، لكنه فى بدايات 1977 صودر كتابه «الترحيل القسرى للأكراد» وقدم ثانية إلى القضاء، وفى السجن صودر كتابه «المسألة الكردية» وحكم عليه بالسجن 3 سنوات، وفى سنة 1982 حكم عليه بالسجن 10 سنوات، وفى 1990 أحيل إلى القضاء بسبب كتابه «كردستان مستعمرة دولية»، وحكم عليه بالسجن 3 سنوات بسبب كتابه «وجهات نظر حول حزب العمال الكردستانى».
وحتى سنة 2000 كان مجموع الأحكام الصادرة ضده 76 عامًا وحوالى 7 مليارات ليرة غرامة، وقد قضى 18 عامًا من عمره فى السجون التركية. علاوة على تعرضه لعدة محاولات فاشلة لاغتياله.
أحدث كتابه «كردستان مستعمرة دولية» صدمة كبيرة فى الوسط السياسى التركى، حيث يصف الأمة الكردية بوجه عام بـ«الأمة المضطهدة المحرومة من حقوقها القومية والديموقراطية». 
ويقول توضيحًا لموقفه المؤيد للشعب الكردى: «أخوض نضالاً سلميًا حتى يفسحوا المجال للمناقشات العلمية التى ترفض المحرمات والرقابة وتستند إلى حرية التعبير عن الرأى واحترام حقوق الإنسان من أجل انقاذ الشرف التركى».
 
 

أوجلان يكشف الدور الحقيقى لـ«أردوغان» فى الشرق الأوسط

من عظيمِ الأهميةِ النظرُ إلى حزب العدالة والتنمية، على أنه فرز وتصنيف تمخضَت عنه جميعُ العواملِ الداخليةِ والخارجيةِ لهكذا أحداث، وهو حملة مهمة تُعادِلُ فى وزنِها حملةَ الجمهوريةِ فى تاريخِ تركيا المعاصر، واسم لتحولٍ بهذا المستوى، فمثلما أنّ الشعب الجمهورى هو حزبُ الدولةِ المركزيةِ المتكونةِ فى سياقِ فترةِ التنظيماتِ والمشروطيتَين الأولى والثانيةِ وحربِ التحريرِ الوطنية؛ فإنّ العدالة والتنمية أيضا هو حزبُ الدولةِ القوميةِ المركزيةِ المتكونةِ خلال سياقٍ طويل، إذ غالباً ما بقيَت قوةً معارِضةً فى المراحلِ الآنفةِ الذكر، وتساوَمَت مع نظامِ عبدالحميد، وعَمِلَت أساساً بهيمنةِ إنجلترا مقابل الهيمنةِ الألمانية، وطَوَّرَت القومويةَ الإسلاميةَ مقابلَ الوطنياتيةِ العلمانية، وتحالفَت مع التيارِ الكرمشاكى العالميِّ مقابلَ القومويةِ الصهيونية، وجَعَلَت من أيديولوجيةِ الإسلامِ التركيِّ المدعومةِ من قِبَلِ الجيشِ فى انقلابِ 12 سبتمبر ركيزةً لنفسِها، ورأَت النورَ حصيلةَ قيامِ الجيشِ بذاتِ نفسِه بشرذمةِ وتشتيتِ حزبِ نجم الدين أربكان القوميِّ الراديكاليِّ مع مرحلةِ 28 فبراير. ومقابلَ كونِ «الشعب» حزبَ المعارَضةِ الأساسيَّ بزعامةِ دنيز بايقال، فإنّ «العدالة» بات حزباً متربعاً على كرسيِّ السلطة، صائراً بذلك القوةَ المُنشِئةَ والمُسَيِّرةَ للفاشيةِ التركيةِ الخضراء خلال السياقِ الجديد، ومتحلياً بهويةِ حزبٍ مهيمنٍ واستراتيجيٍّ متأسسِ بزعامةِ رجب طيب أردوغان، ومرتكزاً إلى تاريخٍ مديد، ومتحصناً بمؤازرةِ قوى الهيمنةِ الداخليةِ والخارجيةِ له.
وَسْمُ النظامِ الذى يُعمَلُ على تجسيدِه بزعامةِ العدالة والتنمية بـ«الجمهوريةِ الثانيةِ» أو «الجمهوريةِ الإسلاميةِ المعتدلة»، سيَكُونُ تفسيراً مبكراً. ورغمَ تحويلِ طابعِه الأساسيِّ إلى غايةٍ «فكرةٍ نموذجيةٍ» مُضَمَّنةٍ فى الدستور، إلا إنّ النظامَ لَم يبلغْ فى أيِّ وقتٍ من الأوقاتِ حالةَ دولةِ قانونٍ ديمقراطيةٍ وعلمانيةٍ واجتماعية، بل ما انفكَّ محافظاً دوماً على طابعِه الفاشيِّ الأوليغارشيِّ منذ أيامِ تأسيسِه، وظلَّ النظامُ الجمهوريُّ بمعناه الكلاسيكيِّ مجردَ اسمٍ، لا غير، وعجزَ عن الوصولِ إلى حالةِ الجمهوريةِ الديمقراطيةِ على وجهِ التخصيص، هكذا، فقد أُفسِحَ المجالُ وفُتِحَ الطريقُ أمام نظامِ العدالة والتنمية الفاشيِّ الأخضر، كثمرةٍ طبيعيةٍ للدعمِ الخفيِّ الذى تلقاه من النظامِ الفاشيِّ التركياتيِّ الأبيض المُرهَقِ والمُنهَكِ بعدَما فقدَ نسبةً لا يُستَهانُ بها من المساندةِ والدعم، داخلياً وخارجياً على حدٍّ سواء.

 

إنّ نظامَ الحربِ الخاصةِ الهادفِ إلى تصفيةِ الوجودِ الكرديِّ وسلبِ حريتِه فى عهدِ السلطةِ المهيمنةِ الجديدة سيُعَزَّزُ ويُطَبَّقُ أكثر فأكثر. وبالأصل، فالقضاءُ على الوجودِ الكرديّ والنيلُ من حريتِه والاستمرارُ فى إبادتِه ثقافياً؛ إنما يكمنُ فى خلفيةِ الوفاقِ الذى أَبرمَه «العدالة والتنمية» مع الجيشِ كممثلٍ لأصحابِ السلطةِ القديمةِ فى النظام. إذ ما كان بالمقدورِ تسليمُ زمامِ السلطةِ إليه بأيِّ شكلٍ آخر، كما أنّ إنكارَ الوجودِ الكرديِّ والقضاءَ العنيفَ على القوى المتمردةِ كان يتسترُ أيضاً وراءَ الوفاقِ السائدِ فى 1925 بين القومويةِ الصهيونيةِ والوطنياتيةِ التركية، أما فى عهدِ العدالة والتنمية فلَم يَقتصرْ على قبولِ هذا الوفاقِ كما هو، بل وثابرَ عليه بعدَ توطيدِه بالحججِ والمُقَوِّماتِ الإسلامية. وباختصار، فإبادةُ الكردِ ثقافياً تُشَكِّلُ نقطةَ التقاطعِ والمَقامَ المشتركَ للتياراتِ القومويةِ الثلاثةِ الرئيسية «القومويةُ التركيةُ الصهيونية، القومويةُ التركيةُ العنصرية، والقومويةُ الإسلاميةُ التركية». 
 

محطات مختصرة عن حزب العمال الكردستانى العدود اللدود لأردوغان
 

اجتمعت مجموعة ثورية يسارية كردية فى ديار بكر بتاريخ 27 - 11 - 1978 وعقدوا مؤتمرا أسسوا فيه حزب العمال الكردستانى «pkk» وانتخبوا عبدالله أوجلان سكرتيرًا للحزب، وعقب الانقلاب العسكرى سنة 1980، انسحب الحزب إلى لبنان وتلقت كوادره تدريباتهم السياسية والعسكرية فى المعسكرات الفلسطينية هناك. 
وفى عام 1982 عقد الحزب مؤتمره الثانى وقرر العودة إلى كردستان والتحضير للبدء بالكفاح المسلح ضد الدولة التركية. 
وفى 15 أغسطس 1984 بدأ الحزب ما أسماها حربه التحريرية بقيادة القائد العسكرى معصوم قورقماز الملقب بـ«عكيد». وكان هذا تاريخ الإعلان عن قيام الجناح العسكرى للحزب تحت اسم قوات تحرير كردستان.
وفى 21 مارس 1985 تم تأسيس الجبهة الوطنية لتحرير كردستان، وفى 21 مارس 1992 بدأت الانتفاضات الجماهيرية فى كل المدن الكردستانية، وفى العشرين من مارس 1993 أعلن الحزب وقفًا لإطلاق النار من جانب واحد ودعا إلى الحل السلمى والحوار. 
وشهد خريف 1998 توترًا بين سوريا وتركيا بسبب الحزب، واتهام تركيا لسوريا بدعمه والسماح لمقاتليه بالتحرك فى أراضيها، فقرر أوجلان مغادرة سوريا، لكنه تم اعتقاله يوم 16 فبراير 1999 فى نيروبى فى عملية مخابراتية، لتبدأ محاكمته فى الأول من يونيو وصدور حكم بإعدامه تم تخفيفه فيما بعد إلى السجن مدى الحياة، وهو الآن يقبع فى سجنه الانفرادى فى جزيرة إيمرالى شديدة التحصين، ليعلن الحزب فى أغسطس وقفًا لإطلاق النار وسحب قواته خارج تركيا إلى إقليم كردستان العراق. 
ورغم أنه منذ هذا الوقت وحتى الآن لم يتوقف الحزب عن نضاله العسكرى، فإنه لم يغلق الباب أمام الحوار مع النظام التركى لحل المشكلة الكردية. 
كما امتدت ساحة الحرب بين تركيا والحزب إلى ميادين جديدة فى كل من العراق وسوريا وخاصة الأخيرة مع تنامى قوة حزب الاتحاد الديمقراطى «الكردى» فى شمال سوريا، ما اعتبره أردوغان تهديدًا للأمن القومى التركى.
 

«ضحية» أردوغان تكتب عن أسباب إغلاقه ملف المصالحة الكردية
 

هل كان أردوغان جادًا فى حل المشكلة الكردية؟
وإذا كان هكذا فلماذا أغلق ملف الانفتاح الكردى، وسار فى طريق التصعيد بما يفوق ما وصل إليه أسلافه ممن حكموا تركيا منذ أتاتورك؟
 للإجابة عن هذا السؤال كتبت «نوراى ميرت» الكاتبة والصحفية والجامعية التى انتقدت أردوغان فكان مصيرها الطرد من صحيفة «ميليت» والقناة التى كانت تعمل بها.
كتبت نوراى: «ليس سرًّا أنّ المسألة الكردية فى تركيا باتت على شفير الهاوية، لقد فشلت جميع حكومات حزب «العدالة والتنمية» فى سياساتها المتعلقة بالقضية الكردية لأسباب عديدة، وحتى اللحظة، لا يزال أردوغان وحزبه يرفضان مواجهة الحقيقة المُرّة.
كان لا بدّ لمسار حلّ القضية الكردية أن يكون طويلًا، وبحاجة إلى الكثير من الجهود، كانت القضية الكردية ولا تزال جزءًا أساسيًا من التحول العام نحو الديمقراطية فى السياسة التركية. نقطة التحول فى السياسة الكردية لـ«العدالة والتنمية» كانت مبادرة «الانفتاح الكردى» فى صيف 2009، كان التوقيت مناسبًا، إذ كان «العدالة والتنمية» قويًا لدرجة كافية لكى يقوم بخطوة جدية فى طريق حلّ «المشكلة» آنذاك، أطلق «العدالة والتنمية» «مسارًا انفتاحيًا»، وبدأ بشكل واضح مسار مفاوضات مع أوجلان ومع الجناح المسلح لحزب العمال لإنجاز حلٍّ، باختصار، كانت هناك مساحة كافية للتفاؤل بالنسبة لمعظم الأكراد والديمقراطيين.
 المشكلة كانت فى فهم اردوغان للمسألة الكردية ولحلِّها، لقد توقّع اردوغان من الأكراد والأتراك ببساطة أن يتكيّفوا مع سياساته. 
ظنّوا أنه، فى حال تمّ تعزيز الأخوّة الدينية بالتوازى مع سياسات التعدد الثقافى، فستختفى المشكلة بكل بساطة، فى الواقع، لم يكن اردوغان وحده الذى حدّد السياسات الكردية لـ«العدالة والتنمية»، بل حدّدتها الخلفية السياسية التى يتحدر منها اردوغان وحزبه، يُعرَف عن «العدالة والتنمية» جذوره الإسلامية السياسية، علمًا أن الإسلام السياسى التركى كان دائمًا قوميًا بشكل استثنائى، وحتى إن ظلّ الإسلام السياسى التركى متميزًا عن القوميين المتطرّفين من ناحية عدم التمركُز العلنى حول القومية التركية، إلا أن هذه القومية أدّت دورًا مهمًا فى تشكيل عقل الإسلاميين الأتراك. 
فى الحقيقة، الحكومة هى من فشلت فى تحضير الرأى العام للمصالحة، إضافة إلى ذلك، لم تعترف الحكومة بتاتًا بأن الفشل كان سببه سوء إدارتها للمسار، وألقت بكل لومها على المعارضة الكردية، بينما كان الوضع بالنسبة للمعارضة الكردية عبارة عن خيبة كبيرة، رغم أن الجميع عَلِم أو توقّع أن المفاوضات مع أوجلان وحزبه لم تُلغَ وأنها استمرت بعيدًا عن الأضواء، بدأ الجو السياسى بالتدهور منذ انتهى مفعول «الانفتاح الكردى»، وذلك بعد وقت قصير من إطلاق هذه المبادرة. من جهة، بدأت المعارضة الكردية بالتركيز على سياسات «الحكم الذاتى الديمقراطى» مثلما تسمّيها للتعريف بهدفها السياسى، ومن جهة أخرى، لم تعد الحكومة مهتمّة بمواصلة التفاوض مع المعارضة الكردية فحسب، بل أيضًا فقدت اهتمامها بالالتزام بأيّ مسار تفاوضى حوارى، كانت الحملة الانتخابية للحزب الحاكم فى الانتخابات الأخيرة شديدة القومية ومعادية إزاء المعارضة الكردية، وحتى لو اعتقد معظم الديمقراطيين أنّ ذلك كان مجرّد حملة انتخابية شعبوية، وأنّ حقبة جديدة من الحوار قد تُفتَح بعدها، إلا أنه سرعان ما اتضح أن اردوغان وحزبه كانوا يعنون ما يقولونه فى اللقاءات الانتخابية.
فى الواقع اتّبع اردوغان وسياسات قومية وعسكرية لم تختلف عن تلك المتبعة فى الأيام السوداء لأعوام التسعينات، كانت تركيا تبتعد عن السياسات الديمقراطية كثيرًا إلى حدّ يؤثر فى النهاية على السياسات الكردية، قبل أى شىء آخر، كان للنجاحات الأولى ثم لمسلسل الفشل فى السياسات الخارجية الحكومية، تأثير على السياسات الكردية لأنقرة.
 

وفاة إكلينيكية لعملية السلام بين «الكردستانى» وأنقرة
 

تعانى عملية السلام أو المساعى والمفاوضات السلمية بين أنقرة وحزب العمال الكردستانى، من وفاة إكلينيكية، فكلما بدأت سرعان ما تتوقف لأسباب مفاجئة وخفية، تشعل الصراع الدموى بين الطرفين مجددًا، وحسب الباحث الكردى «هوشنك أوسى» فإنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد ضحايا الصراع المسلح بين الحزب وتركيا، وكل طرف يورد الأرقام حسب تقديراته، وتتراوح بين 60 - 70 ألف شخص، علاوة على إحراق الجيش التركى لما يناهز 4500 قرية كردية وإفراغها من سكانها.
من المعروف أن القرى الكردية صغيرة جدًا قياسًا بمثيلاتها فى أنحاء العالم، فقد يضم المكان مائة فقط من الأكراد فيطلقون عليه لقب قرية. يستعرض «أوسى» المحاولات السلمية لحل المشكلة الكردية فيذكر: «مع استلام تورجوت أوزال لرئاسة الجمهوريّة، بدأت تلوح فى الأفق بوادر اصلاحات فى سياسات الدولة تجاه الكرد، منها؛ إصدار عفو عن السجناء السياسيين، شمل آلاف الكرد، بينهم قيادات بارزة فى حزب العمال ثمّ استبدل الحظر الكلّى عن التكلّم باللغة الكرديّة بحظر جزئى سنة 1991.
وأول مفاوضات غير مباشرة بين الحزب وتركيا كانت سنة 1993، عبر وساطة الرئيس العراقى صدام حسين جلال طالبانى، بتكليف من أوزال، حيث أعلن أوجلان نهاية مارس 1993 وقفا لاطلاق النار، كبادرة حسن نيّة وتجاوبا مع مبادرة أوزال.
وصلت المفاوضات إلى مرحلة الاعلان عنها للرأى العام، لكنها توقفت بالوفاة المفاجأة لأوزال المفاوضات الثانيّة، غير المباشرة، كانت سنة 1997، حين أرسل رئيس الوزراء التركى، وقتئذ، نجم الدين أربكان، رسائل إلى أوجلان، عبر الحركة الإسلاميّة اللبنانيّة، ولكن المبادرة انتهت بانقلاب عسكرى أطاح بأربكان.
والجولة الثالثة كانت مباشرة، بدأت بلقاءات أجرتها السلطات التركيّة مع أوجلان، بعد اختطافه، أما أطول جولة مفاوضات فكانت سريّة مباشرة، احتضنتها أوسلو، من سنة 2008 ولغاية 2011، توقّفت بشكلٍ مفاجئ، وفى 21/3/2013، أطلق أوجلان نداءه الشهير بوقف العمليات المسلّحة، نهاية العمل المسلّح، فتح صفحة جديدة، وألمح إلى أنه يمكن جدولة إلقاء السلاح، ضمن حلّ شامل للقضيّة الكرديّة.
بعدها بدأت جولة جديدة من المفاوضات، وصلت إلى مرحلة متقدّمة، سرعان ما تدهورت وتوقّفت نهائيّا، بعد عودة العنف والعمليات العسكريّة المتبادلة بين الجانبين.


 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق