سنبل... بين النبتة الفنية والنبتة الزراعية

الأربعاء، 25 أبريل 2018 05:19 م
سنبل... بين النبتة الفنية والنبتة الزراعية
مقال بقلم د. حاتم العبد

تستعر منذ أيام حملة شرسة ضد الفنان محمد صبحي، في محاولة للنيل من تاريخ الرجل ورفيع فنه ونقاء مصداقيته، بل وشرفه أيضًا، ولا أدري ما السبب وراء تلك الحملة الشعواء والهجوم الأهوج. النقد الرئيس للرجل هو إقامته مسرح على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي ؛ ويأخذ عليه البعض، أنه كان أولى بسنبل الذي غرس الآمال في نفوس الملايين باستزراع الصحراء وتعميرها، بأن يستصلح الأرض بدلًا من إقامة مسرح عليها، وأنه خالف تراخيص التخصيص الممنوحة له بأن أحال الأرض إلى مسرح ومُتحف بدلًا من زراعتها. 
 
الأمر الذي دعا الرجل لأن يسجل فيديو قصير داخل مدينته– كتب الله لها البقاء والنماء– للرد على عديمي المهنية، وفاقدي الإحساس بالمسؤولية الوطنية، وقام بنشره على صفحته الرسمية بالفيس بوك. 
 
هذا النقد غير الموضوعي وغير البريء ينمّ عن جهل مطبق وغباء مستحكم. فمن ناحية أولى فبناء مسرح فني لتقديم الفنون الراقية والذي أعتبره "النبتة الفنية" لا يقل أهمية عن استصلاح الأرض وزراعتها وهو ما نسميه بـ "النبتة الزراعية"، بل لا أكون مبالغا إذا ما قلت بتفوق الفن الأصيل والذي يعد صبحي وبحق رائده وأحد رموزه، على العمل الزراعي ؛ إذ إن بناء العقول والارتقاء بالذوق وإخراج المجتمع من الجهل إلى رحابة الفنون وسمو الذوق لهو دور لا يضاهيه دور، وهو مقدم على لقمة العيش. فبناء المجتمع على القيم والأخلاق وترويده على المبادئ لهذا هو الاستثمار الحقيقي وبوابة الانتماء إلى المستقبل. 
 
لم يكن صبحي بحاجة لتسجيل مثل هذا الفيديو ؛ فمثله لا يوضع موضع الاتهام في المبادئ والقيم والوطنية، لكن الرجل ضاق صدره بالغوغاء من قومه، وفاض به الكيل، فأراد أن يخلي ساحته ويبرئ نفسه أمام جمهوره ومحبيه.
 
على المستوى الشخصي لا تجمعني علاقة بصبحي، لكنني مثل ملايين ممن شبَّ على أصالة فنه، ورقي مبادئه، الأمر الذي دفعني في مطلع عام 2002 لاصطحاب شقيقي الأصغر في أوائل أيامه في القاهرة، إلى مسرح محمد صبحي، كي يتعلم أن يميز بين الثمين والغث، بين أصحاب المبادئ وبين المتمسحين فيها. 
 
وبفرض كون صبحي يظهر عكس ما يبطن، وبفرض كونه عكس ما يدعو إليه في أعماله الخالدة–ولا أظنه ولا أحسبه كذلك – فهل يقدح ذلك من عظم ما يقدمه الرجل من دور وطني اجتماعي تربوي ؟! وبفرض كونه…
وبفرض كونه… ألا يشفع للرجل ما يحفظه له الملايين من جميل الصنع ؟! ألا يشفع للرجل كونه أحد أبرز الفنانين المثقفين ؟! ألا يعد ونيس بمثابة وزارة تربية وتعليم من الطراز الفريد ؟! ألا يعد ونيس الأب والجد بمثابة مدرس خصوصي رفيع المستوى، مجانيّ الخدمة ؟!
 
على الدولة ورجال الأعمال الوطنيين أن يتبنوا أفكار صبحي وأن يوفروا له كل ما يلزم لتحقيق مشروعه الفني الثقافي التربوي، فهذا خير استثمار ورافد من روافد مكافحة الإرهاب والتطرف. 
 
إن للخصومة شرف لا يعرفه غير الشرفاء، وإن للاختلاف قواعد لا يعيها غير الأفاضل، وإن غير الكرام، اختلف كما تشاء مع سنبل ونيس الجوكر، لكن إياك أن تمس شخص محمد صبحي ؛ فهذا غير مسموح لك به، كن موضوعيًّا ولا تكن سطحيًّا، وأنزل الناس منازلهم وأكرم قدرهم، وإلا فلتصمت !!
 
شكرًا سنبل… شكرًا ونيس…

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق