لماذا نصوم رمضان؟

الأحد، 20 مايو 2018 01:24 م
لماذا نصوم رمضان؟
د. مهند خورشيد يكتب:

قد يسأل إنسان عن الله، أين هو سبحانه؟ القرآن أجاب على هذا التساؤل: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان". فلا تُدوِّر على الله بعيداً، لا تُدوِّر عليه وراء النجوم ولا في الكتب ولا عند أحد من الناس، فالله سبحانه وتعالى هنا وهو قريب لا تحتاج حتى أن تطرق بابه، فبابه مفتوح دائماً ينتظرني وينتظرك، ينتظر دعاءنا وكلامنا مع الله في كل وقت، ولا تظن أن قرب الله كقرب أحد من الناس، فهو أقرب من أي قريب، بل إنه سبحانه أقرب للإنسان من حبل الوريد، فهو دائماً هنا معك ومعي أينما كنّا مصاحباً لنا برحمته التي وسعت كل شيء، فلا يخلو مكان أو زمان من تجليات رحمة الله، فقبل أن تنادي "يا رب" يكون قد قال لك "لبيك حبيبي، أنا هنا معك ولَك، سعادتك سعادتي وحزنك حزني ووجعك وجعي، أنت لست وحدك، فأنا هنا معك". 
 
إنه ليس الله الذي يبتعد عن الإنسان، بل إنه الإنسان الذي ينسى وينشغل عن الله، ومع ذلك تبقى أيادي الرحمة الإلهية ممدودة تنادي بشوق وتنتظر، تنتظر حتى المذنب والمسيء، لا لتعاقبه، بل لتضمه بحب الله ورحمته، ذكّرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بأيادي الرحمة هذه في الحديث الشريف الذي أخرجه مسلم: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها". حتى لو أدار الإنسان ظهره لله، فأيادي الرحمة الإلهية تبقى مبسوطة تنتظر عودة البعيد غير فاقدة الأمل في أنه سوف يعود في يوم من الأيام. ومهما أسرف الإنسان على نفسه ومهما قصّر، فرحمة الله تبقى قريبة تنادي وتنتظر العودة: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم". 
 
ما علاقة قرب الله سبحانه وتعالى بصيام رمضان؟ 
 
إذا تأملت آيات سورة البقرة والتي تتحدث عن صيام رمضان (الآية ١٨٣ إلى الآية ١٨٧)، فتجدها حريصة على ربط الصيام بصورة الله القريب من عباده، الرحيم بهم، المواسي لهم، فبعد الحديث عن فرض الصيام في الآية   ١٨٣، كان أكثر ما تعرضت له الآيات التي تلتها مباشرة هو التيسير على المريض والمسافر ومن يشق عليه الصيام، لتأكّد الآية ١٨٥: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، ثم يليها تأكيد الله على قربه الحنون من الإنسان :"فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان". فهنا يتجلى الله سبحانه وتعالى برحمته ومحبته لعباده، فما أن فرض عليهم الصيام، كان أول ما حرص عليه وتعرض له هو معاناة الإنسان، سواء الضعيف، أو المريض، أو المسافر. 
 
نعم، هذا هو ربنا الذي نؤمن به ونعبده، رؤوف رحيم بنا حنون علينا، يريد بِنَا اليسر ولنا الخير، محبٌ جوادٌ كريم. 
 
إن سألتني لماذا نصوم، فالقرآن قد أجاب على ذلك: الصيام ينادينا مذكراً إيّانا أن ربنا رب رحيم حنون قريب يهمه أمرنا ويشعر بمعاناتنا، فمعاناة الصائم من جوع وتعب وعطش هي من تجليات رحمة الله تذكرنا بتلك الأيادي الرحيمة الممدودة لنا والتي تنتظر عودتنا بقلب مكسور متواضع مليء بالحب لحبيبٍ مُشتاق ينتظرنا. إنها ليست صدفة أن أخبر الله سبحانه وتعالى أنه قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه وذلك مباشرة بعد أن أخبر عن فريضة الصيام، فرَبَطَ بين الصيام وقرب الله من الإنسان، لأن هذه هي رسالة رمضان لنا، إنها دعوة لنا أن نجد هذا الإله المحب الرحيم القريب ونستشعر معاني حبه لنا ورحمته بنا وقربه منا.
رمضان ينادي هذه الروحانيات فينا لذلك يبعدنا بعض الشيء عن تلك القيم المادية من طعام وشراب لنستكشف قيماً روحانية موجودة في داخلنا شغلتنا عنها الحياة أحياناً. 
 
رمضان يذكرنا بعلاقة الإنسان بربه كعلاقة روحانية وليست مادية، فكم تعوّد الكثيرون اختزال علاقتهم بربهم على علاقة مادية نفعية، فتجد لسان حالهم يقول: "أعبد الله كي أجمع حسنات كي أحصل على مزيد من الرفاهية في الجنة". لسان حال رمضان يقول لنا غير ذلك: "المسألة ليست مسألة طعام وشراب وجنس، المسألة هي علاقة حب صادقة بينك وبين الله لا تحكمها المصلحة ولا المادة، بل إنه مجرد الحب الخالص لرب محب رحيم ودود قريب، فاذهب وابحث عنه، ولكن لا تبتعد، فهو قريب، ابحث عنه في قلبك فستجده هنا ينتظرك بحبه ورحمته".
 
كثيراً ما يُعكّر صفو روحانيات رمضان اختزال بعضنا الصيام على مجموعة أحكام، فما أن يدخل رمضان، إذ تبدأ الأسئلة عن حكم هذا وذاك، ونبدأ بالاهتمام بأدق التفاصيل، فهناك مثلاً من يجلس أمام الساعة مركزاً على مؤشر الثواني ليفطر أو ليمسك بدقة متناهية، ثم تبدأ الأسئلة عن حكم صيام من تأخر ثانية أو ثانيتين عن الإمساك وأسئلة كثيرة مثل ذلك، وَيَا ليتنا سألنا عن علاقتنا بالله بعيداً عن تحويلها لمجرد علاقة أحكام مادية، رمضان يدعونا إلى أن نلفت أنظار قلوبنا وعقولنا للتفكر في كيفية إقامة علاقة خاصة صادقة وثيقة بين الإنسان وربه تحكمها معاني الحب والقرب الروحاني لا الأحكام المادية. فهنيئاً لمن كان الله خليله وهنيئاً لمن وجد الله في قلبه وهنيئاً لمن كان همه أن يكون يداً من أيادي المحبة والرحمة الإلهيتين وهنيئاً لنا جميعاً بشهر الرحمة هذا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة