حالات استثنائية

الجمعة، 01 يونيو 2018 08:56 م
حالات استثنائية
أيمن عبد التواب يكتب:

ما الذي أصاب المجتمع خلال العقود الأخيرة الماضية؟ ما الذي جعل المعايير تتبدل إلى الأسوأ؟ ما الأسباب التي جعلتنا نتقدم بقوة إلى الخلف؟ لماذا أصبحنا ننبهر بالعادي بعد أن صار استثنائيا؟ هل الزمن هو المسؤول عن هذا التطور «القميء» أم نحن؟
 
تتسابق وسائل الإعلام للتسجيل مع شخص فقير «أمين» عثر على حقيبة فيها عشرات الآلاف من الجنيهات، أو الدولارات وسلمها إلى صاحبها، ورفض أن يتسلم مكافأة نظير صنيعه!
 
المفترض ألا تفعل تفعل وسائل الإعلام ذلك؛ لأن «الأمانة» هي الأصل في أي مجتمع طبيعي، و«الخيانة» هي الاستثناء، أو الشذوذ عن القاعدة.
 
نحتفل ونبالغ في الاحتفاء بموظف «بسيط» يؤدي عمله بمنتهى الدقة والأمانة والإخلاص، أو رفض قبول «رشوة» سواء كانت بالمئات أو بالآلاف أو بالملايين.. مع أن الطبيعي أن يؤدي الموظف عمله المكلف به على أكمل وجه، وان يرفض «الرشوة» أيًا كانت قيمتها.
 
لكن يبدو أننا أصبحنا أمام «حالات استثنائية»، خاصة بعد أن الأخبار شبه اليومية التي تخبرنا عن ضبط وزير، أو محافظ، أو مسؤول كبير، أو أستاذ جامعة... متلبسًا بـ«الرشوة»، سواء كان الرشوة مادية أو «جنسية»، أو أشياء أخرى.
 
أصبحنا ننبهر بالشخص الذي يلقي بنفسه في «التهلكة» ويدخل في «خناقة» لا ناقة له فيها ولا جمل، لمجرد أن المروءة والشهامة والجدعنة «نقحت» عليه ليدافع عن الضعيف، أو يحاول فض الشجار بين الطرفين، وقد يدفع حياته ثمنًا لشهامته..  مع أن هذا التصرف كان عاديًا جدًا في الماضي القريب، لكنه- للأسف الشديد- أمسى استثنائيًا.
 
نتعجب كثيرًا من شخص يقوم من على كرسيه في الأتوبيس أو المترو لرجل كبير في السن، أو سيدة، أو مريض.. وقد نظلم هذا الإنسان ونصفه بـ«السذاجة»، وربما نوصمه بـ«العبط».. بينما لو أفسح مكانه لفتاة فلا يمكن ترك الأمر دون أن نشكك في نيته، وأن تصرفه لم يكن خالصًا لوجه الله.. مع أن الرجل لم يفعل أكثر مما كان يفعله أجدادنا وآباؤنا.
 
لا نصدق إذا ما سمعنا عن مدرس ما زال يشرح المنهج الدراسي للطلاب بكل أمانة وإخلاص داخل الفصل، وليس في «الدرس الخصوصي».. نفس الحال بالنسبة للطبيب الذي يراعي ربه وضميره في الكشف على مرضاه بالمستشفى، وليس في عيادته الخاصة فقط!
 
نندهش من وجود صحفي مازال يتمسك بضوابط المهنة ومعايير العمل الصحفي، ويرفض نشر أي خبر دون أن يتأكد من صحة المعلومات التي أُبْلِغَ بها، أو قُدِّمَتْ إليه.. على الرغم من أن هذا التصرف هو القاعدة وما عاداه هو الاستثناء!
 
نسخر من الشخص الذي يلقي بالقمامة في الصناديق المخصصة لها في الشوارع.. ونعقد حواجبنا من شخص يشكر الآخرين على خدمة قدموها إليه، أو شجعوه بـ«كلمة حلوة».. مع أن هذا هو الأساس ويتوافق مع الدين والمجتمعات الإنسانية الطبيعية!
 
فما الذي أوصلنا إلى الدرك الأسفل من الأخلاق والسلوك؟ وهل من سبيل إلى الخلاص والعودة إلى القمة التي كنا عليه في الماضي، أم سنظل ننافس بقوة على القاع؟!
 
يقيني أننا نستطيع أن نبهر العالم بأخلاقنا، وسلوكنا، وأفعالنا، وأقوالنا.. بإمكاننا أن نقود العالم من جديد، وأن نعلم العالم كما علمناه في السابق.. فقط حين نخلص النيات، ونخلص الإيمان، ونخلص العمل، ونخلص الأقوال والأعمال، وما ذلك على المصريين ببعيد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق