«ازدراء الأديان» بين السيف المسلط على رقاب المفكرين والباحثين عن الشهرة

السبت، 05 مايو 2018 11:00 ص
«ازدراء الأديان» بين السيف المسلط على رقاب المفكرين والباحثين عن الشهرة
ازدراء الأديان
علاء رضوان

«ازدراء الأديان».. تهمة تقع ما بين السيف المسلط على رقاب المفكرين والكتاب، بينما تكون لآخرين الطريق الأمثل للوصول إلى الشهرة والنجومية، وذلك بحجة أن الدستور كفل حرية العقيدة والتعبير.  

تهمة «ازدراء الأديان» أُدرجت في القانون المصري منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، في الوقت الذي استخدمت الجماعة الإسلامية المنابر داخل المساجد للإساءة للدين المسيحي، فأمر السادات حينها بوضع قانوناً يجرم به استخدام أي دين لسب دين آخر، حيث يرى مراقبون أن القانون للتصدي والحفاظ على سلامة المجتمعات من عملية الاختراق للثوابت الدينية والتقاليد والأعراف.

الشاب شريف جابر لم يكن الأول فى قائمة الشخصيات العامة والدينية التي وجهت لهم «تهمة ازدراء الأديان»، حيث أن القائمة ضمت الشيخ سالم عبد الجليل، والكاتب المفكر يوسف زيدان، و القمص مكارى يونان، والكاتبة نوال السعدواي، المفكر الإسلامي نصر حامد أبو زيد، والمخرجة المثيرة للجدل إيناس الدغيدي والكاتب سيد القمني والمطرب الشعبي حكيم الذي اتهم بازدراء الأديان، حينما ظهر في أحد مشاهد كليبه الجديد «عم سلامة»، وهو يتكأ  بقدمه على حائط مكتوب عليه «آية القرآنية»، كما أدت أغنية «الحسن والحسين» من فيلم «عبده موتة» للفنان محمد رمضان والراقصة دينا إلى اتهام الاثنين بازدراء الأديان.

السؤال الذى يطرح نفسه هو؟ متى أدرجت تلك الجريمة ضمن قانون العقوبات المصري؟ وما عقوبتها ؟ وما رأى الخبراء القانونيون فى إزالة وتعديل المادة فى القانون.

علاقة السادات باذدراء الأديان

فى هذا الصدد، يقول الخبير القانونى ياسر سيد أحمد، المحامى بالنقض، إن جريمة ازدراء الأديان لا يوجد باب مستقل بقانون العقوبات المصري لهذه الجريمة، حيث تندرج تحت نصوص مختلفة تنظم حالات معينة البعض يتعلق بطريق مباشر بالأديان وبعضها يتعلق به ولكن بطريق غير مباشر، ما يقف عائقاَ أو حاجز عثرة أمام الكُتاب والمفكرين والإعلاميين في طرح الأفكار والمعتقدات.

«أحمد» أضاف فى تصريح لـ«صوت الأمة»، أنه المواد الخاصة بالقانون أدرجت في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ومنها المادة 98 ووضعت عندما استخدمت الجماعة الإسلامية منابر المساجد للإساءة للدين المسيحي، فوضع السادات قانوناً يجرم به استخدام أي دين لسب دين آخر، مؤكداَ أن «اذدراء الأديان» بمثابة الاعتداء والتحريض على قدسية الاعتقاد الديني، والإساءة للأديان والرسل، ومهاجمة العقيدة بالباطل. 

تعريف إزدراء الأديان فى القانون

وأشار، إلى أن القانون يعرّف جريمة ازدراء الأديان بأنه احتقار الدين أو أحد رموزه أو مبادئه الثابتة أو نقده أو السخرية منه، لأن مثل هذه السلوكيات تثير الفتن، ومن هنا فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يعتبر ازدراء ولا يسمح به، والقانون يعاقب عليه، مؤكداَ أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ضمنت الحق في العقيدة وحرية التعبير من بين الحقوق الأساسية والحريات العامة للإنسان، إلا أن المواثيق والقرارات الدولية التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة، أولت الخصوصية الثقافية والدينية والاجتماعية للمجتمعات المختلفة الاعتبار والعناية، حيث قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2008 حظر مجاوزة الأفراد للحدود القانونية للحق في التعبير، كما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على طلب مصر ودول المؤتمر الإسلامي تقييد حرية التعبير بما يتفق مع خصوصيات كل مجتمع والقوانين السائدة فيه ومراعاة واحترام وتوقير العقائد الدينية. 

رفض دعوات إلغاء عقوبة ازدراء الأديان

فيما، قال الدكتور أحمد الجنزورى، أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس، إنه ضد الدعوات الخاصة بإلغاء عقوبة ازدراء الأديان ضمن تعديلات قانون العقوبات المصري، لأن وجود عقوبة رادعه ضد متطرفي الرأي الديني تعتبر إحدى الوسائل التي تستخدمها دولة القانون في حجب المفاسد التي من شأنها أن تؤدي إلى خلق الفتن بين أبناء الوطن الواحد وإثارة الشبهات .

وأضاف «الجنزورى» فى تصريح خاص، أن هناك ضرورة ملحة للحفاظ على النصوص القانونية التي تجرم هذا السلوك، حفاظًا على الأمن القومي المصري، والعلاقات الاجتماعية المتوارثه بين الأجيال من أفراد الشعب المصري، مشيراَ إلى أنه ضد دعوات البعض من الحقوقيين والمفكرين، الذين يطالبون بإلغاء العقوبة، ذلك أن إلغاء عقوبة ازدراء الأديان سيجعل الأديان السماوية في مهب الريح، ويعطي فرصة للمشعوذين أن يفتئتوا على دين الله في الأرض بالباطل، بصورة من شأنها زرع الفتنة والانقسام بين الشعب، والذي ينتج عنه بطبيعة الحال انهيار الوطن وانتشار الكفر و الإلحاد .

وعن جريمة «سب الذات الإلهية» أشار «الجنزورى» إلى أن سب الذات الإلهية جريمة بكل النظم القانونية في العالم ودونما النظر إلى دين الدولة، حتي ولو كان الإله  بقرة كما الحال عند الهندوس أو لو كان الاله نار كما عند بعض الهنود، ذلك أن إحترام الذات الإلهية واجب وطني و قومي لان من شأنه حجب التنازع و الانقسام و الاقتتال حول صحة المعتقدات الدينية و الفكرية . 

القانون و ازدراء الأديان

وبالنسبة للشق القانونى، قال وحيد الكيلاني، أمين عام لجنة الحوار والشئون النقابية بنقابة المحامين، أن المادة 98 من قانون العقوبات تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز الـ5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز الـ1000 جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار منطوقة بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي.

وأضاف الكيلانى فى تصريح خاص أنه فيما يخص المادة 161 من قانون العقوبات تنص على أن يعاقب بتلك العقوبات على كل تعد يقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة 171 على أحد الأديان التي تؤدي شعائرها علناً، حيث يقع تحت أحكام هذه المادة كل من طبع أو نشر كتاباً مقدساً في نظر أهل دين من الأديان التي تؤدي شعائرها علناً إذا حرف عمداً نص هذا الكتاب تحريفاً يغير من معناه أو قدم تقليداً أو احتفالاً دينياً في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به.

وأوضح أن المادة 176 نصت على: "أن يعاقب بالحبس كل من حرض على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام".  

نص مواد القانون

المادة 98 فقرة "ا" من قانون العقوبات "تؤثم الازدراء بالعقيدة الدينية وتعاقب مرتكبها بالحبس من ستة شهور إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة جنيه إلى ألف جنيه مصرى" .

المادتان "160-161" من قانون العقوبات تتحدد الجنح المتعلقة بالأديان، وهى واحدة من الأفعال الإجرامية الآتية:

ـ كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو احتفال دينى خاص بها أو عطلها بعنف أو التهديد.

ـ كل من ضرب أو كسر أو أتلف أو دنس مبانٍ معدة لإقامة شعائر دين أو رمز أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء الملة

ـ كل من استغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى، أو الطعن فى كتاب مقدس أو تحريفه عمداً، أو السخرية من الاحتفالات الدينية.  

الخطأ فى تأويل النص الدينى

فى سياق آخر، يقول ياسر فاروق الأمير، أستاذ القانون الجنائى، أن هناك اتجاهات للرأي العام دعت إلى إلغاء نص المادة 98/ من قانون العقوبات المتعلقة بازدراء الأديان، وهلل لهذه الدعوة وكبر بعض المفكرين، لاسيما بعد أن سُجن عدد كبير منهم تحت لوائها، ووجه نظر المعارضين أن هذه المادة تدعو إلى التخلف والجهل وتتعارض مع حرية الفكر والبحث العلمي الحر.

«الأمير» أضاف فى تصريح لـ«صوت الأمة» أنه لا نبعد عن الحقيقة إذ قررنا أن هذه الدعوة لها نصيب من الصحة، غير أن هذه الصحة لا ترجع إلى فساد تلك المادة بقدر ما يرجع إلى سوء التطبيق، فهذه المادة لم توضع للعقاب على من يفكر في الدين ويجتهد برأيه ولو أسلمه التفكير إلى الخطأ، وإنما وضعت المادة 98 و لعقاب من يستغل الدين في الترويج لأفكار متطرفة بقصد تحقير الدين وازدراءه « نقض 1996/1/7 الطعن رقم 71447 لسنة 59ق » مثل قتل من يخالف الدين أو يعتنق دين آخر أو من يؤمن بمذهب معين وإحلال العنف محل المجادلة بالحسنى والتصفية الجسدية لمن يخالف رأي فقيه أو أمام مهما بلغ علمه، ليس هذا فحسب بل يجب أن تكون غاية الجاني آثاره الفتنة أو تحقير الدين أو الإضرار بالوحدة الوطنية.  

وكشف «الأمير» أنه يجب التفرقة بين النص الديني وتأويله، فالاعتراف بالنص مع الشذوذ في تأويله لا غبار عليه، ولهذا فإن الطعن في صواب رأي أئمة السلف أو ما نقلوه من أحاديث نبوية شريفة ولو كان بالتجريح ليس محل عقاب سواء تحت نصوص القذف والسب، لأنه لا قذف في حق الأموات ولا تحت نص ازدراء الأديان لأنه لا يستغل الدين في الترويج ازدراءه، مؤكداَ أنه لا يفوتنا أن نشير إلى أن إنكار بعض الأحاديث النبوية التي وردت في كتب السلف والجهر بذلك لا ينطوي على استغلال الدين ولا ازدراءه ذلك أن أئمة المسلمين ذاتهم أختلفوا في تلقى السنة حقاً أننا جميعاً كمسلمين متفقون على أن السنة هي الأصل الثاني للدين وما كان لمسلم أن يرفضه بعد قوله تعالى «من يطع الرسول فقد أطاع الله» ولكن الخلاف بين الأئمة نشأ من أن بعضهم قد يصل إليه حديث لا يصل إلى غيره.  

كما أنهم يختلفون في شروط قبول الحديث، فالشيعة الأمامية - مثلاً - لم يقبلوا إلا الأخبار التي تعود بإسنادها إلى آل البيت ولم يقبل الخوارج إلا الأحاديث التي رويت قبل الفتنة في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أما جمهور أهل السنة فإنهم يقبلون الأحاديث الصحيحة كلها لكنهم اشترطوا شروطاً، فمنهم من قبل روايات الآحاد، ومنهم من اشترط موافقة الحديث لعمل أهل المدينة، ومنهم من اشترط شروطاً في الرواة أو شروطاً في المتن «نص الحديث» وكما وقع الخلاف في قبول الأحاديث وقع الخلاف في فهم معناه ( الدكتور ياسر الأمير فاروق - نظراتُ في الدستور المصري لسنة 2012 - الناشر مركز الأمير للدراسات القانونية - 2013 ص123 ).

أمنة نصير تحاول إلغاء المادة

يشار إلى أن الدكتورة آمنة نصير عضو مجلس النواب، صاحبة مقترح بقانون لتعديل ازدراء الأديان الذى نال رفض البرلمان خلال العام الماضى، حيث أوضحت  أن مشروع القانون تم رفضه من قبل اللجنة التشريعية ولم يعرض على الجلسة العامة للمناقشة، مشددة على أن الأديان لا تزدرى والإسلام ليس فيه كهنوت ولا يحتاج إلى أحد للدفاع عنه.  

«أمنة» أكدت خلال تصريحات صحفيه، أن التدين لا يفرض بالقوة والحبس، وأن المولى عز وجل جعل حرية الاعتقاد مكفولة للجميع، إعمالا لقوله تعالى «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ»، مؤكدة أن تهمة ازدراء الأديان تخالف حقيقة وجوهر الشرع الذى حرص على حرية الاعتقاد، وأن تطبيقها يستهدف النيل من أصحاب الرأي المخالف.  

وقالت أستاذ العقيدة والفلسفة، «للأسف الشديد هناك هيئات ومؤسسات وأفراد تغيب عنهم ثقافة الدين المعتدلة التى تحترم حرية الفرد وحرية التفكير والاجتهاد، مشددة على أن المادة لا تخدم سوى السلفيين والأزهر الذى قاد حملة غير معلنة لرفض المقترح داخل اللجنة التشريعية» على حد تعبيرها.

كانت نيابة نيابة وسط القاهرة قد استمعت الأسبوع الماضى إلى الهيثم هاشم سعد الذى أوضح خلال التحقيقات أن الملحد شريف جابر يجاهر بسبه للدين الإسلامي، وتطاوله على «الله»، وأنه يتعمد الإساءة للدين بدعوي الحرية والتعبير عن الرأي، مؤكداً أنه سبق الحكم عليه حين تطاول على أستاذه بالجامعة ما ترتب عليه فصله من التعليم والحكم عليه بالحبس لمدة عام.  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة