فيما بين "الجلابية" و"البدلة"

الثلاثاء، 15 مايو 2018 09:21 م
فيما بين "الجلابية" و"البدلة"
حاتم العبد يكتب:

يغيب عن البعض أنه لا يفْرق الجلابية عن البدلة سوى طريقة التفصيل ؛ فنفس قطعة القماش من الممكن أن تحيك منها جلابية ومن الممكن أن تحيك منها بدلة !! إذا كان الأمر كذلك فلما النظر إلى مرتدي الجلابية على أنهم "فلاحين" و"ناس بلدي" وطبقة من "الدرجة الثانية" !! أعلم بحكم كوني فلاح أن هناك جلابية يتخطّى ثمن حكايتها "خياطة تفتيح" ثمن بدلة كاملة، فما بالنا بثمن القماش !!
وثيق صلة بالموضوع، إيضاح أن "الشال" و"اللاسة" و"التلفيعة" هي بمقام "الكرافتة" و"البابيون" بالنسبة للجلابية !!
لي أصدقاء كُثر، منهم وزراء وأبناء وزراء، ومنهم فلاح وحلاق وترزي وبائع فاكهة... منهم من ينكر ماضيه المتواضع وكأنه كابوس يطارده، ومنهم من يفتخر بصعوبة الظروف وكيف أنه بفضل الله ووالديه تقلد أرفع المناصب ؛ فيهم من تتنكر زوجة الابن من والدي زوجها لكونهما من الفلاحين، ومن نسائهم من يفتخرن بعصامية أزواجهن وأهلهن… منهم…، ومنهم… منهم صورة مصغرة للمجتمع المصري.  
الكثير يخلدون بعد عملهم إلى الجلابية، وكثيرًا ما صلينا الجمعة مع أحد الأصدقاء من الوزراء، عام 2003 و2004 وكان لا يصلي إلا بجلابية !! وكان يعتز بها أيما اعتزاز ؛ لدرجة أنني عقب الصلاة سمعت أحد المصلين ورأى حرسًا خاصًّا فاستشعر وجود شخصية مسؤولة، وسأل الوزير بعفوية وهو لا يعرفه : "هو فين الوزير اللي بيقولوا عليه ؟! الحرس دي بتحرس مين" لم يدر بخلد هذا الرجل الطيب أنه يتحدث مع الوزير ! وكان رد الوزير عليه "كان بيصلي زيك الجمعة يا حاج" !
مثال آخر، حكى لي ابن أحد أبرز وزراء السادات قاطبة، أن والده رحمة الله عليه، في زيارة له لإحدى المحاكم، قدم حاجب المحكمة للحضور وقال لهم "دا ابن عمي" ! وعلل لي ابن هذا الوزير فعل أبيه بأن والده قال له : "العائلة الكبيرة هي من يسودها الحب والاحترام، تجمع بين الغني والفقير، الوزير والحاجب" !
ينسحب الحديث عما بين الجلابية والبدلة، على كل ما يشابهها من ظواهر وسلوك ؛ وفوارق طبقية اعتمدناها لأنفسنا دستورا من دون حق ؛ فمثلا هناك من يقول لأمه "أمّا"، "حاجّة"، يا "أمي"… إلخ، وهناك من يقول لها "مامي"، "مامّا"، "ماما "… إلخ، وكذلك الأب، هناك من يقول  "بابي"، "بابا"، "باباه"، وهناك من يقول "آبا"، "أبويا"، "الحاج". والخالة، "خالتو"، "خالتي"، وهناك "طنط" وهناك… وهناك... إلخ. يلاحظ أيضا أن القاسم المشترك بين كل مسميات الأب والأم هما الحرفين « أ » و« ب » للأب ؛ و« أ » و« م » للأم… !!
ليس هناك أفضلية لصفة أو نعت على الآخر، ولا ميزة لأحدها على الآخر، وليس معنى أن من يرتدي البدلة هو أفضل مكانة اجتماعية ممن يرتدي الجلابية أو العكس…
علينا أن نحترم بيئة بَعضُنَا البعض، وألا يسخر أحدنا من الآخر بسبب لهجة أو لكنة أو لباس. فهناك لصوص بزي بدلة، وشرفاء في زي جلابية، والعكس ؛ فالمعيار هو الإنسان وسلوكه ومبادئه وليس فوارق عنصرية شكلية واهية… 
الخطأ كل الخطأ في أنك تسخر من الآخر ؛ أو في أنك تنبذ أصلك أو تتنصل من أهلك !
فليكرم كل منّا والديه، وليفتخر بهما وبملبسهما ؛ فلهما الحق في ذلك وأكثر…
تحية لكل أب ، أيًّا ما كان مسماه ولباسه ؛
تحية لكل أم، وقبلة على رأسها ويدها، أيًّا ما كان مسماها ، وأيًّا كان لباسها ؛
وبالوالدين إحسانا…
كل عام والجميع بخير وصحة وسعادة ورمضان كريم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق