العنصرية فى عاصمة النور والحريات!
الثلاثاء، 08 مايو 2018 05:00 ص
عاصمة النور والحريات
عبدالفتاح على يكتب:
فرنسا بلد الحريات أو هكذا يعتقد البعض، إلا أن كثيرا من المهاجرين إلى هذا البلد ممن يعودون لأرض الوطن يحملون معهم حكايات عن حوادث عنصرية تحدث فى وضح النهار حدثت معهم أو مع من يعرفونهم من عِرق غير أوروبى.
المسلمون فى فرنسا الذى يبلغ عددهم ستة ملايين نسمة يواجهون أياما صعبة، فضلا عن معيشة معظمهم فى ظروف أكثر صعوبة، سواء فى ضواحى باريس أو المدن الأخرى الفقيرة.
ف
ما أن وضع عام 2018 أقدامه فى الدنيا، حتى انتشرت حوادث قتل استهدفت عشرة من ذوى الأصول الجزائرية، اتهمت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان اليمين المتطرف بها.
وخلال يناير وفبراير فقط، عاشت - ولا تزال - الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا على وقع هلع وفزع كبيرين بعد تنامى ظاهرة الاعتداء عليهم، إثر تسجيل جرائم قتل متنوعة فى مدن فرنسية مثل مرسيليا وليون والعاصمة باريس، حيث قُتل 11 شخصا، 10 منهم ينحدرون من أصول جزائرية، وواحد لا تزال هويته مجهولة، بحسب صحيفة «الشروق» الجزائرية.
وعلى وقع الأصوات المطالبة بضرورة الكشف عمن يقف وراء هذه العمليات، ولماذا يتم استهداف ذوى الجزائريين بشكل خاص، كشف مسئول بالقنصلية الجزائرية فى مدينة مرسيليا الفرنسية للإذاعة الجزائرية الحكومية، أن التحقيق بشأن هذه الجرائم لا يزال جاريا.
الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أكدت فى بيان لها، فشل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الفرنسية فى تتبُّع الإرهابيين من اليمين المتطرف، وفضح مخططاتهم.
وقال رئيس الرابطة هوارى قدور، والرابطة تتابع عدة فيديوهات تُنشر على شبكة الإنترنت، منها فيديو نُشر يوم الأربعاء 22 مارس 2017، وفيه دعوة من حركة فرنسية تتبنَّى فكر اليمين المتطرف الفرنسى، تسمى نفسها «وايس»، إلى قتل الجزائريين والاعتداء على المسلمين.
حركة وايس تم الإعلان عن تأسيسها بعد تفجيرات باريس ونيس، وهى حركة سرية تتبنى فكر اليمين المتطرف الفرنسى، مهمتها قتل والاعتداء على المسلمين والجزائريين فى فرنسا.
صحيفة ليبراسيون التى انفردت بنشر بيان ما سمته معاداة السامية الجديدة هى ذاتها التى تساءلت فى يناير 2015 ما إن كان قد «أصبح الإسلام يشكل عُصابًا وطنيا؟»، وربطته بظهور مطالب «الهوية»، لدى شريحة متزايدة من الفرنسيين، وهو ما جاء فى مقالين نشرتهما الصحيفة بعنوان «الانتحار الفرنسى» لإيريك زمور، و«الهوية الشقية» لفينكلكروت.
وقال الكاتبان إن تصريحات اليمين الساركوزى «نسبة للرئيس الفرنسى السابق ساركوزى» واليمين المتطرف تغذيان بقوة مطالب الهوية التى تستند للإسلام كمرجعية وليس للعلمانية الفرنسية، ويبدو أن فرنسا، كما كتبت الصحيفة، تجد نفسها أمام وضع تاريخى استثنائى، يتمثل فى دين جديد أخذ ينغرس فى أراضيها، ومن وجهة التاريخ لم يحدث هذا الأمر إلا مرة واحدة حين سقطت الإمبراطورية الرومانية، وتم إرساء المسيحية.
القانون الفرنسى نفسه لا يمنع العنصرية إلا إذا واجهت الطائفة اليهودية، فهو يحظر صراحة الإساءة لليهود تحديدا ودون غيرها، ويجرم من ينكر المحرقة النازية المزعومة، وما عدا ذلك فالقانون هناك يعطى الحق المطلق للإساءة إلى المعتقدات والأشخاص، بدعوى حرية التعبير! أو كما قال الكاتب مبارك محمد الهاجرى فى صحيفة الراى.
ويضيف أن أغلب مواد القانون الفرنسى تفوح منها رائحة العنصرية، والتحقير، والازدراء بحق أطياف المجتمع الفرنسى الأخرى، وإلا بماذا يفسر المرء استهزاء صحيفة فرنسية بمعتقدات المسلمين، فى الوقت الذى تتجنب فيه معتقدات اليهود خوفا من قانون معاداة السامية؟!
ففى فبراير 2016 أثار قرار البرلمان الفرنسى بالموافقة على قانون إسقاط الجنسية عن المحكوم عليهم فى جرائم إرهابية، جدلًا واسعًا، لاسيما أنه مقترح يمينى متطرف، وتزامن الإعلان عنه والترويج له مع وقوع عمليات إرهابية كبيرة فى نفس العام، الأمر الذى رأه البعض استغلالًا واضحًا لهذه الحوادث لاستهداف وتقييد الوجود العربى والإسلامى فى فرنسا، كما قال محمود على فى موقع البديل.
القانون الذى تبنته الرئاسة الفرنسية، فى فترة حكم فرانسوا أولاند ورئيس الحكومة السابق مانويل فالس، أثار بعض التمييز فى نصوصه؛ لأنه لا يمس أصحاب الأصول الفرنسية حتى إذ كانوا إرهابيين؛ وهو ما جرى تداركه فيما بعد بتعديل وافق عليه النواب الفرنسيون بأغلبية تقر بإسقاط الجنسية الفرنسية عن أى شخص، فى حال ارتكاب جرائم تمس بالمصالح الأساسية للأمة أو جرائم إرهابية، وكذلك فى جنح تتعلق بالإرهاب إذا صدرت فيها أحكام بالسجن لا تقل عن عشر سنوات.
العنصرية الظاهرة فى شقوق السياسة الفرنسية، كانت حاضرة فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لدرجة دفعت الرئيس إيمانويل ماكرون، وقت أن كان مرشحا، أن يجعل مقاومة العنصرية جزءا من برنامجه الانتخابى، وهو ما ظهر جليا فى تصريح كرره أكثر من مرة قال فيه « سيواجه جميع أنواع العنصرية لضمان وحدة فرنسا التى أوضح أنها وريثة رسالة وتاريخ إنسانى كبير يجب نقله إلى المستقبل، وأنه سيخدم كل مواطنى فرنسا أيا كانت اختياراتهم فى مراكز الاقتراع».
كان موقف ماكرون طبيعيا بعد أن خيّم شبح العنصرية على الأجواء الفرنسية بسبب مارى لوبان المرشحة التى خاضت ضده الجولة الثانية فى الانتخابات الرئاسية، بعد خطابها العنصرى ضد المسلمين والعرب، وكذلك لرغبتها فى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبى والتقوقع والانفصال عن العالم.
انتهت الانتخابات الرئاسية الفرنسية بفوز ساحق لماكرون، لكن العنصرية لم تنته ولم تسحق، بل بالعكس برزت أكثر وتجلت فى صور عديدة، كان أهمها التقرير الذى نشرته وزارة الداخلية الفرنسية والذى كشف عن تراجع الأعمال العنصرية عام 2017 بصورة عامة، لكن الهجمات ضد اليهود والمسلمين سجلت بالمقابل تزايدا.
وبحسب الأرقام التى نشرتها الوزارة فقد سجل العام المنصرم 950 واقعة عنصرية ما يمثل تراجعا بمقدار 16 فى المئة بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع فى 2016، وهى السنة التى سجلت تراجعا كبيرا جدا فى الأعمال العنصرية.
وكان العام 2015 شهد فورة فى الأعمال العنصرية تخطى عددها 2000، وذلك بسبب الاعتداءات الإرهابية التى استهدفت البلاد فى شهرى يناير ونوفمبر.
وتستند هذه الإحصاءات إلى الوقائع «أعمال عنف، حرائق متعمدة، تدنيس»، والتهديدات «خطية أو شفهية أو رسائل جارحة للمشاعر» التى تم التقدم بشكوى بشأنها أو الإبلاغ عنها رسميا.
ويأتى الإعلان عن هذه الإحصاءات غداة تعرض طفل يهودى فى الثامنة من العمر للضرب على أيدى شابين يبلغان من العمر نحو 15 عاما فى هجوم قالت النيابة العامة إن دافعه على الأرجح هو «معاداة السامية» لأن الطفل كان يرتدى غطاء الرأس اليهودى «كيباه».
لكن الصحف ووسائل الإعلام تكتمت ديانة الطفلين، أو أى إشارة إلى أصولهما، لأن الحقيقة لم تكن ستعجب الهوى العنصرى، فأغلب سكان هذه الضاحية التى
كانت فى العصور الوسطى عاصمة الدولة الفرنسية، هم مهاجرون من إفريقيا، يدينون بالمسيحية، وأن الضاحية سجلت فى نهاية القرن الماضى أعلى معدلات الجريمة فى البلاد.
طبعا لو أن المعتدين كانا من أصول عربية أو مسلمة، لقامت الدنيا ولم تقعد، لكن لأن الضحية يهودى، أثيرت القضية، وهو ما لم يكن ليحدث لو أن الضحية من أصول عربية.
الأرقام الرسمية تتحدث عن تزايد حوادث الكراهية فى فرنسا، وتنامى العداء للمسلمين، بصورة كبيرة، حيث زادت الاعتداءات عليهم بعد الهجوم المسلح على مقر صحيفة «شارلى إيبدو» الفرنسية، وتنفيذ هجمات باريس نوفمبر 2015، وانتشار شعارات مناهضة للعرب مثل «أيها العرب اذهبوا بعيدا» و«العرب قذرون»، و«اخرجوا من بلادنا يا عرب».
وخلال عام 2015، تم تسجيل 230 اعتداءً بين قتل وحرق وضرب وطرد، وأصبح مشهد حرق المصاحف والجوامع مشهدا متكررا فى العديد من الشوارع والمناطق الفرنسية.
المرصد الوطنى الفرنسى للجنح والردود الجنائية نشر قبل فترة تقريرا أمنيا عن الوضع فى فرنسا، وأشار إلى أن الأوضاع الأمنية فى فرنسا ليست على ما يرام، أو على الأقل نسبة انتشار الجرائم تزداد سنويا، وقال المرصد الفرنسى إن المواطنين الفرنسيين يعانون من حوادث السرقة والسطو المسلح وارتكاب أعمال العنف والعدوان عليهم، وباتت قلة شعورهم بالأمن هى أكثر ما يعانى منه الفرنسيون.