بعد 14 قرنا من الإسلام.. علماء يؤكدون: المنتحر ليس كافرا؟

الخميس، 19 أبريل 2018 09:00 م
بعد 14 قرنا من الإسلام.. علماء يؤكدون: المنتحر ليس كافرا؟
كتب: حسن الخطيب

بعد أكثر من 1400 عام، قضاها المسلمون يرددن فتوى أن انتحار المسلم كفر صريح، حتى أصبحت متداولة على لسان العامة من الناس، خرجت علينا الدكتورة سعاد صالح استاذة الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر فرع البنات، لتفجر مفاجأة، حول تلك الفتوى، حيث أفتت بأن المنتحر ليس كافرا، ولكنه عاصيا، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمح للصحابة بالصلاة على منتحر، رغم أنه لم يصل عليه.
 
جاءت تلك الفتوى في برنامج "90 دقيقة"، والذي يقدمه الإعلامي الدكتور محمد الباز، حيثكان يناقش ظاهرة "الحوت الأزرق" التي تدفع المراهقين والشباب إلى الانتحار، حيث صرحت صالح، بأن المنتحر مثل المريض الذي يأس من الشفاء، مستدله بقوله تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
 
تلك الفتوى خلقت حالة من الجدل وأثارت المجتمع، فبعد أن تأكد الناس، وأيقنوا بأن المنتحر كافر، وثبت للمسلمين بأن إقدام المسلم على الانتحار يعد كفر صريح يخرج الإنسان عن الملة، جاءت الفتوى لتغير كل تلك المفاهيم، والقواعد، وتجعل الانتحار يجعل المسلم عاصي فقط لكنه غير كافر، فما صحة تلك الفتوى؟ وهل بالفعل أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يصل عليه، واكنه أمر الصحابة بأن يصلوا ودفن في مقابر المسلمين؟
 
توجهت "صوت الأمة" لعدد من اساتذة جامعة الأزهر في تخصصات شرعية مختلفة، وعدد من علماء وزارة الأوقاف، بالإضافة لفتوى من امانة الإفتاء بدار الإفتاء المصرية لتسالهم عن حقيقة تلك الفتوى، وهل المنتحر المسلم كافر أم عاص؟
 
يؤكد الدكتور علوي أمين خليل عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق، بأن  الكفر نوعان، كفر بالله وليعاذ بالله منه، كأن ينكر وجود الله - تعالى عن ذلك-، وهذه الصورة هي الكفر الصريح ومنه الإلحاد، أما الصورة الثانية، وهو الكفر الذي لايكون كفرا بالله تعالى، ولكنه كفر بنعم الله وكفر برحمة الله، ومن هذه الصورة الذي يقوم بالانتحار، مبينا أنه كافر لكنه ليس كافر بمعنى كفرانه بالله تعالى.
 
ونبه عميد الشريعة والقانون الأسبق، بعظم تلك الفتوى، مشيرا إلى أن تداولها قد يغير الصورة المفهومة عن عم جريمة الانتحار، مؤكدا بأن تردد تلك الفتاوى، قد تعطي البعض إيحاءا بأن الانتحار أمر يسير، وأنه ليس بكفر، مبينا أن الانتحار كفر صريح وبين، ولكنه كفر بأنعم الله وبرحمة الله  تعالى.
 
أما الدكتور محمد الشحات الجندي عضو المجلس الأعلى للشون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف، فقد أكد على أن المنتحر كافر كفر صريح، لأنه خالف نواهي رب العالمين مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسَى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا".
 
وأوضح الجندي، بأن المنتحر شخص عصى الله تعالى وكفر بثوابت الدين، وخرج عن أصل من أصول الدين والعقيدة، وبمعصيته وخروجه عن ثوابت الدين ومخالفته لأوامر الله تعالى، لكننا نقول أن أمره موكول لله تعالى، مبينا أنه لايمكن القول بأن هذا الشخص كافر أو لا لأنه من قبيل التألي على الله تعالى، لكن الانتحار كفر صريح، أما المنتحر فأمره موكول إلى الله تعالى.
 
ومن ناحيته أشار الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بأن الانتحار هو كفر بالله تعالى وليعاذ بالله من ذلك، مصداقا لما حكاه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، حيث أن القرآن الكريم يعتبر من قتل نفسه متعمدا بغير حق، فهو كافر وله جزاء الكفر بأن يكون مخلد في النار.
 
وساق عضو هيئة كبار العلماء أدلة من القرآن والسنة، كقوله تعالى "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أن اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا"، وقوله أيضا "وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا".
 
الشيخ ابراهيم رضا أحد أئمة وعلماء الأوقاف، أكد بأن المنتحر كافر لاخلاف في ذلك، لكنه كفر في العقوبة وكفر لايرتقي للكفر بالله تعالى وانكار الوجود الإلهي، مبينا أن المنتحر كافر بنعم الله تعالى، ويائس من رحمته، مشيرا إلى أن كفره لا يعد من باب الكفر الأكبر المخرج من الملة، مبينا أن رفض النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة على شخص منتحر لم تكن رفضا لأنه كافر، ولكنه لم يصل عقوبة وزجرا لغيره حتى لاتتكرر من غيره، أو يكون الانتحار لعبة أو فكر أو مبدأ بين الناس.
 
أما دار الإفتاء المصرية، فقد أفتت بأن الانتحار وإقدام المسلم عليه حكمه الشرعي حرام شرعا، ثبوتا قطعي الدلالة، وعملا بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبوتا لما أجمع  عليه المسلمين، مبينة أن المنتحر أقدم على أمرمن عظائم الذنوب وكبائرها، لكنه لايكون كافرا كفرا صريحا، أي الكفر الذي يخرج من الملة، وذلك كما وصفه الزليعي وابن عابدين بأنه فاسق كسائر فساق المسلمين.
 
وحول جزاء المنتحر في الآخرة، أكدت دار الإفتاء، بأن الجزاء في الآخرة أمر إلهي، متروك لله تعالى، لكن مايستدل من ظاهر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، أن المنتحر قاتل نفسه خالد مخلد في النار ومحروم من الجنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من تردّى من جبل فقته نفسه فهو في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً،ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".
 
وأوضحت الدار بأنه لم نعلم أحد من علماء المذاهب الأربعة، قال بكفر المنتحر كفر صريح يخرجه من الملة، لأن الكفر هو الإنكار والخروج عن دين الإسلام، وصاحب الكبيرة غير الشرك بالله تعالى، لا يخرج عن الإسلام عند أهل السنة والجماعة، ولهذا قالوا بغسله والصلاة عليه، كما في قول أبي حنيفة ومحمد يغسل ويصلى عليه.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق