سطوة الهواة والغواة

الإثنين، 23 أبريل 2018 03:00 م
سطوة الهواة والغواة
محمد حسن الألفى يكتب:

تتوالى إشارات الموازنة الجديدة محملة بغلاء وزيادات فى الكهرباء والبنزين والماء والخدمات.. والشعب صابر

يعول الناس بقوة على الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى لن يقبل التمييز الصارخ بين مواطن اشتغل وزيرا لمدة شهر أو أربع سنوات
 

عفوًا، فإن صديقك من صدقك، وعدوك من كذب عليك ودس عليك الحماقة، ومهد أمام قدميك طريقًا نحو الهاوية، هذه كلمات واجبة لمن اعتبر وكان عن الخلق مسئولا، ويعلم الجميع أن أول من سدد الفواتير كاملة هو الشعب، حين قاد العملاء والإرهابيون سخط البسطاء إلى هدم الدولة على رؤوسنا بلا هوادة.

منذ ساعات أثبتت الحكومة أنها مغمومة ومهمومة بالطريقة التى ينبغى أن يعيش بها وعليها نائب رئيس الجمهورية، وليس عندنا نائب رئيس جمهورية، ولا ينص الدستور على منصب بهذه الرتبة الوظيفية الرفيعة، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان ثم الفقراء إلى الله السادة الوزراء، وهى فعلت ذلك بينما كانت تبحث أيضا توفير أطنان إضافية من الدجاج واللحوم والسمك والأرز والسمن والزيت والسكر بمناسبة شهر رمضان. أسعد خلق الله فى مصرهم السادة الوزراء، لأن الوزير يتقاضى ٤٥ ألف جنيه صافيا بعد الضرائب، ويوم الإثنين الماضى قنن البرلمان هذا الراتب وجعله حقا، لأن راتب الوزير الأساسى لا يتجاوز الألفى جنيه! 

يمكن القول- مع شىء من الكمد والمكابدة- إن الناس ابتلعوا المبلغ المقرر للوظيفة التى يصرخون فى كل مداخلة إعلامية أنها كلها هم وغم، وتكليف لا تشريف، وتلك نغمة تبرير ممجوجة، يمررها الشعب سقما وزهقا، غير أنه يصعب جدا قبول النصف الآخر من صفقة الحكومة وبرلمانها، لا برلمان الشعب فى هذه النقطة على وجه الخصوص، هناك مفارقة مهلكة من الضحك، وهى أن كل وزير سيعمل وهو مطمئن وعارف أنه حتى لو أخرجوه بعد شهر أو عام أو عامين فسيظل محتفظا بـ ٨٠٪ من راتبه حين كان وزيرا، إذ تكفى جدا الـ٣٣ ألفا، وبلاها شغل ونقد ورزالة صحفيين ورقابة إدارية وإعلام أسود! 
تلقيت أكبر صدمة فى حياتى حين تقاضيت أول معاش لى، بقيمة ١٠٥٠ جنيها، وكنت مذهولا، وأراد الصديق العزيز دكتور زاهى حواس وزير الآثار- الخارج لتوه من الوزارة- أن يواسينى فى نكبتى المالية وقال بأسى: «هو ده برضه معاش الوزير يا محمد، أنا خرجت كده». 
طبعا جميع الوزراء القدامى فى حال يرثى لها، وارتفع ضغط بعضهم واحترق سكرهم وشاط زيتهم، وانفجرت شرايينهم، لأنهم لم يلحقوا بقطار «حكومة الهنا» تحت رئاسة المهندس شريف إسماعيل وبرلمان حكومة «مفيش وممعيش إلا اللى لى أنا ووزرائى»! 
كيف تصف رجل أسرة ينذر أهله بالتقشف طول الشهر، ويضيق عليهم المعايش، وفجأة تجده سهرانًا فى «كوفى شوب» يمطر المال والنقوط بلا حساب! 
القياس هنا غير وارد ولا مقصود، لكن من الحماقة حقا أن تتوالى إشارات الموازنة الجديدة محملة بغلاء وزيادات فى الكهرباء والبنزين والماء والخدمات، والشعب صابر وساكت ومتحمل، من أجل عيون الرئيس، الذى ضرب المثل وارتضى بنصف راتبه، وتبرع بإرثه فى بيت عائلته من أجل الوطن. 
لكل داء دواء يستطاب به إلا الحماقة، لا دواء ولن يكون، أعيت من يدوايها، طلعت عينيه، وفى ذلك أنجزت الحكومة إنجازا وأعانها البرلمان معاونة الشريك فى التحالف على الشعب، بلا رجفة حياء أو نسمة من حكمة، فى موقف مناقض تمامًا حين عطلت حكومة الوزراء الفقراء حكم الإدارية، وأوقفت وامتنعت عن تنفيذ حكم قضائى بالمسودة لصالح أصحاب المعاشات، الذين أفنوا أعمارهم، فإذا بمرتباتهم لا تشترى علبتى دواء ثقيل! هرولت غادة والى وزيرة التضامن إلى المحاكم وأوقفت العلاوات الخمس للكبار الذين نزلوا إلى صناديق الانتخابات إيمانا منهم بعدالة ونزاهة الرئيس ووطنيته وحبه لشعبه، ولم يمض أسبوعان حتى أبرزوا ألسنتهم للشعب أن مُت كمدا، نحن نعمل ونستحق عشرين ضعفا مما تأخذ! 
هل عثرت الحكومة فجأة على بئر مالية خفية فجأة؟ من أين المال الآن؟ وكيف اتسعت له أثداء الموازنة العامة، ثم هل التوقيت مناسب؟ أم تراه مقصود؟ الحقيقة أن الناس فى احتقان، وحين تتسع دائرة الغل والغيظ وتتفجر المقارنات، يغذيها الشعور بعدم توزيع الظلم حتى بالعدل وبالعقل، فإن الحريق يتهيأ، فى أواخر أيام الرئيس الأسبق مبارك حذرت من سخط يتجمع، فى سلسلة مقالات لى بصحيفة الحزب «الوطنى اليوم»، وكتبت: «شىء من الدم قبل أن يراق الدم»، لأن الفساد كان فجر وانتشر وتبجح! لا أقول اليوم إن الحكومة فاسدة ولا البرلمان فاسد، حاشا لله، لكنى أقول إنهما تبجحا على الشعب، ويخصمان بقرار المعاش على الأقل من مقبولية الرئيس عند القلوب التى منحته حبها بلا قيود. 
من حق السيد الرئيس إعادة القانون إلى البرلمان، ولا يصدق عليه فتنشره الجريدة الرسمية فيصير واقعا وقانونا وسوطا يلهب حالة «إشمعنى»، وليطلب منهم أن يراعوا مشاعر الخلق والبعد الاجتماعى والظرف المعيشى بالغ القسوة الذى يتحمله الناس حتى نجتاز عنق الزجاجة، منذ أعلن نبأ معاشات الوزراء ورئيسهم والمحافظين ورئيس البرلمان، والشعب يدعو، ويرفع يديه إلى السماء ويحسبن، بل إن الكل سدد بصره نحو هذه المعاشات، فى تركيز شرارى حارق يستدعى طاقة الحسد المدمرة! 
لو منكم لتخليت. 
يعول الناس بقوة على الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى لن يقبل التمييز الصارخ بين مواطن اشتغل وزيرا لمدة شهر أو أربع سنوات ويحق له معاش قدره ٣٣ ألف جنيه، ومواطن موظف اشتغل ٣٠ سنة وخرج ليجد معاشه ١٢٠٠ أو ٢٠٠٠، يصرفهم دواء وصبرا! وكما قلتها من قبل فإن آفة عصر مبارك كان زواج السلطة من الثروة، وعفوا فإن آفة هذا العهد سطوة الهواة والمجربين فينا والتكنوقراط والغواة!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة