عندما صاح صلاح: لا شىء يكسرنا

الثلاثاء، 01 مايو 2018 10:00 م
عندما صاح صلاح: لا شىء يكسرنا
محمد صلاح
كتب - حمدى عبدالرحيم

وقع بعضهم بمحض اختياره فى فخ الدونية التى راحت تهبط به إلى مستنقع احتقار الذات. هؤلاء الذين يحتقرون ذواتهم، وعفوا يبولون على تاريخهم لا يرون فى كل الأمة سوى جماعة من الخائبين العاجزين عن تقديم أى شىء للحضارة والمدنية.
 
هؤلاء هم عبيد الاحتلال الذين يؤمنون بعجزنا عن النهوض لعيوب خلقنا بها ويجب أن نستسلم لها لأنها من قضاء الله وقدره!
رأيت هؤلاء والغضب يندفع من عيونهم ولا تكتمه ألسنتهم عندما فاز لاعب كرة القدم محمد صلاح بجائزة أحسن لاعب فى الدورى الإنجليزى.
راحوا يقللون من الفوز بشتى الطرق، حتى أن فريقا منهم قال: هذا مجرد لاعب كرة وليس فيلسوفًا ولا مخترعًا.
لو أنصفوا لتأملوا مسيرة نجاح مدوية حققها «صلاح» رغم الرياح المعاكسة.
«صلاح» ابن القرية الدلتاوية الصغيرة، سجل أول نجاح عندما عرف موهبته وأخلص لها ودفع ثمن الحفاظ عليها ثم ها هو يدفع ثمن تنميتها وتعظيمها.
فى سنوات مراهقته كان صلاح ابن الخامسة عشرة يغادر بيت أسرته فى الصباح الباكر متجهًا إلى نادى المقاولون العرب.
مدربه سعيد الشيشينى قال عن تلك الفترة: كان الطريق ذهابًا وإيابًا يستهلك من وقت صلاح وجهده ست ساعات يوميًا، وكان المران يستغرق ساعتين، وأبدًا لم يرفع صلاح صوته بالشكوى.
كان يلعب فى مركز الظهير الأيسر، وما أبعده عن مركز المهاجم وهو مركزه الحقيقى، ولكنه كان يبذل قصارى جهده ليحقق لفريقه النصر، ثم لعب فى مركز المهاجم فى مباراة أمام فريق إنبى وكان عمره خمس عشرة سنة فقط، وفاز المقاولون بأربعة أهداف نظيفة لم يسجل يومها صلاح، بل أهدر أربع فرصة أكيدة، يومها فرح الفريق كله وانخرط صلاح فى نوبة بكاء حزنًا على الفرص التى أهدرها.
مدربه الواعى تفهم حزنه وتعامل مع حساسيته باحتراف حتى أصبح نجم هجوم فريقه، وقد علا نجمه بعدما سجل هدفًا فى مرمى الأهلى.
بعض الموهوبين يكتفى بفرحة التهديف فى الأهلى أو الزمالك ليظل هدفه فى أحد الفريقين لقطة عمره التاريخية ثم ينتهى به الأمر إلى حفر النسيان!
من القرية الصغيرة بريف الدلتا إلى سويسرا مرة واحدة، حيث التألق فى فريق بازل والتهديف فى مرمى أكبر الأندية الأوروبية.
لو لم يكن صلاح مخلصًا لموهبته، عاقدًا العزم على دفع ثمن الحفاظ عليها لضاع هناك، إنها سويسرا حيث كل المغريات متاحة لشاب مثله.
من سويسرا ذهب صلاح إلى بريطانيا، حيث تشيلسى أحد أكبر الأندية الأوروبية، وحيث تحقيق حلم اللعب مع نجوم بحجم فرانك لامبارد وديديه دروجبا وإدين أزار وخوان ماتا وجون تيرى، والأهم العمل تحت إدارة مدرب بحجم جوزيه مورينيو، المشهور بلقب الاستثنائى.
لم تحقق تجربة صلاح مع تشيلسى النجاح المنتظر، ولكن هذا لم يكسره ولم يجعله يسند رأسه إلى حائط الفشل، لقد عرف موهبته وأخلص لها، فذهب سريعًا إلى إيطاليا حيث نادى فيورنتينا، وهناك تألق وصمد أمام كل الفخاخ التى التهمت موهوبين غيره.
صلاح بفطرته أدرك أنه لكى يركض مثل حصان عليه أن ينام مبكرًا كأنه دجاجة ويتحلى بالهدوء كأنه حجر.
هذا الحرمان من مغريات الحياة دفعه صلاح لكى لا يكسر حلمه أى شىء.
من فيورنتينا ذهب إلى فريق روما، تلك الخطوة فى مشوار صلاح خشى كثيرون منها على مستقبله.
الكرة الإيطالية عنيفة وتقوم فى الأساس على ركائز دفاعية لا تتيح لموهوب مثل صلاح فرصًا لإظهار موهبته، ثم الحياة على الطريقة الإيطالية كانت مقبرة لنجوم أفذاذ مثل مارادونا الذى عاد من الرحلة الإيطالية بعار تعاطى الهيروين، إضافة إلى علاقات معقدة ومتشعبة جعلت اسمه يتردد فى جلسات قانونية تدور حول إثبات نسب أو نفيه!
تألق صلاح بين صفوف فريق بحجم روما جعل اسمه يتردد بين الأندية الأكبر من روما.
عندما سمعنا نحن الذين نتابع صعود صلاح طلب فريق مثل ليفربول له، كدنا لا نصدق الأمر كله، وحده صلاح كان يصدق أن موهبته وإخلاصه لها سيحملانه إلى السماوات العالية البعيدة، حيث يتربع ملكًا من ملوك اللعبة.
منذ بداية مشاركته مع ليفربول سجل صلاح حضورًا لافتًا راح يترسخ مباراة بعد أخرى.
عرف صلاح الطريق لمزيد من النجاح، عرف المعادلة السحرية، القبض على الحلم وعلى التواضع معًا.
وعندما شهد له الجميع بقبضه على الأمرين هدأت نفسه واطمأن قلبه، فنظر إلى أهله لا نظرة المتصدق السابح فى عباءة البر والإحسان، ولكن نظرة ابن البلد المشارك.
يقول ماهر شتيتة عمدة قريته «نجريج» مركز بسيون محافظة الغربية لموقع اليوم السابع: إن اللاعب قرر تحمل تكاليف إنشاء معهد أزهرى للفتيات وتجهيزه بالكامل وتسليمه على المفتاح للأزهر الشريف، لتخفيف العبء عن فتيات القرية، لمنع تنقلهن إلى القرى المجاورة بتكلفة تصل لـ8 ملايين جنيه، إلى جانب مؤسسة محمد صلاح الخيرية والتى تكفلت بإعالة بـ400 أسرة لأرامل ومرضى وغير قادرين، وتقوم بصرف رواتب شهرية للأسر بإجمالى 50 ألف جنيه شهريا، بالإضافة إلى تحمل اللاعب تكاليف إنشاء وحدة إسعاف بالقرية، وتجهيز وحدة الغسيل الكلوى بمستشفى بسيون، إلى جانب الأعمال الخيرية التى لم يفصح عنها اللاعب.
لا أظن أن ثقافة صلاح تمكنه من معرفة شعر محمود درويش، الذى وقف فى لحظة خراب قومى، عندما احتل الصهاينة بيروت عازمين على استئصال الفلسطينيين، فهتف درويش فى وجه الزمن: 
«لا شىء يكسرنا 
وتنكسر البلادُ على أصابعنا كفُخَّارٍ 
وينكسرُ المسدِّسُ من
تلهُّفِكَ.
انتصرْ هذا الصباحَ
ووحِّد الراياتِ والأممَ الحزينةَ والفصولَ
بكُلِّ ما أوتيتَ من شبق الحياةِ’
بطلقةِ الطلقاتِ
باللاشىء
وحِّدنا بمعجزةٍ فلسطينيِّةٍ».
صلاح الذى لا يعرف شعر درويش، يعيش هذا الشعر ويوحدنا بمعجزة مصرية ويهتف بنا: لا شىء يكسرنا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة