ماذا يريد إبراهيم عيسى وإسلام بحيري؟

الخميس، 14 يونيو 2018 01:39 م
ماذا يريد إبراهيم عيسى وإسلام بحيري؟
أيمن عبد التواب يكتب:

منذ أيام أمسكتُ بالريموت كونترول، وطفقتُ أتنقل بين قنوات التلفزيون، دون الاستقرار على محطة بعينها. فجأة توقفت أمام مشهد إبراهيم عيسى- مع حفظ الألقاب والمقامات- وهو يُسهب ويُطنب في خلع الأوصاف والألقاب على «إسلام بحيري»، خلال استضافة الأول له ببرنامجه «مختلف عليه» المذاع على قناة الحرة الأمريكية.
 
توقفت طويلًا عند إطراء عيسى لبحيري، وما خلعه الأول على الثاني من ألقاب لو انطبقت عليه لأصبحنا أمام «معجزة» في عصر اختفت فيه المعجزات، و«فلتة» من فلتات الزمن التي قلما يجود علينا بها.
 
كاتب وباحث إسلامي، ومفكر مرموق، ومجدد، وفهامة، وعلامة، ومناضل دفع من حياته ثمن فكره المجدد.. وغيرها من الأوصاف التي قد ترفع إسلام بحيري إلى مرتبة العلماء العظام الذين يزخر بهم تاريخنا الإنساني، بل لا نبالغ حين نقول إن الأوصاف والألقاب التي ألصقها المذيع على ضيفه تكاد أن تجعل منه نبيًا أو دون النبوة بقليل.
 
كانت حلقة «مختلف عليه» نسخة مكررة من أفكار عيسى وبحيري، التي تهدف إلى التشكيك في بعض الثوابت، والطعن في بعض العلماء الأجلاء. وكان للإمام البخاري وكتابه الأشهر «صحيح البخاري» نصيب الأسد من حفلة الهجوم والتطاول على الرجل، واتهامه بأبشع التهم، والتسفيه من قيمة ما صنعه.
 
قد يكون «إبراهيم وإسلام» على صواب في بعض ما ذهبا إليه، فلا أحد معصوم من النقد والانتقاد.. لكن يبدو أنهما  لا يعرفان الفارق بين النقد  العلمي القائم على منهج وطرق بحثية محترمة ومعترف بها، و«قلة الأدب» الذي يمارسانه ضد عالم مثل البخاري، اجتهد قدر استطاعته، ورحل عن دنيانا منذ قرون، ولم يعد بإمكانه «حق الرد» على «حفلة تقطيعه» على الملأ.
 
لا يمل الاثنان المذيع والضيف من تكرار نغمة حرية الرأي والتعبير، وحرية الاجتهاد.. لكنهما يهيلان التراب على مَنْ يقول رايًا يخالف رأيهم، ويسير على منهج يخالف منهجهم، ويؤمن برسالة وعقيدة ومذهب لا يتفق مع ما يؤمنان به، ويعتنقانه.. يا له من تناقض مفضوح!
 
في سنوات  مضت كنت أحد دراويش إبراهيم عيسى، فقد كان عمودًا رئيسًا من أعمدة مدرسة الإثارة والجدل القائمة علي ثلاثة محاور؛ الدين، والجنس، والسياسة.. وهي المدرسة التي كانت بضاعتها رائجة في تسيعنيات القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن الحالي.
 
إبراهيم كلاعب سيرك محترف، يجيد اللعب على كل الأجهزة، ويطوع كل الأحبال لصالحه؛ حتى يحافظ على اتزانه ولا يقع أرضًا فتكون نهاية مصيره.. رأيناه يروَّج للإخوان، وفتح لهم صفحات الدستور على مصراعيها، وقدمهم للجمهور باعتبارهم أصحاب «مظلومية».. ثم رأيناه يعزف على وتر الفتنة الطائفية وتلاعب بالمسيحيين.. ثم روَّج لإيران والمذهب الشيعي بطريقة «الميه من تحت تبن»!
 
هل اكتفى عيسى بذلك؟ لا. فالرجل يبدو أنه أراد أن يجرب موهبته في مجال آخر، فأخذ يهتك عرض كتب التراث الإسلامي، وطفق يستشهد بمؤلفات شاذة لكتاب عليهم آلاف من علامات الاستفهام؛ ليثبت للجميع أنه- وحده- على صواب، وما عداه لا يملك إلا الأكاذيب والأباطيل.
 
ولم يكتفِ «أبو يحيى» بتشويه التراث، بل استخدم موهبته الكتابية، والكلامية في «شيطنة» الصحابة وأمهات المؤمنين- رضوان الله عليهم أجمعين، وراح ينال منهم سخرية واستهزاءً، وانتقاصًا من مكانتهم وأقدارهم.. ومن هذه المدرسة صنع مجده الصحفي والإعلامي، وأصبح من أصحاب الملايين، بعد صفقات «الدستور، والتحرير، والمقال»، فضلًا عن عشرات البرامج التليفزيونية والإذاعية!
 
أما المدعو إسلام بحيري، فقد كان «أغشم» و«أجهل» من صاحبه، ومنذ نحو ثلاث سنوات كتبت فيه سلسلة مقالات، فنَّدت فيها سوء نيته، وزيف منهجه، وضلال مسلكه، وكذب استدلاله واستنتاجه، وكيف كان يدلس على الناس؛ ليمنح نفسه شرعية التطاول على الصحابة والأئمة والفقهاء الأولون.
 
وبمنتهى الصدق، أنا مشفق على الباحث «الأونطجي» و«الفهلوي» إسلام بحيري، ومشفق على الذين يقفون خلفه ويريدون أن يصنعوا منه إلهًا، أو نبيًا، أو مسيحًا يحمل عن البشر أوزارهم وخطايهم.. وبعدما فشلوا قدموه للناس، وفرضوه عليهم باعتباره «مجدد العصر»، ومفكرًا أريبًا، وباحثًا إسلاميًا لم تنجبه ولَّادة!
 
لقد ثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن علاقة إسلام بقواعد وأصول البحث، كعلاقتي بـ«سارة المحتارة»؛، فقد رأيناه يخطئ في قراءة كتب التراث، وأسماء رواة الأحاديث. رأيناه يجتزئ نصوصًا وفتاوى؛ لينتصر لأفكاره الشيطانية. رأيناه يتطاول على العلماء بألفاظ لا  تخرج إلا من أفواه السفلة والمجرمين وعديمي التربية. بل رأيناه يخطئ في قراءة القرآن الكريم، حتى في قراءة أقصر السور التي يحفظها الأطفال في «كي چي وان»!
 
وبدلًا من أن يعود إسلام إلى رشده، ويتوارى خجلًا بعد فضيحته التي فاقت فضيحة الأستاذ «عبد الظاهر المطاهر»، عاد أكثر تبجحًا من ذي قبل، وأكثر تطاولًا من ذي قبل.. وأكثر جهلًا من ذي قبل في حلقته مع الأستاذ إبراهيم.
 
صدقًا، ليس عندي مشكلة مع عيسى أو بحيري وأشباههما، مشكلتي مع المنهج الذي يتبعانه في البحث واستخلاص النتائج التي تعضد وجهة نظرهما، وإن كانت على حساب دين ورسالة وقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
 
الاثنان- إبراهيم وإسلام- ينهلان من معين واحد؛ معين سبقهما إليه أشخاص كثيرون يدعون العلم المحيط، والفهم العميق، بينما هم- في الحقيقة- لا يملكون إلا عقلًا مسحطًا، وفهمًا سقيمًا، ولسانًا سليطًا، فلم يحققوا إلا «فرقعة» مؤقتة، وشهرة خادعة، ومجدًا زائفًا.. على عكس الراسخين في العلم الذين بنوا مجدهم الخالد، وشهرتهم الواسعة دون الإساءة إلى أحد، أو السعي لتشويه جهود مَنْ سبقوهم، حتى وإن اختلفوا معهم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق