محمد صلاح.. حين تكون قدم لاعب أهم من رأس مفكر!

الإثنين، 28 مايو 2018 04:00 م
محمد صلاح.. حين تكون قدم لاعب أهم من رأس مفكر!
محمد صلاح- أرشيفية
الشربيني العطار

 
«أحيانا تظهر لك كرة القدم جانبا جيدا والسيء في أوقات أخرى».. بهذه الكلمات حاول لاعب ريال مدريد سيرخيو راموس، أن يواسي محمد صلاح عبر «تويتر»، بعد أن تسبب في إصابته في اللقاء الذي جمع بينهما في نهائي دوري أبطال أوربا، وكدا أن يتسبب في إبعاده عن كأس العالم.
 
بكاء «صلاح» عند خروجه من مباراة ليفربول وريال مدريد، التي أقيمت بينهما السبت الماضي، في نهائى دوري أبطال أوروبا، إثر احتكاته براموس الذي قصّ جناحه بخيانة مٌبيتة، وإصابته بجزع في أربطة مفصل الكتف، يثبت كل يوم إنتماء صلاح  لكرة القدم أكثر من إنتمائه لنفسه.
 
مشهد إصابة محمد صلاح، وتفاعل العرب معه طرح سؤال هاما، كان قد أطلقه الفيلسوف الكبير زكى نجيب محمود، حين قال: «كيف يمكن أن تكون قدم لاعب أهم من رأس مفكر؟!».
 
بدأت القصة في حقبة الثمانينيات، حين كتب المفكر الكبير الراحل زكي نجيب محمود متعجبا من التغطية الإعلامية الواسعة النطاق لهدف علاء نبيل في مرمى الجزائر باستاد القاهرة فى (6 يناير 1984)، وصعدنا به إلى نهائيات دورة الألعاب الأولمبية فى لوس انجلوس.
 
ونفس التعجب حدث بسبب تغطية واهتمام الجماهير والاعلام بهدف حسام حسن في (17 نوفمبر1989)، الذى صعد بمصر إلى نهائيات كأس العالم، التى أقيمت فى إيطاليا صيف (1990).
 
المفكر والفيلسوف الكبير زكى نجيب محمود قال عبارته الشهيرة مسافرا: «كيف يمكن أن تكون قدم لاعب أهم من رأس مفكر؟!». وهو نفس التعجب والاستفهام الذى كرره كثيرون غيره.
 
أظن أن السؤال لو تم طرحه الان، فسوف تختلف الإجابة إلى حد كبير، والسبب أن تعامل الناس مع مباريات كرة القدم، اختلف تماما. وبالطبع لا ينبغى ان يكون هناك اهتمام بنشاط على حساب اخر، والافضل الا نقارن بين شيئين لا يمكن المقارنة بينهما.
 
محمد صلاح
 
فى (3 مايو 2018).. كتب «رئيس تحرير» جريدة الشروق عماد الدين حسين فى مقاله له فى جريدة دويشت فيله متسائلاً: «قبل ذلك كان الحديث موجوداً، لكنه كان محصورا أكثر في كرة القدم وفنياتها وتألق صلاح، لكن الأمر تطور مؤخراً ليصل إلى حد الظاهرة، وليس فقط مجرد الحديث عن لاعب موهوب في كرة القدم. الأمر لم يعد مقصوراً على المصريين أو بعض الشعوب العربية، لكنه صار مجالاً لاهتمام كبريات وسائل الإعلام العالمية، مثل سي إن إن، ونيويورك تايمز وبي بي سي ودويتشه فيله وغيرها».
 
صلاح ابن قرية نجريج في مركز بسيون بمحافظة الغربية، صار سفيراً فوق العادة لمصر، وأصبح ملهما لملايين الشباب المصريين بصورة يندر أن تجد لها مثيل.
 
فهناك إجماع بين كل من عرفه من الناس أو الإعلاميين أو الشخصيات العامة أو من زملائه اللاعبين من مختلف الجنسيات، على أن الصفة الأساسية التي تميزه هي التواضع. وربما بسبب هذه الصفة - إضافة إلى أعماله الخيرية الكثيرة - فقد احتل مكانة كبيرة في قلوب كل المصريين.
 
تقريباً، صلاح هو الوحيد في مصر الذي يحظى بإجماع من الجميع، يصعب أن تجد من يختلف بشأنه. صوره في كل مكان، ليس فقط على قمصان الشباب، ولكن على جدران كثيرة في مدن وقرى مصرية مختلفة، إضافة إلى أنه صار نجم الإعلانات الأول بلا منازع.
 
هو لم ينس أنه من قرية فقيرة في دلتا النيل تبعد عن مصر بحوالي مائتي كيلومتر، كان يقطعها صلاح في خمسة أنواع من المواصلات، حتى يصل إلى نادى «المقاولين العرب» في محافظة القاهرة.
 
النجم الموهوب يذهب الآن إلى قريته بصفة دورية، ويلتقى بأهلها ويلتقط الصور التذكارية مع الجميع، خصوصاً الشباب، وقد تبرع بملايين الجنيهات لإقامة منشآت ومشروعات خيرية في قريته، إضافة إلى تبرعاته لمشروعات عامة في مصر، خصوصاً صندوق «تحيا مصر».
 
حب المصريين لصلاح جعلهم يحولونه إلى «أيقونة»، ليس فقط بوضع صورته على القمصان، أو جدران المنازل، ولكن على «فوانيس رمضان»، التي تنتشر بكثرة خلال شهر رمضان الذي يحل بعد أيام.
 
 
محمد صلاح
 
هو شارك مجاناً أيضاً في حملة بعنوان «لا للمخدرات» حققت نتائج طيبة، وصارت تمثل أملاً لكل الباحثين عن الخلاص من هذه الآفة الخطيرة. لكن أهم ما فعله صلاح أنه أعطى أملاً لملايين الشباب المصريين الباحثين عن نقطة ضوء وسط الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
 
بسبب محمد صلاح صارت مقاهي وكافيتيريات كثيرة في مصر كاملة العدد، في كل المباريات التي يلعبها مع فريق ليفربول سواء في الدوري الإنجليزي أو بطولة أبطال أوروبا.
 
في الماضي كان حضور هذه المباريات من بين المهتمين بكرة القدم لكن الجديد، أن صلاح تمكن من جذب قطاعات كثيرة لم تكن مهتمة أساساً بمتابعة الكرة، لكنها وجدت في هذا اللاعب سبيلاً لممارسة التعبير عن وطنها وهويتها المصرية بصورة لا تغضب أحداً، واعرف نماذج كثيرة من كبار رجال الأعمال والأدباء والسفراء والإعلاميين صاروا يرتبون جدول أعمالهم على موعد المباريات التي يشارك فيها صلاح.
 
يُدرك كثيرون أن أهم ما قدمه صلاح لمصر وللعرب وللمسلمين أنه أوقف إلى حد ما ظاهرة وصف وتنميط واختزال المسلمين، عند بعض الأجانب، في أنهم مجرد مجموعة من الإرهابيين. وهو ما يراه البعض غير دقيقا، فصلاح يمثل الكرة المصرية وليس الدين الإسلامى!.
 
صلاح صار نموذجاً مقابلاً وموضوعياً للعربي والمسلم الطبيعي. هو يتوضأ ويصلى خلال تدريبات مع فريقه، لدرجة أن مدربه الألماني يورغن كلوب يقول أن الفريق صار يتكيف مع هذه الظاهرة التي يمارسها صلاح، واثنين من اللاعبين المسلمين في الفريق، وأنهم في الفريق يحترمون تدينهم.
 
صلاح يرفع يده للسماء شاكراً بعد كل هدف يسجله، وبالتالي وصلت رسالة إلى كثيرين، بأن المسلم العادي يأكل ويشرب ويحتفل ويلعب الكرة ويمرح ويسعد الناس في كل مكان وزمان، وأن القتل والإرهاب والدمار، هي صفات وقيم طارئة، تحاول التنظيمات المتطرفة إلصاقها ظلماً بالإسلام. وسمعنا عن أطفال وشباب صغار في إنجلترا وغيرها معجبون بنموذج صلاح وتواضعه وأدبه، والفوا له أغنيات تشيد به، ويقومون بتقليد حركاته.
 
أحد مميزات صلاح الكثيرة أنه ابتعد عن السياسة ودهاليزها تماماً، ولم يقع في نفس الفخ، الذي وقع فيه آخرون. وقد حظى صلاح بتقدير من مؤسسة الرئاسة اكثر من مرة، أخرها قبل أيام حينما هنأه الرئيس عبدالفتاح السيسي، باختياره أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي.
 
البعض في مصر يخشى من «حسد» صلاح، حيث أنه صار يحتل كل أغلفة الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية ويتصدر اهتمامات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها مصرياً وعربياً وعالمياً. والجميع في مصر يراهن عليه في مونديال روسيا بعد أسابيع قليلة.
 
السؤال: هل كان صلاح سينجح ويصل إلى ما وصل إليه لو ظل في نادي المقاولين العرب أو حتى انتقل للأهلي أو الزمالك، الناديان الأكبر والأشهر في مصر والمنطقة العربية؟!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة