الانتخابات العراقية واللبنانية 2018

الأحد، 29 أبريل 2018 11:05 م
الانتخابات العراقية واللبنانية 2018

لا اعرف هل هي مصادفة ان يشهد شهر مايو 2018، ثلاثة احداث تحدد الكثير داخل الملف الإيراني، سواء الانتخابات البرلمانية اللبنانية في 6 مايو، او الانتخابات البرلمانية العراقية في 12 مايو، وفى اليوم ذاته سوف يلقى الرئيس الأمريكي ترامب خطاباً يتناول اتفاقية الوفاق النووي بين إيران والغرب، الإرث الكريه للملا باراك حسين أوباما.
 
وتكمن أهمية انتخابات العراق ولبنان بالنسبة للملف الإيراني، انها سوف تحدد مساحات النفوذ السياسي لإيران داخل البرلمان وتالياً النخبة السياسية الحاكمة في كلا البلدين.
 
عراقياً هي رابع انتخابات برلمانية منذ سقوط النظام البعثي عام 2003، حيث جرت الانتخابات أعوام 2005 و2010 و2014، وفى المرات الثلاث كان الانتصار لحزب الدعوة الإسلامية الموالية لإيران مع حلفائه، ورئيس الوزراء العراقي صاحب الصلاحيات الكبرى قياساً بالصلاحيات الشرفية لرئيس الجمهورية منذ عام 2005 ينتمي الى حزب الدعوة سواء إبراهيم الجعفري او نوري المالكي او حيدر العبادي.
 
ويحق للبرلمان الجديد ان ينتخب رئيس للجمهورية في أولى جلساته، والنظام الانتخابي العراقي يحفظ للنخبة العراقية مقاعد شبه دائمة في البرلمان، حيث نظام القائمة النسبية الذي يكفل للكبار ان يكونوا دائماً على رأس قوائهم، وبالتالي مهما تعب الصغار او الوجوه الجديدة في الحشد الانتخابي لقائمة بعينها، فأنه من الصعب على البرلمان ان يشهد وجوه جديدة الا إذا حققت القائمة اكتساح من الصعب تحقيقه في ظل الانقسامات العراقية.
 
أبرز القوائم المرشحة في الانتخابات العراقية، نرى ان حزب الدعوة منقسم بين حيدر العبادي رئيس الوزراء الذي شكل ائتلاف النصر، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي شكل ائتلاف دولة القانون على أمل ان يعود الى سدة الحكم مرة اخري.
 
وكما استثمرت إيران الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وصنعت حزب الله ودسته في لبنان باسم المقاومة ولاحقاً اليوم دخل المعترك السياسي، تفعل الامر ذاته حيال داعش في العراق، حيث يتحول الحشد الشعبي الذي شارك في العمليات العسكرية لدحر داعش الى حركة سياسية لها قائمة انتخابية، الا وهو ائتلاف الفتح، ويشارك في الائتلاف مع الحشد الشعبي منظمة بدر بقيادة هادي العامري وعصائب اهل الحق وكتائب حزب الله العراقي إضافة الى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي.
 
عمار الحكيم سليل آل الحكيم التي صنعت تنظيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق قبل ان يتحول الى حزب المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، قرر ان ينفصل عن حزب اسرته، ويؤسس مشروعه السياسي المستقل بعنوان تيار الحكمة الوطني، وترك رئاسة حزب اسرته الى الشيخ همام حمودي.
 
اذن.. الكتل الشيعية التي تتنافس على منصب رئيس الوزراء حسمت خياراتها بين العبادي والمالكي والعامري والحكيم، والائتلافات الأربع تحظى بدعم قوي من إيران، في وجه الائتلاف الليبرالي غير الإسلامي الوحيد القادر على منافسة الائتلافات الإسلامية المدعومة من إيران الا وهو ائتلاف الوطنية بزعامة اياد علاوي، المكروه رقم واحد بالنسبة لإيران في العراق، والسياسي الذي كان يحق له تشكيل الوزارة العراقية عام 2010، والسياسي الذي شابت عمليات التزوير ضد ائتلافه في انتخابات 2005.
 
وشكل المسيحيين الكلدان ائتلاف الكلدان، وشكل المسيحيين الاشوريين ائتلاف الرافدين، والكرد الشيعة الائتلاف الفيلي العراقي، وتركمان كركوك جبهة تركمان كركوك.
 
الكتلة الثانية في العراق هم الكرد، القائمة الرئيسية هي قائمة السلام الكردستاني التي تضم الحزبين الكبيرين، الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ومعهم الحزب الشيوعي الكردستاني، ولكن القائمة الكردية الرئيسية تواجه تنافس حاد من رئيس وزراء كردستان العراق الأسبق برهم صالح الذى انفصل عن الاتحاد الوطني الكردستاني واسس حركة الائتلاف من اجل الديموقراطية والعدالة، وتحالف مع حركة التغيير الكردية التي أحدثت انقلاباً داخل برلمان كردستان يوم حصلت على الكتلة الثانية في انتخابات الإقليم عام 2013 ليزيح نوشيروان مصطفي الاتحاد الوطني لصاحبه جلال الطالباني عن الترتيب الثاني داخل البيت الكردي، وقد توفى مصطفي ويتولى رئاسة الحركة عمر سيد على.
 
كما يتحالف برهم صالح وعمر سيد علي مع الجماعة الإسلامية في كردستان العراق، وهو الذراع السياسي لتنظيم الاخوان في الإقليم الكردي العراقي!
وتأتي أهمية تلك المنافسة الكردية في ان الاكراد على الاغلب هم من سوف يختار رئيس الجمهورية المقبل، وقد تعمد الحزبين الكبيرين ان يختارا سياسي هزيل هو فؤاد المعصوم عام 2014 رئيساً للعراق لإضعاف منصب رئيس الجمهورية العراقية.
 
الكتل السنية التي تحاول جاهدة مزاحمة الأحزاب الشيعية على منصب رئيس الوزراء او الأحزاب الكردية على منصب رئيس الجمهورية، تشارك هذا العام بتحالف القرار العربي بزعامة أسامة النجفي بينما انضوت اغلب الزعامات السنية في ائتلاف علاوي الليبرالي مثل سليم الجبوري وصالح المطلك.
ولا يمكن ان نعول كثيراً على الأحزاب السنية العراقية لأنه اغلبها صناعة اخوانية، مثلما صنعت إيران اغلب الأحزاب الشيعية.
التيار الصدري أسس حزب الاستقامة، وشارك الحزب الشيوعي العراقي وحزب التجمع الجمهوري في ائتلاف سائرون.
 
امام هذه الخارطة المعقدة، يبدو ان الأمل الوحيد لخروج البرلمان العراقي من قبضة إيران هو ان ائتلاف علاوي يحصد كتلة كبري على ان يحصد ائتلاف النجفي على كتلة متوسطة وبالتالي نرى تحالف علاوي – النجفي للتخلص من هيمنة الائتلافات الأربع الإيرانية، وهو امر من الصعب تحقيقه الا اذا كانت كتلتي علاوي والنجفي ذات ارقام عالية مقارنة بما يلحقها.
 
الأكثر منطقية ان المحاصصة الطائفية والخارطة الطائفية داخل البرلمان العراقي سوف تظل كما هي، بل ربما يحتفظ سليم الجبوري برئاسة البرلمان وفؤاد المعصوم برئاسة الجمهورية وان يكون التنافس الحقيقي الوحيد هو بين العبادي والمالكي على رئاسة الوزارة.
 
ويلاحظ في المشهد العراقي أنك امام ملف تم تدويله، فالكل يلعب من اجل اطراف خارجية، سواء إقليمية او دولية، والحسابات المحلية او الوطنية غائبة عن 90 % من القوائم المشاركة في الانتخابات، فالمكون المحلي ليس وطنياً بل ديني او عشائري او مذهبي او عرقي فحسب!
اما في لبنان، فأن الانتخابات البرلمانية غائبة منذ عام 2009 بسبب الحرب السورية، وبقرار اعلى من طهران، رغم ان اللبنانيين عقدوا انتخاباتهم البرلمانية حتى في سنوات الحرب الاهلية (1975 – 1990)، ولكن لم تكن إيران الخمينية هي التي تحكم لبنان وقتذاك.
 
ويبدو الاصطفاف في لبنان أكثر مباشرة، ما بين قوى 14 آذار الرافضة للهيمنة السورية الإيرانية على لبنان، والرافضة لسيطرة حزب الله على جنوب لبنان وتحويله الى ولاية فارسية، وقوي 8 آذار المتدثرة بالولاية الفارسية في الجنوب بزعامة حسن نصر الله والمتصالحة مع فكرة ان يكون لبنان مجرد ولاية في حسابات ملالي طهران او بعث دمشق.. ولم يعد المعسكرين متماسكين كما كان سابقاً، ولكن في النهاية كلا المعسكرين اختار خوض الانتخابات تحت راية تلك التحالفات التي اصطفت بهذا الشكل عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005.
 
غياب الانتخابات تسع سنوات يجعل التكهن بالموقف صعب للغاية، هل تحقق قوي 14 آذار بزعامة سعد الحريري انتصار مشابه لما جرى عام 2009؟  ووقتذاك هل يقبل الرئيس الحريري الذهاب الى وزارة ائتلافية جديدة مع قوي 8 آذار التي تمثل حزب الله وحلفائه خاصة ميشيل عون وسليمان فرنجية الحفيد؟
عملياً تبدو تلك الانتخابات فرصة مهمة لترسيخ عمليات التوريث السياسي التي جرت على مدار تسع سنوات، يخوض تيمور جنبلاط انتخاباته الاولي نيابة عن والده وليد جنبلاط، كذا سامي الجميل نيابة عن امين الجميل، ولكن اهم وريث ينتظر تلك الانتخابات هو جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني، الذى ورث زعامة التيار الوطني الحر عن والد زوجته ميشيل عون، ويسعي باسيل بالارتماء في أحضان حزب الله والتطاول على المحيط العربي للبنان بأن يرث الرئيس عون على سدة الرئاسة اللبنانية حيث من المفترض للبرلمان اللبناني ان ينتخب رئيس جديد للبنان عام 2022 ما لم يجد جديد حتى ذلك التاريخ.
 
ان تجربة انتخابات لبنان 2009 وانتخابات العراق 2010 تشير بجلاء الى انه حسم ازمة النفوذ الإيراني في كلا الدولتين لن يحدث عبر صناديق الاقتراع، التي وان صوتت ضد هذا النفوذ فأن ايران قادرة على نشر ميلشياتها داخل كلا الدولتين واحداث انقلاب عسكري سريع، سواء عبر حزب الله بل وربما قوى التيار الوطني الحر في لبنان، او الحشد الشعبي ومنظمة بدر وميلشيات حزب الدعوة في العراق، ولكن هذا لا يمنع وجود ترتيبات أمريكية سياسية خاصة اذا ما حدث ونجحت المعارضة العراقية واللبنانية للنفوذ الإيراني في كسب الانتخابات وتشكيل حكومة مناوئة لهذا النفوذ.
ختاماً.. لننتظر ونرى
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق