قصة منتصف الليل.. الخادمة وناكر الجميل

السبت، 12 مايو 2018 08:00 م
قصة منتصف الليل.. الخادمة وناكر الجميل
أحمد سامي

بجسد نحيل وأيدي مرتعشة وملابس بالية تحمل الست سعاد دلو صغير وقطعة قماش مهترئة تدور علي المنازل لتمارس مهام عملها اليومي بمسح سلالم العمارات لتجمع من خلالها جنيهات قليلة تساعدها في تربية طفليها الصغيرين بعدما توفي زوجها في حادث قطار وتركها وحدها تواجه الدنيا بصعوبتها.

انتهت الست سعاد لتوها من مسح  سلالم أحد العقارات بمنطقة المعادي الراقية وجلست إلي جوار حارسها لتلتقط أنفاسها المتلاحقة فقد أصابها الوهن بعد أن بلغت عامها الخمسين,وليت الضعف فقط في الجسد ولكن آلام النفس المعتلة أكبر فما فعله نجلها الجاحد جعل ظهرها ينحني أكثر.

أعد حارس العقار كوبا من الشاي لها، شكرته عليه وبدأت في احتساءه لتتذكر مع كل رشفة كيف كانت حياتها وماذا يفعل تبدل الأقدار بالإنسان، أسندت رأسها تسترجع الماضي، عندما خرجت من قريتها بالشرقية فتاة صغيرة لم يتجاوز عمرها الخامسة عشر بعد أن زوجها والدها لنجل شقيقه والذي يكبرها بعشرة أعوام لتنتقل للعيش معه بالمحروسة أم الدنيا.

غمرتها الفرحة لانتقالها من رعاية الأغنام وترك القرية بمشاكلها وتجربة حياة المدينة، فزوجها يعمل سائق بشركة مقاولات ويستأجر غرفة بسطح منزل بمنطقة مصر القديمة .

سرعان ما اندمجت سعاد في حياتها الجديدة وأتقنت أعمال المنزل وتربية الفراخ واختلطت بجيرانها ونست أمر الغربة عن والدتها، وبعد مرور ثلاثة أشهر زفت لزوجها خبر حملها بطفلها الأول واتفق علي تسميته محمد علي اسم رسول الله، مرت الأيام سريعا ووضعت حملها الأول، ليقرر الزوج العمل لساعات إضافية لزيادة الدخل وتربية طفلهما.

مرت الأعوام سريعا حتى بلغ الطفل ثلاثة أعوام فقد كان مثار اهتمام وحب والديه فهو الطفل المدلل يلبي الأب كافة طلباته، حتى حملت في طفلها الثاني ، ولكنه كان يوم مولده هو يوم وفاة والده فقد فاجأ المخاض الزوجة ونقلها الجيران إلي المستشفي واتصلوا علي زوجها للحضور بأقصى سرعة ، لم يضيع السعيد وقتاً وترك عمله وتوجه علي الفور ولكن انقضي أجله بعد أن صدمه القطار أثناء عبوره للمزلقان.

بين ليلة وضحاها أصبحت بمفردها دون عائل أو سند في الحياة، خرجت من المشفى تحمل طفلها الثاني وفي يدها الطفل الأخر ليس معها سوي جنيهات قليلة من معاش زوجها ومبلغ 1000 جنيه تعويض عن حياته.

أتم الطفل الشهر الثالث وانتهت الأموال، لتبدأ رحلتها في البحث عن عمل من أجل الإنفاق علي أطفالها ولم تجد أمامها سوي الخدمة في المنازل لتجد قوت أولادها، فقد تحول حالها إلى النقيض .

انكبت إسعاد علي حالها تنتقل من منزل لمنزل تخطب لهذه السيدة وتوضب شقة أخري وتتحمل الإهانات من قبل البعض، تجمع الأموال بالعرق لتشتري احتياجات الأطفال لا يهدأ لها بال فلابد من تعليم الأطفال فهو الأمان الوحيد وحتى لا يتجرعوا الحرمان فهم رصيدها من الدنيا وسندها في الكبر.

تتذكر إسعاد كيف تحملت الشقاء من أجلهما، فكانت تترك العمل بسبب مضايقات بعض الرجال الذين استغلوا صغر سنها في محاولة التحرش بها، فكثير من المواقف أهنت فيها ولكنها صبرت علي المر من أجلهم، فلن تنسي كيف طردها أحد الرجال من المنزل بعد رفضها المتكرر لإقامة علاقة حميمية معه، وعندما أحست زوجته بتصرفاته اتهمتها بسرقة بعض الأغراض من المنزل وطردتها قبل أن تطلب لها الشرطة .

كبر الأطفال والتحقوا بالمدارس وكان عليها أن تكمل المسيرة فكانت تقضي يومها في خدمة البيوت ومسح السلالم وتأتي في المساء لتحضر لهم الطعام وتتابع دروسهم وتسهر علي راحتهم.

بلغ الطفل الأكبر محمد عامه الثالث عشر وبدأ يتحاشى التعامل مع والدته فهو يستحي من عملها بخدمة البيوت ويرفض أن يعرف أصدقائه بالمدرسة أنها تعمل "خادمة"، الأمر الذي أشعل النيران في قلب الأم فهي لم تتدخر جهدا من أجل تربية الطفلين وحاولت كثيرا أن تقنعهما بإنها تعمل بشرفها فهي ليست راقصة أو شئ مخل بالآداب، ولكن كان أبنها دائم النفور منها ورغم ذلك يحصل علي الأموال منها.

انهي الابن الأكبر دراسته بإحدى مدارس الصنايع وألتحق بكلية الهندسة ،وبدأ العمل في شركة هندسية تعمل بمجال الالكترونيات ومنذ اللحظة الأولي وضعه صاحب العمل نصب عينيه وقرر أن يحصل علي ثقته والقرب منه مهما كلفه الأمر، ورسم وجه البراءة باعتباره الشاب المكافح الذي ينفق علي نفسه وشقيقه بعد أن توفي والده ووالدته.

 لم تمر فترة طويلة حتى كسب ثقة صاحب الشركة واقترب منه وأكمل خطته بالوصول إلي قلب ابنته حتى يتمكن من وضع يده علي المصنع بأكمله، ونجحت خطته وتزوج من فتاة دون أن تعلم والدته عنه شئ فقد أخفي عنها كافة التفاصيل وتركها وحيدة تستكمل عملها دون أن يفكر أن يساعدها بمليم.

أثار اختفاء الأبن قلقها فمر شهر وأكثر دون أن تعرف أخباره فقررت أن تذهب للمصنع الذي يعمل بها لتسأل عنه لتفاجأ بالكارثة فنجلها الأكبر ثمرة عمرها تزوج من أبنه صاحب العمل ويعيش بمنزله حياة الترف والغني ويترك والدته تعمل بالمنازل تشحت قوت يومها، وكانت الفاجعة التي كسرت ظهرها نزوله أمامها من سيارة فاخرة وعندما اقتربت منه ادعي أنها شحاذة وطلب من الأمن أبعادها عن طريقه، لتشعر بالقهرة تقسم قلبها، فقد ضاع عمرها علي سراب وانحني ظهرها لتربية إنسان جاحد، ناكر للجميل أستعر منها واتهامها بالتسول، لتمسح الدموع المتساقطة من عينيها وتشكر حارس العقار علي معروفه وتأخذ " الجردل والممسحة" بين أيديها لتكمل مسيرة تنظيف السلالم.

ولأن الطبع دائما يغلب التطبع فكما غدر محمد بوالدته وتنكر لها، لم تدم فترة الصفاء بينه وبين صاحب المصنع، وبدأ بخيانته، فقد أوقعه ربه في شر أعماله، فقد أرتبط بعلاقة حب مع السكرتيرة الحسناء التي تمتلك زمام أمور مكتب والد زوجته، ليبدأ الثنائي في التخطيط لسرقة أموال الرجل الذي عطف عليه وزوجه أبنته ووضعا خطة شيطانية من خلال تزوير توقيع الرجل علي شيكات بمبالغ مالية كبيرة وسحبها من رصيده دون أن يدري بقصتها ونجحت الخطة في بدايتها، كما قررا التلاعب في الحسابات ووضع بنود بأموال طائلة لخدمة مصالحهم.

بدأ الشك يتسرب إلي قلب مالك المصنع خاصة بعد تكرار الأحاديث الهامسة بين السكرتيرة وزوج نجلته، مع تكرار شكوى زوجته من إهمال زوجها، وعليه قرر مراقبتهم حتى اكتشف حجم الأموال المنهوبة من قبل زوج ابنته ليبلغ الشرطة ويتهمه بالسرقة لتكن نهايته الحكم بأن يقبع خلف جدران السجن 10 سنوات، ولأن قلب الأم دائما حنون فكانت أول من يزوره في محبسه وتوفر له احتياجاته، لتشعره بالندم علي جحوده لمن ضحت بعمرها لأجله.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق