قراءة تحليلية.. لماذا نقلت باراجواي وجواتيمالا ورومانيا سفارتهم للقدس؟

الأربعاء، 23 مايو 2018 04:04 م
قراءة تحليلية.. لماذا نقلت باراجواي وجواتيمالا ورومانيا سفارتهم للقدس؟
القدس
محمود علي

تتوالى الدول الأوربية واللاتينية في نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس المحتلة أسوة بالولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تنفيذ هذه الخطوة الأسبوع الماضي، ضاربة القانون الدولي عرض الحائط.
 
وبعد أن نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس المحتلة في احتفال أغضب الداخل الفلسطيني والعرب والمسلمون، استثمرت بعض الدول ومنها جواتيمالا وباراجواي ورومانيا هذه الخطوة منتهجة نفس النهج الأمريكي وأعلنت نيتها نقل سفارتها إلى القدس، لكن ما أثير القلق أن هناك بعضًا من هذه الدول صُنفت من دول العالم الثالث، والأكثر قلقًا أنها المجموعة التي تنوي نقل السفارة للقدس ضمت دول مراقبة وأعضاء في حركة عدم الانحياز وهى المجموعة التي كان هدفها الابتعاد عن سياسات الحروب والأزمات والنزعات الدولية وكان لها موقف مثالي في الحرب الباردة التي أعقبت الحربين العالميتين الأولي والثانية.
 
ورغم أن حركة عدم الانحياز والكثير من الدول اللاتينية والأوروبية الفقيرة كانت تولي القضايا العربية والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص اهتمامًا خاصًا كونها عادلة ومشروعة منذ أواسط السبعينات وما زالت تعمل من أجلها، إلا أن يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي تعمق بأمواله ونفوذه السياسي وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية داخل هذه الدول، ما أدى إلى خسارة القضية الفلسطينية ورقة مهمة تساعدها في الحرب الدبلوماسية مع الاحتلال، حيث افتقدت فلسطين إلى التأييد الكلي والمباشر من جانب مثل هذه الحركات والذي كان ينتج عنه عمليات حشد دولي لدعم القرارات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني والرافضة لاستمرار الاحتلال وانتهاكاته اليومية في الأراضي الفلسطينية.
 
رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الباراجواني
 
في نفس الوقت ابتعدت الدول العربية الكبرى بسبب أزماتها الداخلية وظهور التيار الإسلامي المتشدد على السطح الذي سيطر على الحياة السياسية لفترة، عن كسب ود هذه الدول المذكورة التي لطالما كانت مناصرة للقضايا العربية والإسلامية في ستينات القرن الماضي وحتى قبل الألفية الجديدة، مستفيدة إسرائيل من هذا الانشغال العربي لتوطد علاقاتها أكثر، فإذا نظرنا لباراجواي فسيتضح أن منذ انتخاب الرئيس الحالي، هوراسيو كارتس، تعزّزت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
 
ورغم أن باراجواي كانت من الدول التي أغلقت إسرائيل سفارتها فيها بسبب مشاكل في الميزانية ما أدي لتطبيق الأولي لمبدأ المعاملة بالمثل، لتغلق سفارتها في تل أبيب، أعادت بارجواي فتح سفارتها في تل أبيب عام 2014 من جديد، كما يرى البعض وفقًا لمجلة فوربس الصادرة باللغة العبرية أن أحد أهم أسباب تعزيز العلاقات بين الجانبين ينبع من كون أقرب مستشاري الرئيس الباراجوياني إسرائيليين.
 
وقالت فوريس في تقرير لها في مارس 2016 إن يحيئيل لايتر عضو في حزب الليكود، والذي شغل في الماضي منصب مستشار نتنياهو، والضابط الاحتياطي  مئير كاليفي؛ السكرتير العسكري السابق لنتنياهو، كلاهما أصبحوا مستشار رئيس باراجواي، فيما أعاد المراقبون هذا التحول في العلاقات بين إسرائيل والدول اللاتينية بصفة عامة أن موافقة الحكومة الإسرائيلية في منتصف عام 2014  على برنامج نتنياهو وليبرمان لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول  أمريكا اللاتينية، ليشمل البرنامج إنشاء قرض مخصص في مكتب الاقتصاد لتطوير التجارة والاستثمار مع دول أمريكا اللاتينية، ومنها الدول الفقيرة.
 
جواتيمالا لم تكن بعيدة هي الأخرى عن تلك التجربة البارجوانية، لما لا وهي واحدة من 9 دول فقط عارضت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يرفض الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة إسرائيل (الأراضي المحتلة)، ورغم إنها دولة عضو في حركة عدم الانحياز إلا إنها هي الأخرى لم تتخذ من مبادئ هذه الحركة شيئ، ويبدو أن المساعدات الأمريكية والتهديد بقطعها فعلت فعلها في قرار هذه الدولة، التي تقلت مساعدات من واشنطن تقدر بـ300 مليون دولار أمريكي في عام 2016، بينما كانت هذه المساعدات نحو 138 مليون دولار في 2015، وفق بيانات وزارة الخارجية الأمريكية.
 
جواتيمالا وإسرائيل
 
هذه المساعدات بنظر جواتيمالا، وفقًا لسكاي نيوز في تقرير لها ديسمبر الماضي مهمة للغاية فهي تعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية، كما أن وجود تعاون أمني مع إسرائيل، التي تصدر إليها أيضا الأسلحة، يعد دافعًا مهما إلى اتخاذ هذه الدولة قرار بنقل سفارتها للقدس المحتلة، فيما اتجه البعض إلى أن تهديد ترامب ومندوبته في الأمم المتحدة بقطع المساعدات المالية عن الدول التي تصوت ضد قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، جعلها تحظو حظو واشنطن ، حيث خرج رئيس جواتيمالا ليدعم القرار الأمريكي في الأمم المتحدة معتبرا أن «إسرائيل حليفة لبلاده منذ عقود».
 
رومانيا لم يكن قرارها بنقل السفارة للقدس المحتلة سهل المنال، فتناقض المواقف بين رئاسة الحكومة ورئيس البلاد حول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، جعل بوخارست تحتاج إلى وقت للتوافق بشأن قرار موحد بعد نقل أمريكا سفارتها للقدس، فعلى الرغم من أن الحكومة الرومانية سارعت إلى تأييد القرار الأمريكي وإعلان اتخاذها نفس الموقف، كان رئيس البلاد له رأي أخر برفض في أبريل الماضي نقل سفارته مطالبًا بإقالة حكومته لتبني هذا التحرك بدون مشاورته، ولكن سرعان ما هدأت لهجة الرئيس الروماني، لتخرج الحكومة وتؤكد على لسان ، ليفيو دراجنيا رئيس الحزب الديموقراطي الاجتماعي الحاكم في رومانيا، الذي يؤدي دورا حاسما في تسيير شؤون السلطة التنفيذية أنّ حكومة بلاده قررت نقل سفارة رومانيا إلى القدس، لتحذو بذلك حذو الولايات المتحدة وجواتيمالا وباراجواي.
 
الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء الروماني
 
وعلى الرغم من أن رومانيا هي دولة عضو بالاتحاد الأوروبي، ويعتبر قرار نقل السفارة للقدس المحتلة مخالفُا للإجماع الأوروبي الداعي إلى الالتزام بالوضع القائم دون تغير والرافض لنقل سفارات دول الاتحاد الأوروبي من تل أبيب للقدس، فأن رؤية الحكومة الرومانية تبدو إنها تتجه إلى الاستفادة القصوى من العرض الذي قدمه نتنياهو بإعلانه عن منح مساعدات و«معاملة خاصة» للدول العشر الأولى التي تنقل سفارتها للقدس، كما أن رئيس الحزب الديمقراطي الروماني الذي يسيطر على الحكومة في البلاد، بحسب الباحث في العلاقات الدولية هاني الظليفي يحمل علاقة مميزة مع الإسرائيليين وكان قد استعان بحملته الانتخابية بخبراء حملات انتخابية إسرائيليين كما زار إسرائيل عدة مرات، ويأتي قرار نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس على قاعدة العلاقة الوطيدة والمتنامية بينه وبين القيادة الإسرائيلية وتقربا من الإدارة الأمريكية على حساب علاقة رومانيا بالاتحاد الأوروبي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق