الدين... بين عالمٍ به ورجل له

الخميس، 10 مايو 2018 09:48 م
الدين... بين عالمٍ به ورجل له
حاتم العبد يكتب:

لعل أبغض كلمة إلى أذني تلك الكلمة "رجل دين"، بغضي لها نابع من كونها أداة لاستعباد الناس، وتملك تفكيرهم، ووسيلة للتجهيل والزج بالخلق في بحور التخلف وأدغال الدونية.  
 
كثيرًا ما مثّل لي ادعاء، المتمسحين في الدين ومن دعاة التدين بأنهم "رجال دين" غصة في حلقي، لأنه في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تحرير العقل من الجهل وعتقه من التخلف، لبناء النفس السوية قبل بناء المجتمع ودولة القانون، يسعى هؤلاء، وهم كثر، إلى الرجوع بنا إلى الوراء عقود وعقود، لا لشيء، إلا لمجد ذاتي، ونقيصة في النفس، وتأليه للذات، ما أنزل الله بها من سلطان !!
 
طالعت ما كتبه الأستاذ ماهر حسن في صحيفة المصري اليوم يوم الجمعة الماضي وعن رأي الشيخ الباقوري في تلك الكلمة البغيضة، وكم سرني رأي الشيخ الباقوري، وكم ثمنت فكر عالم دين من الطراز الأول... 
 
إن العلاقة بين الخالق والمخلوق لا يتوسطها متنطّع، ولا متسفّل، ولا مرتزق، ولا أفّاق، ولا منافق، ولا إنما هي علاقة جد خصوصية، ليس من حق طرف ثالث الاقتراب منها ؛ فالخالق بغير حاجة لوساطة مخلوق لآخر للعفو عن أحد، هذا بفرض أفضلية الوسيط ؟! 
 
علينا التحلل من وباء العبودية الممقوتة، علينا أن نعي ونعلم أولادنا جيدًا أن الحق سبحانه وتعالى أقرب لخلقه من حبل الوريد، أقرب للأبناء من آبائهم...
ثوب العبودية المقيت المستتر تحت ستار كلمة "رجل دين" يجب التخلص منه، بحرقه وخرقه، ووضعه تحت الأقدام...
 
لسنا في حاجة لأن نخوض في سواقط المتنطعين المدعين بأنهم أصحاب فضيلة وفضل، وبأنهم "رجال دين" والدين منهم براء، فمن متلبس بجريمة الزنا على قارعة الطريق، إلى كاذب منافق أراد أن يجري تجميلًا لأنف "رجل الدين"، إلى متلصص مقتبس لأفكار غيره وينسبها إليه، ويتباهى في استقبال التهاني والإعجاب من المعجبات قبل المعجبين لتحليله السياسي الفذ. 
 
الدين أعز، الدين أكبر من أن يكون له رجال، وباب الخالق مفتوح على مصراعيه، فمن ابتغى قربًا لله فلا يبتعد عنه بتوسيط آخر، الدين ماء طهور، دواء لكل داء، لا يعكر صفوه ويفسده غير "رجل دين".
 
الدين لا رجال له، بل له علماء بأحكامه، لا يبتغون مجدا ولا استعبادا، يقتصر دورهم فقط على إيضاح الدين وأحكامه للسائل، دون أن يمتد دورهم إلى الحلول محل الخالق، وإضفاء القداسة على أنفسهم المريضة الموبوءة...
 
علينا التمعن في حكمة الله سبحانه وتعالى، وأنه لم يجعل لأحد من خلقه فوقية على الآخرين، فلما نمنح أراذل البشر ما لم يمنحهم الله ذلك !!
 
ألم يقل الخالق : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ".
 
وألم يقل :
18"هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ" سفر أشعياء 1 
 
وألم يقل :
" فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقًّا وَعَدْلاً فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. ٢٢ كُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. فِي بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَ يَحْيَا."
المزامير ٣٤: ١٨
وألم يقل :
قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِنَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، وَيُخَلِّصُ الْمُنْسَحِقِي الرُّوحِ.
المزامير ١٤٧: ٣
يَشْفِي الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، وَيَجْبُرُ كَسْرَهُمْ.
 
وألم يقل :
لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحًا عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ. العبرانيين 8: 12
دمتم بلا "رجال دين"، وطبتم وطابت حياتكم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق