وجها لوجه «قصة قصيرة»

الجمعة، 25 مايو 2018 04:42 م
وجها لوجه «قصة قصيرة»
زكريا رمزى يكتب:

 
 
أكاد أفقد عقلى من تكرار هذه الأحلام المزعجة، فهى فى كل مساء تأتينى، لا تتأخر يوما. أكثرها تكرارا هو الحلم الذى أُقتل فيه على يد أحد الأشخاص، أتذكر ملامحه جيدا، هو رجل فى الثلاثين من عمره ملامحه سمراء وعيونه واسعة شفاهه الغليظة تنطق ببعض الكلمات. ذهبت الى كثير من مفسرى الأحلام دون جدوى، ولم أنسى أن أذهب إلى المشايخ والقسوس لكى يجدون لى حلا لعدم تكرار هذه الكوابيس بدون نتيجة أيضا. 
 
تفكيرى يدفعنى إلى ربط  الوحمة التى تشبه الالثغر الباسم والتى توجد فى بطنى أسفل السرة هى المكان الذى يطعننى فيه الرجل الأسمر بسكينته كل ليلة، مما يجعلنى أفقد الحياة والنوم معا، ليتكرر فى الليلة التى تليها نفس الحلم. أمارس حياتى العملية لكننى أفقد الإستقرار والطمأنينة مما يدفعنى إلى التفكير كثيرا فى هذه الأمور. 
 
أذهب الى عملى الذى يحتاج منى كثيرا من الجهد والنزول الى الشارع لجمع تقارير يتم نشرها فى الصحيفة التى أعمل بها ، هذه التقارير كثيرا ما تأتى عكس إتجاهات الحكومة، وكثيرا ما تتسبب فى مشاكل بين الصحيفة والحكومة ، مما يدفع رئيس التحرير الى أن يطلب منى الإعتدال فى التقارير القادمة، بمعنى صريح أن أقوم بعمل تقارير لا تغضب الحكومة وتكون خفيفة الظل فى انتقادها ، فكنت أقوم بحذف  أراء المشاركين من المواطنين الذين ينتقدون الحكومة بشدة، أو اقوم بحذف بعض كلماتهم الجارحة للحكومة ومن الممكن أن يتم تبديلها بكلمات أقل حدة. 
 
استيقظت فى أحد الأيام بعد معاناتى مع أحلامى التى لا تنتهى على صوت جرس الباب يدق ففتحت الباب وجدت رجل البريد يعطنى خطابا، ففكرت ياترى من الذى سيرسل لى خطابا فى زمن الانترنت والواتس أب. ففتحت الخطاب لأجده مرسل بتاريخ قديم جدا يقارب الثلاثين عاما الى الوراء من الأن، فتعجبت من هذا الأمر كثيرا ، فأنا أعرف أن البريد تتأخر فيها الخطابات كثيرا ولكن ليست لهذه الدرجة. 
 
بدأت أقرأ الخطاب المعنون باسم السيد ابراهيم منصور 
 
ومتن الخطاب يحتوى على كثير من التفاصيل التى عندما قرأتها، لم تكن غريبة علىَ . على الرغم من أننى لم أولد عندما كتب هذا الخطاب، لكننى أتذكر ما يحويه من كلمات. 
 
ـ لقد أرسلنا لك قبل ذلك بأنك يجب أن تسلم لنا ما تحويه من أوراق هامة تخص شركتنا ويبدو أنك لم تهتم بالأمر وأنك غير مبالى بما سيحدث لك إن لم تسلم لنا ما طلبناه منك فى غضون ثلاثة أيام ، ووظيفتك لن تحميك منا ، فإن كنت لا تعرف من نحن فإسأل عنا. 
 
انتابتنى صدمة كبيرة جدا وحيرة بلا حدود من تفاصيل هذا الخطاب الذى إنتهت صلاحيته، لكننى أتذكر كثير من تفاصيله، هل حدث ذلك معى؟ هل شاهدت مثل هذه الأحداث من قبل ؟ وكثير من التساؤلات الأخرى التى بدأت تجوب كل ذهنى وتقشعر معها أناملى. 
 
لم أجد حلا ولا إجابة واحدة لكل هذه التساؤلات. لكننى كنت متأكدا أننى أعرف كثيرا من تفاصيل هذا الخطاب، وعشت بعض أحداثه. 
ذات يوم ذهبت إلى عملى لأجد رئيس التحرير يطلبنى فذهبت إليه
 
ـ السلام عليكم 
ـ وعليكم السلام اتفضل يا أستاذ هشام 
ـ أأمرنى يا فندم 
ـ بص يا هشام أنا عايزك تعملى تقرير عن أشهر الجرائم التى تمت خلال الثلاثين سنة الماضية وخاصة التى لم يتم معرفة الجناه وقيدت ضد مجهول . 
ـ حاضر يافندم حبتدى أشتغل فى الموضوع ده من دلوقتى 
ـ خلاص تمام خد وقتك أهم حاجة عايز موضوع متكامل 
 
وبدأت البحث فى سجلات المباحث عن الجرائم التى لم يعثر فيها على الجانى فوجدت الكثير من هذه القضايا التى تتراكم فوق أرفف حجرات المباحث وقد كتب أمامها أنها قيدت ضد مجهول. 
 
فتاه تم قتلها منذ عشرة سنوات بطريقة بشعة فهى كانت تسكن احدى المنازل التى بنيت فى المناطق الزراعية، ويبدو أن القتل خلفه دافع السرقة وتبعها دافع الاغتصاب، وتحريات المباحث لم تتوصل إلى الجانى، رجل مسن وجد مقتولا فى منزله، وشاب وجد مقتولا فى أحد الشوارع المهجورة ..الخ. 
 
قضية تحمل رقم 555 ضابط يعمل فى الرقابة الإدارية وجد مقتولا فى منزله، أحد الأشخاص دخل المنزل عن طريق ما وقتل هذا الضابط الذى كان يسكن فى منطقة العمرانية بالجيزة، فاقشعر بدنى عندما قرأت هذه الأشياء، فأكملت باحثا عن تاريخ الجريمة إنها حدثت منذ ثلاثين عاما من الآن. المجنى عليه كان يعيش بمفرده ويعمل فى كشف الفساد فى الدوائر الحكومية، وليس له أى عداوة مع أحد فهو غير مختلط بالناس ويعيش فى عزلة فى منزله هذا ولم يكن متزوج بعد. 
 
تجمدت كل أطرافى عندما قرأت تفاصيل القضية، فيبدو أننى كلما قرأت كلمة فى موضوع القضية كأننى أكمل الأحلام والكوابيس التى تطاردنى كل مساء، وكأنى قد عاصرت هذه الأحداث. لكن كيف يكون ذلك وأنا لم أكن قد ولدت عندما وقعت أحداث هذه القضية، فأردت تجاهل الأمر لكننى لم أستطيع ذلك فتفاصيل القضية سيطرت على كل حواسى، وأصبحت لا أفكر الا فيها. 
 
ذات يوم وأنا اقوم بعمل بحث على الانترنت عن الأرواح، جاء أمامى موضوع تناسخ الأرواح وكيف أنه يمكن للروح بعد مفارقة جسد شخص أن تلتقى بجسد أخر لتعيش حياة أخرى، وقد يتذكر هذا الشخص الجديد بعد تفاصيل حياته التى كان يعيشها مسبقا، وقد تطارده هذه التفاصيل عن طريق الأحلام والكوابيس، ومن الممكن أن تترك تفاصيل الحياة القديمة علامات على الجسد الجديد، كالاصابات التى أصيب بها قديما قد تكون عبارة عن «ندبات» و«وحمات». 
فلت هذه المواضيع تطاردنى كثيرا، أرغب فى تجاهلها لكنها لا تتركنى مطلقا. 
 
ذات يوم ذهبت الى شركة حكومية تعمل فى مجال الطباعة للاتفاق معهم على طباعة احدى مؤلفاتى . فعلى بابا الشركة وجدت شخص يبدو أنه يعمل أمن أو سكرتير لمدير الشركة، ملامحة ليست غريبة على، فأنا أعرفه معرفة كبيرة على الرغم من أننى أول مرة أقابله. فهو رجل كهل أسمر البشرة قوى البنيان ، تسمرت مكانى عندما رأيته، لم أكن أعلم ماذا أفعل، هل أسأله أن كنا تقابلنا قبل ذلك أم لا؟ كثير من ملامحه هى لنفس الشخص الذى يأتينى فى أحلامى وكوابيسى ويقتلنى بسكينته التى مازالت مكانها موجود على جسدى، لكنه كيف يقتلنى وأنا الآن أقف أمامه. أكاد أفقد عقلى من كثرة الأفكار. 
 
قمت بعمل بحث عن هذه الشركة وسألت كثير من المقربين اليها وجمعت معلومات عنها تفيد بأن القائمين عليها وخاصة مديرها ما هم إلا مجموعة من اللصوص الذين يعملون لمصلحتهم الشخصية وينهبون أموال الشركة دون أى رادع. ووصل نفوذ مدير الشركة الى أنه يرهب كل من يتحدث عن فساده وأنه يجمع مجموعة من البلطجية لردع أى شخص ومن الممكن قتله إذا ما احتاج الأمر إلى ذلك. 
 
قمت بربط الأحداث والأحلام وما جمعته من معلومات عن تناسخ الأرواح وعن نشاط مدير الشركة المشبوه وعن الشخص الذى يقف هناك كحارس له والذى كثيرا ما يأتينى فى أحلامى وهو فى سن الشباب من ذلك ويفتلنى. 
 
وتوصلت إلى المفاجأة المذهلة ألا وهى أن القضية رقم 555 المجنى عليه فيها هو أنا والجانى هو حارس الشركة الأسمر الذى يأتينى فى أحلامى، ويبدو أننى حسب علم تناسخ الأرواح كانت روحى موجودة فى جسد ضابط الرقابة المقتول والذى أراد فضح الشركة ولكن مديرها قتله عن طريق حارسه الأسمر. 
 
لكننى لا استطيع عمل شيء، أنا مقتول سابقا وأعرف القاتل لكن لا يستطيع أحد تصديقى، كل الأماكن تراءت لى من جديد لكننى لا أستطيع أن أخبر أحد وإلا اعتبرونى مجنونا، فيجب غلق هذه القضية فى عقلى ثم غلقها من قبل النيابة وإلا وضعونى فى مستشفى المجانين لأقضى بقية عمرى هناك.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة