التطبيق العملى للحوار الدينى المعتدل

الجمعة، 04 مايو 2018 04:59 م
التطبيق العملى للحوار الدينى المعتدل
د. هدى درويش أستاذ الأديان المقارنة تكتب..

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن أهمية الحوار الإيجابي مع الآخر تحقيقا لمنظومة السلام بين الأديان‏,‏ حيث وضع كثير من علمائنا وأساتذتنا الأفاضل حلولا قيمة لتحقيق أهداف هذا الحوار‏,‏ من بين تلك الحلول أن يكون كل من الطرفين ندا للآخر فيكون حواره قويا يقوم علي أسس من الاحترام المتبادل وقبول الآخر والبعد عن التحيز أو التعصب‏.‏

وحتي يتحقق هذا الهدف فلابد له من آليات تقف علي أرض صلبة‏,‏ أولها وأهمها ضرورة تفعيل الثقافة الدينية بالتعرف علي مذاهب وعقائد الديانات الأخري‏,‏ وكذلك دراسة الكتب السماوية المقدسة‏,‏ التوراة والإنجيل والقرآن الكريم‏,‏ إذ كيف يمكن إدارة حوار مع صاحب عقيدة مغايرة دون النظر والتمعن في نصوص كتابه الذي يؤمن به؟

وإذا ما نظرنا الي أصحاب الديانات الأخري غير الاسلام‏,‏ نجد أنهم يعتنون عناية فائقة بالقرآن الكريم‏,‏ فهم يعرفون آياته‏,‏ بل يحفظونها ويدرسونها ويستشهدون بها‏,‏ سواء بنظرة ايجابية أو سلبية‏,‏ ويحدث هذا علي مستوي العامة منهم الي جانب علمائهم ومفسريهم وشراحهم‏,‏ بمعني أنهم يستندون بأدلة قرآنية تدعم آراءهم‏,‏ ويؤلونها طبقا لمفاهيمهم التي يبتغون توصيلها للرأي العام الذي يهدفون إليه حتي ولو خالفت المقصود الإلهي لها‏.‏ كما أنهم يعملون علي استغلال اختلاف وجهات النظر بين بعض الفرق والمذاهب الإسلامية ويتخذون منها معولا لهدم القيم والمعاني الدينية وإشاعة الفرقة بين المسلمين‏.‏

وحقيقة الأمر فإن الديانات السماوية مصدرها واحد أنزلها المولي ـ سبحانه وتعالي ـ بهدف التوحيد والهداية وترقي الإنسانية عن طريق رسله الكرام الهداة‏,‏ حيث مرت بثلاثة أطوار بدءا بالديانة اليهودية ثم المسيحية واكتملت بالإسلام فكان تسلسلا زمنيا لا مجال فيه لإنكار أو تفضيل ديانة عن غيرها‏.‏

ومع التطورات التي يشهدها واقعنا الحالي‏,‏ وتغلغل المادية في حياتنا المعاصرة وسيطرة المصالح والتغيرات التي تأتينا من كل جانب بتسميات مختلفة من عولمة‏,‏ وتحديث‏,‏ وعصرنة ‏,‏ ونداءات بشمولية الانسان في الحياة والطبيعة‏..‏ وغيرها أصبح من المتعين دراسة الكتب السماوية وتفحص نصوصها بالحجة والبرهان الصحيح‏.‏

وفي الأصل فالديانات السماوية تتفق علي وجوب التحلي بالفضائل والأعمال الصالحة واجتناب الرذائل والبعد عن كل الشرور‏.‏ هذا الاتفاق يفتح لنا نافذة للوصول الي جوهر الديانات التي نزلت بالحق‏,‏ ومن ثم يفتح لنا باب الحوار الايجابي القائم علي المنطق السليم واحترام حقوق الإنسان في المعتقد والحياة‏.‏

وتاريخ الأنبياء والرسل منذ بدء الخليقة يشهد بالشريعة الفطرية التي جاء بها آدم ونوح وشيث وإدريس وإبراهيم واسحاق ويعقوب ـ عليهم السلام ـ ثم موسي وما أداه لشيعته من أمانة الرسل السابقين فجاء قول القرآن في حقه‏-‏ عليه السلام‏-(‏ ومن قوم موسي أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏).‏ ثم جاءت المسيحية بدعوة السيد المسيح‏-‏ عليه السلام‏-‏ بالمحبة والتسامح والاحسان والرحمة التي وصي بها حوارييه واتباعه‏,‏ فجاء قول القرآن في حقهم‏:(‏ ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون‏).‏

وتتفق النصوص السماوية علي أهم أسس العقيدة الدينية وهو التوحيد فقد جاء في القرآن الكريم‏(‏ هو الله الذي لا إله إلا هو‏)‏ وجاء في الوصايا العشر فى الشريعة اليهودية‏:(‏ أنا الرب إلهك‏...‏ لايكن لك آلهة أخري أمامي وذكر التوحيد في نصوص الإنجيل في قوله‏:‏ لأن الله واحد وليس آخر سواه.  كذلك النواهي التي وردت في الوصايا العشر‏:(‏ لا تقتل‏,‏ لاتزن‏,‏ لا تسرق‏,‏ لا تشهد علي قريبك شهادة زور . وهي مبادئ أكدت عليها كل الأديان‏.‏  ومن الفضائل الواردة في المسيحية مفهوم التآخي حيث ورد‏:(‏ لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا وهذا المبدأ يقابله النص القرآني‏:(‏ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم‏).‏

وفي فضيلة التسامح جاء قول المسيح‏-‏ عليه السلام‏-(‏ سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن‏,‏ وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر‏,‏ ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء‏,‏ ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين‏,‏ من سألك فأعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده‏,‏ سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك‏,‏ وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم‏,‏ باركوا لاعنيكم‏,‏ أحسنوا الي مبغضيكم‏,‏ وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم . الي غيرها من فضائل الحث علي التسامح والتراحم في المسيحية‏,‏ بينما نجد ما يقابل هذا النص في الاسلام في قول الله عز وجل ‏:(‏ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم‏).‏ وقال صلي الله عليه وسلم المسلم من سلم الناس من يده ولسانه‏.‏

 

كذلك من الفضائل التي تتفق عليها الرسالات السماوية الدعوة لعفة المرأة وتحشمها وحثها علي وضع غطاء علي رأسها فجاء في الشريعة اليهودية في سفر التكوين قصة تامار التي قعدت في بيت أبيها بعد طلاقها‏,‏ ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت. وجاء في سفر إشعيا‏:‏ قال الرب من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق وغامزات بعيونهن وخاطرات في مشيهن ويخشخشن بأرجلهن‏,‏ يصلع السيد هامة بنات صهيون ويعري الرب عورتهن. كذلك وتتضمن الشريعة اليهودية تحريم النظر الي النساء والتفرس فيهن‏,‏ ومحادثتهن‏,‏ إضافة الي تحريم الزنا الذي ورد فيه كثير من النصوص التوراتية التي تقضي بعقوبات بالقتل والحرق والرجم بالحجارة علي الزاني والزانية‏.‏

 

وتدعو المسيحية النساء الي التزام الفضيلة والتحشم حفاظا علي كرامتهن‏,‏ فجاء في رسالة بولس الي كورنثوس :‏ كل امرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطي‏,‏ فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شئ واحد بعينه‏.‏ إذ المرأة إن كانت لا تتغطي فليقص شعرها‏.‏ وهو حكم بالمهانة الشديدة للمرأة‏.‏ وفي الزنا شددت الديانة المسيحية علي تحريم مقدماته‏,‏ حيث حرمت النظر الي المرأة‏,‏ وحظرت مخالطة الزناة‏,‏ وقد ورد في الإنجيل أن المسيح عليه السلام قال‏:‏ قد سمعتم أنه قيل للقدماء لاتزن‏,‏ وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر الي امرأة ليشتهيها فقد زنا بها في قلبه‏,‏ فإن كانت عينك اليمني تعثرك فاقلعها وألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقي جسدك كله في جهنم‏(‏  انجيل متي‏).‏ تلك فقرات قليلة مما ورد من فضائل الشريعة الإلهية التى تضمنتها الديانات السماوية فكانت الناموس السرمدى الأبدى الذى اتحد وتوحد عليه سائر الأنبياء نحو غاية عظمى هدفها تبليغ الامانة للبشر كل إلى أمته ، حتى جاء الإسلام خاتما ومكملاً للرسالات برسول الإنسانية محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ المرسل للناس كافة ، ورحمة للعالمين ، مصدقا ومؤمنا بسائر الكتب والرسل والأنبياء السابقة ، وسار على هداه الخلفاء ومن تبعهم يمثلون القدوة الحسنة فى معاملة أهل الأديان فى مختلف العصور والأزمان .

 

ومع تطور العصور وظهور نظريات وآراء تبعد عن خير البشرية ، إنما هو بسبب تفشى المادية ، وحب المنفعة ، والتعصب ، والرغبة فى التسيد الذى أصاب البشر . ولا مناص للخروج من عالم المادة إلا بالرجوع إلى أصل الدين والفطرة الإنسانية التى خلقها الله تعالى عليها .

لذا ندعو العلماء من رجال الدين ومن يقوم على مهمة التعليم والتثقيف فى الجامعات المختلفة ومراكز العلم والبحث ، الاهتمام بتدريس المذاهب والعقائد والفرق المختلفة فى كل الأديان على أسس منهجية موضوعية ، والتعريف بمذاهب الماديين من  المعاصرين لمقابلة الحجج بأمثالها وإقامة الحق بالبراهين العلمية العملية . 

ومن ثم ، فحتى يكون الحوار بين المسلم والآخر حوارًا ايجابيا مجديا ، ومدعما بالأدلة ، فإنه ينبغى على كل مسلم أن ينمي ثقافته الدينية ويدعمها بالتعرف على النصوص الواردة فى الكتب المقدسة فيدرسها دراسة موضوعية حتى يتمكن من أن يكون محاورا جيدا يتحلى بالشفافية والموضوعية والسماحة والترقى الفكرى الذى يتطلبه الحوار إهتداءًا بقول الله عز وجل : ( وجادلهم بالتى هى أحسن) فتترقى الإنسانية كلها بالهداية إلى سبل المحبة والإحسان والسلام .

 

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة