حقيقة "الجهاد" في القرآن

الأربعاء، 09 مايو 2018 11:23 م
حقيقة "الجهاد" في القرآن
علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب:

وردت ثلاث آيات فى القرآن الكريم  ذكر فيها الجهاد ومعناها منصرف الى غير القتال بالسيف أو غيره من وسائل القتال الأخرى لأن الله سبحانه لم يأمر المسلمين بقتال الناس حتى يدخلوا دين الاسلام  تأكيدا لقوله سبحانه:
 
 ( ولو شاء ربك لآمن من فى الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) (يونس :99).
 
 والآية الأولى التي تذكر الجهاد في قوله تعالى: ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ) (الفرقان :52).
 
 والتي تعنى جاهد الكفار بالحوار والمنطق بآيات القرآن الكريم. والآية الثانية قوله تعالى:
(ومن جاهد فانما يجاهد لنفسه ان الله لغني عن العالمين ) العنكبوت :6).
 
 إنَّ كلمةَ الجهادِ كَمَا وردتْ في القرآن الكريم، جاءتْ حاملةً معناهَا وتفسيرَها، فالجهادُ هو بَذلُ الجُهدِ والطَّاقةِ وتَحمّلُ المشقّةِ في سبيلِ تحقيقِ أوامرِ اللهِ سُبحانَهُ في مجاهدة النفس وتطويعها لتطبيق مبادئ المنهج الإلهي الذي يرتقي بشخصية الإنسان في عباداته وأخلاقياته والالتزام في ما حرمه الله والتغلب على هوى النفس الأمَّارة بالسوء، والتي يستدرجها الشيطان إلى طرق الغواية.
 
هذا الجهادُ يبدأ من اليومِ الأولِ لِوَعْي الإنسان بضروراتِ الحياةِ الكريمةِ، وما تتطلّبُها من أشكالٍ مختلفةٍ في بَذْلِ الجهد المخلص في التمسّك بتكاليف العبادات وتأدية المشاعر الدينيّة وترجمتها إلى سلوك يومي باتباع المنهج الإلهي في السلوك الإسلامي الذي أمرنا الله باتباع القيم النبيلة وممارستها مع الناس جميعًا أولها الرحمة والعدل والإحسان وعدم الاعتداء على حقوق الناس ونشر السلام ليتحقّق الأمنُ والاستقرار والاية الثالثة قوله تعالى:
 (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين (العنكبوت :69).
 
وتعنى الآية الذين يعملون ماأمرهم به الله من القيام بكافة تكاليف العبادات واعمال الخير والدعوة فى سبيل الله كمايلي :
 
1- قالَ تَعَالىَ:  ﴿ادْعُ إِلىٰ سَبِيلِ رِبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِۖوَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۖ وَهُوَ أعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين﴾ (النحل125).
 
والآية المذكورة تبين الجهادَ بالدعوةِ والحكمةِ والموعظةِ الحسنة للتعريف برسالة الإسلام التي تدعو للأمن والسلام والتعاون والعدل والرحمة بين الناس، التي يتحقّق بها الاطمئنانُ للنفس وتحيطها السكينةُ لتمنح الإنسانَ شعورًا بالإيمان بقوة الله وقدرته وتقوِّي من عزيمته وتدفعه للعمل الصالح وما يتحقّق به من تأمين رزقه ورعاية أسرته وأمنه في حياته الدنيا ليعيش الحياة هانئًا وسعيدًا، مطمئنًا برحمة الله وبما ييسر له من خير ويكشف عنه من ضرر يعده الله بقوله سبحانه:
 (ان يمسسك الله بضر فلاكاشف له الا هو وان يردك بخيرفلاراد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) (يونس: 107)
2- وقَالَ تَعَالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ السَّيِّئَةَۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾(المؤمنون 96).
 
3- وهنا الجهادُ بالدَّفعِ بالقولِ الحَسَن، حيث يتطلب هذا الأمر مغالبة النفس وكبح جماحها والسيطرة عليها في رد الفعل، وهذا أشد أنواع الجَهاد لكي يتجنب مضاعفات الموقف وما سيترتب عليه من إشكاليات يعلمها الله.
 
4- وقَالَ تَعَالى: ﴿وَلَا تَسَتوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾(فصلت 34).
 
 وهذه الآية تستدعي مجاهدة النفس بقوّة الإيمان وتطويعها لتستقبل السيئة بالحسنة، ويتحول لديها ردّ الفعل الغاضب إلى ردّ حليم يحمي الإنسان ممّا يترتّب على عدم السيطرة على النفس من مضاعفات لا يحمد عقباها، وتكون له القدرة باستيعاب الطاقة السلبيه لتتحول بإيمانه بالله إلى طاقة إيجابية تحميه من التشاجر الذي قد يؤدي إلى مشاكل جمة وإلى صراع بينه وبين غريمه.
 
    إنَّ الجهادَ هو تحمّلُ المشاقِ في سبيلِ الدّينِ والصبرُ على أعبائِهِ، ومجاهدةُ النفسِ وكبحُ جِماحِهَا عن السّقوطِ في المعصيةِ، والتحكمُ بالنَّفسِ الأمّارة بالسوءِ في سعي الإنسان في الاعتصامِ بكتابِ اللهِ وتنفيذِ أوامرِهِ والابتعاد واجتنابِ نواهِيِه، والإقدام على التقرّبِ إلى اللهِ بالعملِ الصالحِ من عباداتٍ وإنفاقٍ وصدقاتٍ وتقديمِ يدِ المساعدةِ للمحتاجِ والفقيرِ وابنِ السَّبيل.
 
تضح لنا مما سبق أن الجهاد ليس دعوة للاعتداء على الناس بل هو ايصال رسالة الإسلام لخير الناس وماينفعهم والسعي الدؤوب بالفكر والكتاب والوعظ لنشر رسالة المحبة والتعاون والسلام لأعلى قيمة الاخلاق والقيم النبيلة محققة صياغة شخصية المسلم التي تتحلى بالأمانة وحب الخير واجتناب الظن السيء والتجسس على الناس والتواضع والتراحم  والوفاء بالعهود والعقود والتعاون على البر والتقوى والإصلاح بين الناس ليتعقق في المجتمعات الانسانية بناء المواطن الصالح الذي ترتقي بهم الأمم. 
 
فالله سُبحانَهُ مِن رَحمتِهِ يريدُ السلامَ لعبادهِ وأن يَعيشوا مُتحابّينَ ومُتعاونينَ، حيثُ يَقولُ سُبحانَهُ وتَعَالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2).
 
الجهادُ على تَكاليفِ العِباداتِ:
إنَّ تكاليفَ العباداتِ بالبُعدِ عن المحرّمَاتِ، تحتاجُ إلى مُجَاهدةِ الرَّغباتِ الغَرائِزيّةِ وما تحمِلُه مِنْ نَوازعَ مُختلفةٍ، حيثُ تميلُ النفسُ كثيـرًا للمعصيةِ، والشرِ والخِداعِ والظلمِ والخيانةِ وعدمِ الوفاءِ بالعهودِ واستباحةِ حُقوقِ الناسِ، وقَتْلِ النفسِ التـي حرّم اللهُ إلّا بالحقّ، والغِيبةِ والنّميمةِ ونَشْر الإشاعاتِ ابتغاءَ الفتنةِ، كلُّ تلكَ الصفاتِ المكروهةِ تتحكّم في غريزةِ النفسِ البشريّة، وجهادُها يتطلّبُ عَزيمةَ إيمانٍ، وصبرٍ.
 
وقبلَ كلِّ ذلكَ تَقوى اللهِ، حَيثُ إنَّ مواجهةَ النفسِ وكبحَ جماحَها، هوَ صراعٌ بين الحقِّ والباطِلِ يكادُ يكونُ أشدَّ قوةً مِن معاركِ القتالِ، فالإنسان يحاربُ عَدوًا بِداخِلِه يساعدهُ في التغريرِ بهِ شَيطانٌ تَوعّدَ الإنسان أمام اللهِ عند خَلقِ آدمَ عندَما قالَ:
 ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ﴾(ص 82).
 
وأيضا: ﴿قالَ فَبِما أغوَيتَني لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المسُتَقيمَ﴾ الأعراف16).
 
 ﴿ثمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ17)﴾(الأعَراف: 16-17).
 
 وهذه الآية تحذر الناس من اغواء الشيطان لهم وأن يكون يقظين حتى لا يقعوا فى المحظور فينالوا عقابهم يوم الحساب وقد حذرنا الله سبحانه من الشيطان بقوله:
 (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) (فاطر :6)
كاتب وباحث، الإمارات العربية المتحدة

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق