فن الإنشاد الديني بين الإسلام والمسيحية في مصر

الأحد، 22 أبريل 2018 12:14 م
فن الإنشاد الديني بين الإسلام والمسيحية في مصر
الانشاد الينى

يرتبط «الإنشاد الدينى»، فى أذهان الكثيرين بالغناء والأناشيد المرتبطة بمدح النبى محمد صل الله عليه وسلم، لكن الكاتبة المصرية مروة البشير، تلقى الضوء فى دراسة عن تاريخ الإنشاد الدينى على جذوره التى تعود إلى عهد الفراعنة.

يرصد كتاب (فن الإنشاد الديني) الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، تاريخ هذا اللون من الغناء الذى يمزج بين روحانيات العقيدة والفن.

وفى مقدمة الكتاب، تشير الكاتبة إلى أن مصر هى أول دولة فى العالم عرفت الإنشاد الديني، وهو الإنشاد المصاحب للطقوس والعبادات وإقامة الشعائر والصلوات داخل المعابد عبر مجموعة من الترانيم تستند لنصوص دينية، وكانت أشهر هذه الأناشيد على الإطلاق للملك الفرعون إخناتون.

وينقسم الكتاب الواقع فى 276 صفحة من القطاع المتوسط إلى قسمين رئيسيين، الأول يحمل عنوان (نشأة فن الإنشاد الدينى وتطوره)، ويضم هذا القسم ثمانية فصول تستعرض تاريخ فن الإنشاد منذ عصر الفراعنة حتى العصر الحديث.

وفى الجزء الأول، يلقى الكتاب الضوء على تاريخ الأناشيد، حيث يجرى تعريف معنى الإنشاد الدينى عند الفراعنة والإشارة إلى بعض النصوص والتراتيل الجنائزية التى وجدت منقوشة على جدران بعض الأهرامات وتوابيت الموتى، وتوضح الكاتبة أن الباحثين لم يتوصلوا بعد إلى الطريقة التى كانت تؤدى بها تلك التراتيل، لكن المرجح أنها كانت تؤدى بطريقة الإلقاء أو التلاوة.

وأشهر هذه الأناشيد على الإطلاق هو نشيد إخناتون، الذى ربط بعض الباحثين بينه وبين المزمور 104 من مزامير النبى داود من حيث المضمون وتماثل بعض الجمل.

ويبدأ نشيد إخناتون بمطلع يقول «أنت تطلع ببهاء فى أفق السماء يا آتون الحى يا بداية الحياة عندما تبزغ فى الأفق الشرقى تملأ كل البلاد بجمالك».

وينتقل الكتاب بعد ذلك إلى الإنشاد القبطى وتاريخه ونشأته وتطوره، وتشير الكاتبة فى هذا الفصل إلى أن الإنشاد القبطى انتشر مع ظهور وانتشار الديانة المسيحية وكان يؤدى بشكل فردى أو جماعي.

وبعد انتهاء عصر اضطهاد المسيحيين، قام آباء الكنيسة بتأسيس نظام للطقوس الدينية المؤلفة من الأناشيد التى يترنم بها المنشدون فى المناسبات المختلفة طوال السنة، وصاغوا كلمات وموسيقى الأناشيد الدينية وتأثروا بالشعر الغنائى فى العهد القديم أو المزامير، ثم بدأت كل كنيسة فى وضع الأناشيد الخاصة بها.

بعد ذلك ظهرت الموسيقى الكنسية القبطية فى الكنيسة الأرثوذكسية، ووصف عالم الموسيقى الإنجليزى إرنست نيولاند سميث، هذه الموسيقى بأنها إحدى عجائب العالم السبع.

وتقول الكاتبة فى هذا الفصل عن تراث الإنشاد الدينى الكنسى، «تراث الألحان القبطية حفظته الكنيسة على مدى واحد وعشرين قرنا من الزمان، وسلمته جيلا بعد جيل بطريقة التسليم أو التقليد الشفاهي، ويعتبر حفاظ الكنيسة المصرية على الألحان القبطية التى تسلمتها من القرون الأولى للمسيحية معجزة يشهد بها التاريخ».

ويورد الباب مجموعة من أشهر الترانيم التى لا تزال تتردد حتى الآن فى الكنيسة القبطية.

ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى عصر ظهور الإسلام وقصائد المديح النبوى، التى تعد عماد الإنشاد الدينى الإسلامي، ويبدأ هذا الفصل بالإشارة إلى نشيد (طلع البدر علينا) باعتباره أول إنشاد فى الإسلام.

لكن دراسات على هذا النشيد شككت فى صحته، خاصة فيما يتعلق بلغته وكلماته وعدم اتساقها مع اللغة الشائعة فى هذا الوقت، ومن النقاط المهمة التى استند لها الدكتور أنيس بن أحمد بن طاهر الإندونيسى عضو هيئة التدريس بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فى تفنيد هذا النشيد أن منطقة ثنيات الوداع تقع ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام.

ويرجح الباحث أن يكون هذا النشيد من أناشيد القرن الثالث الهجري، والرواية الأقرب للصحة عن استقبال الأنصار للنبى هو الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى بكر الصديق قال «قدمنا المدينة ليلا فتنازعوا أيهم ينزل عليه رسول الله فقال: أنزل على بنى النجار، أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك، فصعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان والخدم فى الطريق ينادون: يا محمد يا رسول الله يا محمد يا رسول الله».

ولا يغفل الفصل الإشارة لحسان بن ثابت، الذى تصفه الكاتبة بأنه فارس هذا النوع من الشعر وأشهر من نظم أشعار المدح النبوي، وكان شعره فى الرسول يمتاز بالصدق والإخلاص حتى عندما سئلت السيدة عائشة عن وصف الرسول قالت «والله كما قال فيه شاعره حسان بن ثابت: متى يبد فى الداجى البهيم جبينه، يلح مثل مصباح الدجى المتوقد فمن كان أو من قد يكون كأحمد، نظام لحق أو نكال لملحد».

كما أنه ذكر فى أحد مدائحه بيتين أصبحا مصدر إلهام للشعراء المحبين للذات المحمدية قال فيهما: وأحسن منك لم تر قط عينى ... وأجمل منك لم تلد النساء خلقت مبرأ من كل عيب، كأنك قد خلقت كما تشاء

ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى الإنشاد الدينى بعد عهد النبوة وكيف انتشر وازدهر، حيث تحول فى العصر الأموى إلى فن له قوالبه وأصوله وقواعده، وخلال هذه الفترة ذاع صيت إبراهيم وإسحق الموصلى أشهر الموسيقيين وقتئذ، والفتى زرياب تلميذ إسحق الموصلى الذى كان من أهم من قاموا بغناء وتلحين الأناشيد الدينية، وذاع صيت مدينة حلب السورية فى هذا اللون من الإنشاد خلال هذه الحقبة.

ولا يغفل الكتاب الإشارة إلى العصر الفاطمى الذى شهد الإنشاد الدينى خلاله تطورا كبيرا وانتشر انتشارا واسعا، وكانت مصر ركيزة هذا التطور، وارتبط فى العهد الفاطمى بالاحتفالات الدينية، خاصة أن الفاطميين كانوا يحرصون على إقامة احتفال عظيم عند تولى الخلافة لإضفاء نوع من القداسة الدينية والمكانة على منصب الخليفة.

ولا تغفل الكاتبة الحديث عن رأى علماء الدين فى فن الإنشاد، حيث خصصت فصلا كاملا لآراء الأئمة وعلماء الدين فى هذا اللون من الإنشاد ومنهم الإمام الشاطبى، والإمام الغزالى، والإمام ابن عبد البر، والشيخ عبد الغنى النابلسى الذى قسم الغناء بشكل عام إلى ثلاثة أقسام «محرم ومباح ومندوب وهذا الأخير هو لمن غلب عليه حب الله تعالى والشوق إليه وهو القسم الذى يندرج تحته سماع الصوفية وأهل الصدق والإخلاص فى كل زمان».

وينتقل الكتاب بعد ذلك بشكل تفصيلى إلى الحضرة والموالد الشعبية باعتبارهما من أهم منافذ الإنشاد الدينى فى الوقت الحديث، وإن اختلفا فى أن الحضرة يغلب عليها الطابع الدينى البحت والنزعة الصوفية، بينما تتجلى فى الموالد الشعبية تقاليد وعادات أصيلة ترتبط ارتباطا كبيرا بالمنطقة التى يقام بها المولد الشعبي.

وتنتشر الموالد الشعبية فى محافظات وقرى مصر وأشهرها على الإطلاق موالد آل البيت وأولياء الله الصالحين ومنها مولد السيد الحسين والسيدة زينب ومولد أحمد البدوى وإبراهيم الدسوقى وعبد الرحيم القنائى وأبو الحجاج الأقصري.

ولا يقتصر الأمر على الموالد الشعبية المرتبطة بالدين الإسلامى، وإنما توجد أيضا موالد قبطية كثيرة منها مولد السيدة مريم العذراء، والقديسة دميانة فى الدقهلية، ومارمينا بالصحراء الغربية.

ووفقا لإحصاء صادر عن الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية بلغ عدد الموالد الشعبية فى مصر 2850 مولدا للمسلمين والأقباط.

وفى القسم الثانى من الكتاب يحمل الذى يحمل عنوان (أشهر المنشدين والمنشدات)، تسرد الكاتبة السير الذاتية لأشهر المنشدين وفى صدارتهم المنشد وقارئ القرآن نصر الدين طوبار، وأستاذ المداحين الشيخ سيد النقشبندى، ومداح النبى محمد الكحلاوى، والشيخ طه الفشنى، ومنشد البردة عبد العظيم العطوانى، والشيخ أحمد التونى الذى استطاع نقل الغناء الصوفى من المحلية إلى العالمية.

ولم يقتصر هذا القسم على أهم المنشدين الذين تميزوا فى أداء الإنشاد الدينى الإسلامى، وإنما خصص مساحة أيضا للمنشدين الأقباط الذين تصفهم الكاتبة بأنهم من الظواهر المهمة فى الإنشاد الدينى فى مصر، حيث تخصص بعضهم فى مدح النبى محمد وأهمهم مكرم جبرائيل غالى الشهير بمكرم المنياوى، الذى ولد فى 1947 بمحافظة المنيا وذاع صيته فى صعيد مصر فى الستينيات بالمواويل والقصص التاريخية، واتجه منذ عام 1966 لفن المديح النبوى حتى وافته المنية فى وقت سابق من هذا الشهر.

كما تتحدث الكاتبة أيضا، عن المنشدات وأشهرهن خضرة محمد خضر ونبيلة عطوة والمنشدات من الجيل الأصغر سنا مثل آية الطبلاوى التى بدأت مسيرتها فى الإنشاد فى سن السابعة، ونبوية حسان وغيرهن.

ويلقى هذا القسم أيضا الضوء على أشهر فرق الإنشاد الدينى المعاصرة ومنها فرقة الحضرة وفرقة رضوان المرعشلى وعامر التونى والمولوية المصرية.

يحفل الكتاب أيضا بالعديد من القصائد والأناشيد الدينية الإسلامية والقبطية على حد سواء على مر تاريخ الإنشاد، وهو أول أعمال مروة البشير الصحفية ونائبة رئيس قسم الأخبار بجريدة الأهرام، والمسؤلة عن متابعة شؤن الأزهر الشريف.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق