ست الدنيا أضعف بلاد العرب.. التى لا يعجبها العجب

الإثنين، 14 مايو 2018 03:11 م
ست الدنيا أضعف بلاد العرب.. التى لا يعجبها العجب
عبد الفتاح على يكتب:

نجح لبنان فى اختبار الديمقراطية، رغم أنَّه يعيش فى بواتق مشتعلة بالديكتاتورية، وبعد تسعة أعوام من الصوم الديمقراطى تمخضت- فى النهاية- عن إنتاج قانون انتخابى جديد، أعاد صياغة العنوان الطائفى الذى يحكم البلاد، وأجبر الطوائف على الانفتاح على بعضها بدرجة أو بأخرى.

القانون الذى يقوم على النسبية لأول مرة فى تاريخ لبنان، قسّم البلاد إلى 15 دائرة صغيرة، واعتمد «الصوت التفضيلى» على مستوى كل قضاء «فى لبنان 26 قضاء» وشطر العاصمة بيروت إلى نصفين.
 
من أقر قانون «النسبية» هم أنفسهم المستفيدون من القانون القديم «الأكثرى»، لكن الجميع سار فى ركاب الجديد ظنًا أنه الأفضل للطائفة، فجاء الحصاد مرآة لمزاج عام مختلف، ما يجعل البرلمان الجديد يسير بتوازن مختلف، رغم الضعف النسبى فى نسبة المشاركة.
 
ومنذ الإعلان الرسمى عن نتيجة الانتخابات، ولبنان يعيش عملية مخاض تسمية رئيس الحكومة الجديد، أو ما درج على تسميتها فترة «الاستشارات النيابية المُلزمة»، والتى ستسمى خلالها الكتل النيابية مرشحها الذى سيكون رئيسًا لحكومة جديدة.
 
تنقسم مقاعد البرلمان اللبنانى الـ 128 إلى 64 مقعدًا للمسيحيين، «منها 34 موارنة، 14 روم أرثوذكس، 8 روم كاثوليك، 5 أرمن أرثوذكس، وثلاثة للإنجيليين والأرمن الكاثوليك وأقلية مسيحية»، فيما يخص المسلمين بـ64 مقعدًا، «منها 27 للسنة، و27 للشيعة، و8 للدروز، و2 للعلويين».
 
يعتقد البعض أن لحزب الله كلمة حاسمة فى هذه الاستشارات الملزمة، بعد أن حصل تحالفه الانتخابى على 67 مقعدًا، وهو عدد يفوق نصف المقاعد بقليل، وأن رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريرى، سيغرق فى حسبة برمة، خوفًا من غريمه السنى القادم على أكتاف الشيعة، لكن هذا الاعتقاد غير صحيح.
رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية «التيار الوطنى الحر» جبران باسيلى، سبق أن أعلن مساندته للحريرى، ما يجعل عدد النواب المؤيدين للحريرى يرتفع، لكنهم ليسوا كافين، وسيحسم سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية موقفه «المائل للحريرى بشروط» بعد عقد اتفاق لضم نوابه الـ 15 إلى التصويت لرئيس المستقبل.
فإذا نال الحريرى مراده بالكتل المسيحية الكبيرة سيكون قد اقترب من وضع اسمه فى خطاب التكليف الرئاسى لتشكيل الحكومة، لكن عليه أن يلجأ إلى كتلة النائب الدرزى الجديد تيمور جنبلاط، لتحقيق المراد.
من يستهين بكتلة الثنائى الشيعى «أمل- حزب الله» سيخاصمه الصواب، فللحزبين الآن 26 نائبًا فى البرلمان، ووفقًا لوكالة رويترز، فإن تحالفاتهما الانتخابية ضمنت لهما ما يقرب من 67 نائبًا، لكن فات رويترز أن التحالف الانتخابى شىء، والتحالف السياسى شىء آخر.
الثنائى الشيعى ضرب ثلاثة عصافير بانتخابات واحدة، الأول: القبض على الحصة الشيعية كاملة (26 من 27)، الثانى: الإمساك بالثلث المعطل (43 نائبًا) عبر تكتل برلمانى نواب غير شيعة موالين له، الثالث: القدرة على تشكيل أكثرية (65 نائبًا) قد تأتى بنجيب ميقاتى رئيسًا للحكومة، بالتعاون مع «التيار الوطنى الحر» حليفه فى تجمع 8 آذار.
لكن «التيار الحر»- برئاسة ميشيل عون- مختلف تحت رئاسة جبران باسيلى الطامح لمنصب الرئاسة، لذا فإن وعود «المستقبل» له بمساندته، ستجبره على عدم المضى للنهاية فى تجمع 8 آذار «المقاومة»، فتميل كفة 14 آذار «النأى بالنفس» كثيرًا.
وبالتالى- بقليل من المرونة، وكثير من الخبرة فى عقد الصفقات- يستطيع الحريرى أن يزيح الطموح الميقاتى، ويستحضر أرواح 68 نائبًا يجعلونه رئيسًا لفترة أربع سنوات مقبلة.
كل هذه هواجس، أقرب للتنبؤات الفلكية، لأن برلمان لبنان 2018، ليس كمثله شبيه، ففضلا عن نوبه الـ 62 الجدد، ونائباته الـ 6، إلا أنه يتسم بالزئبقية، فلا التحالفات الانتخابية ستستمر، ولا الأغلبية ستتمتع بسيطرتها، ولا الأقلية ستنزعج من عددها.
فى هذا البرلمان ستعلو المصالح على المبادئ، فالأغلبية الكاسحة رجال أعمال، مقابل تراجع أعداد خريجى مدارس القانون، لذا قد لا تجد تفسيرًا واحدًا لأى اتفاق، وقد تجد ألف تفسير لأى اختلاف، ومن غير المستحيل أن تجد أعداء الأمس باتوا أحبابًا، والأصدقاء يشعلون النار فيما بينهم.
حتى الصور النمطية القديمة، التى كانت تقرأ لبنان بتقسيماته مسيحى ومسلم، أو سنى وشيعى، أو مارونى وكاثوليكى، هى الآن اختفت، فصور جديدة باتت معقدة، تعكس الحقيقة الجديدة فى أضعف بلاد العرب.
التحالفات  السياسية بالتأكيد مختلفة عن الانتخابية، لكن التوليفة باتت متشابهة، ففريق يقوده سنىٌّ يضم شيعيًا ومارونيًا وكاثوليكيًا وأرثوذكسيًا، يواجه فريقًا يقوده شيعى يضم التوليفة ذاته، لكن بأسماء مختلفة.
وستجد فريقًا يقوده مارونى يضم السنى والشيعى والدرزى، يواجه فريقًا آخر يقوده مارونى يضم أبناء الطوائف الأخرى ذاتها.
هذه هى دولة لبنان، ست الدنيا التى لا يعجبها العجب، لكنها تجمع بين كل متناقضات العرب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق