البنزين وتحريك الدعم.. هل هناك بدائل أخرى؟

الأحد، 17 يونيو 2018 11:52 ص
البنزين وتحريك الدعم.. هل هناك بدائل أخرى؟
أيمن عبد التواب يكتب:

قرار تحريك، أو تخفيض دعم الوقود ما زال يثير الجدل، وانقسم الشعب حياله إلى فرق ثلاثة؛ مؤيد بشدة؛ ومعارض بعنف؛ وملتحف بالصمت، إما لأنه يريد عدم الخوض مع الخائضين في أمور يجهلها، أو على أمل أن يرى اثر هذه القرارات الصعبة على حياته المعيشية!
 
في ظل هذه الحالة حدث تراشق وتبادل الاتهامات بين جميع الأطراف. فالمعترض على القرار اُتهم بالجهل، وانعدام الوطنية، وتعطيل مسيرة الإصلاح والتنمية، وأنه يريد أن يجعل من نفسه بطلًا أمام الناس بإحساسه بهم. بينما اُتهم المؤيد بـ«التطبيل» للسلطة، والبحث عن مكاسب خاصة على حساب آلام وأوجاع الشعب، وانعدام الإحساس الوطني. 
 
وللأسف الشديد، ما بين التأييد المتعصب، والمعارضة العمياء غابت المعالجة الموضوعية للآثار المترتبة على القرار، ونجحت الحكومة- كالعادة- في كسب مزيد من العداء الشعبي ضدها. كما فشلت وسائل الإعلام في إقناع الناس بأهمية القرار بالنسبة إليهم، وتقديم إجابات شافية للمتسائلين وراغبي الاستفسار وتوضيح الأمور الغامضة.
 
نعود إلى القرار ونطرح بعض الأسئلة التي تردد على ألسنة الناس: هل رفع الدعم ضرورة؟ 
 
قولًا واحدًا، نعم ضرورة، «فمن السموم الناقعات دواء»، وكما يقول المأثور: «إيه إللي رماك على المر، قال إللي أمر منه». لكن المشكلة في اختلاف نظرة المسؤولين والمعترضين على القرار، الذين يرون أنه كان من الواجب على الحكومة أن تزيد المرتبات زيادة تتناسب مع تحريك دعم المحروقات، وما يتبعها من ارتفاع أسعار السلع والخدمات كافة!
 
تقول النكتة السياسية العميقة: جلس الرئيس عبد الناصر على قهوة وعزم كل زبائنها ومشي دون أن يدفع الحساب، وفعل السادات ومبارك ومرسي نفس الشيء، وعندما طالبهم القهوجي بدفع ثمن المشاريب قالوا: الحساب كله عند السيسي!
 
لنكن أمناء مع أنفسنا، ونتحدث بصراحة وموضوعية، ونؤكد أننا ورثنا مجموعة من المشاكل التي تغاضت الحكومات والأنظمة السابقة عن حلها، مكتفية بإعطاء المسكنات؛ تخوفًا من جلب السخط الشعبي عليها.. كما نؤكد استحالة استمرار الدعم كما كان أيام مبارك، فلا يخفى على القارئ االأريب ما تعاني منه مصر قبل 25 يناير 2011 وما تلاها من أحداث جسام.
 
لكن مخطئ مَنْ يعتقد أن أي دولة من الممكن أن تبني اقتصادها من رفع الدعم ولو كليًا، ومن الضرائب، حتى لو كانت الضريبة على الإنسان والحيوان. فالدول تُبنى بالعمل والاستغلال الأمثل لمواردها، وعدالة التوزيع، ومحاربة الفساد، وتوفير بيئة جاذبة للسياحة، والاستثمار الآمن.. بينما يُعالج عجز الموازنة بزيادة الإنتاج  وتصدير الفائض، لا بالقروض والمنح والمساعدات. 
 
 هنا نتساءل: ألم تكن هناك بدائل أخرى لسد عجز الموازنة، والإصلاح الاقتصادي غير تخفيض الدعم على البنزين والمحروقات؟
 
بعيدًا عن «التقشف» الذي أعلنته الحكومة، هناك بدائل أخرى تساهم في حل الأزمات؛ دون تحميل الفقراء، و«معدومي الدخل» أعباء إضافية. بعض هذه الاقتراحات قابل للتنفيذ الفوري، وبعضها الآخر يمكن تطبيقه على مراحل. مثل مواجهة الفساد، ومحاربة الفاسدين بمنتهى القوة والحسم. ثم ترشيد الإنفاق الحكومي و«الشعبي»، من خلال ضوابط صارمة. هذا أولًا.
 
ثانيًا: تقليص ودمج الوزارات. فتعدادنا «100 مليون نسمة» ولدينا «34 وزارة»، ولكل وزارة مخصصات بالملايين، رغم الأزمة الطاحنة، بينما الصين- أكثر من «1.5 مليار نسمة»- تعتمد على «24 وزيرًا فقط»!
 
ثالثًا: تخفيض عدد أعضاء مجلس النواب. فالبرلمان- الذي تزيد ميزانيته على المليار جنيه هو الأكثر عددا بين دول العالم بـ«596 نائبًا».. بينما «الكونجرس» الأمريكي «435 عضوًا»!
 
رابعًا: تقليص مخصصات وامتيازات الوزراء، وكبار المسؤولين، والموظفين.. فليس من المنطقي أن تحقق مؤسسات وشركات «خسائر سنوية»، ورغم ذلك يُمنح العاملون فيها «أرباحًا، ومكافآت، وحوافز»! 
 
خامسًا: التنقية «الفورية» للبطاقات التموينية من غير المستحقين للدعم. فليس من المعقول أن يحصل بعض أصحاب الرواتب «الفلكية»، على السلع التموينية مثل المواطن «إللي مش لاقي ياكل». وهناك نماذج صارخة على ذلك!
 
سادسًا: التخلص من «كراكيب الحكومة». فـ«الخردة» المتراكمة في مخازن مؤسسات الدولة، من 1995 إلى 2010، من الممكن أن تُدخل إلى خزينة الدولة أكثر من «32 مليار جنيه»، بحسب تقرير سابق للجهاز المركزي للمحاسبات.
 
وهناك مقترحات أخرى تؤدي نفس الغرض، لا مجال لسردها الآن. لكن ما أود التأكيد عليه أننا- الآن- في أمس حاجة إلى «التقشف» أكثر من أي وقت مضى؛ إذ كنا نريد الخروج من أزمتنا الاقتصادية؛ فأمامنا شوط طويل لنحقق طفرات صناعية وزراعية وتجارية وإنتاجية واستثمارية. وربما لجأت الحكومة إلى اتخاذ هذه القرارات؛ ظنًا منها أنها العلاج الأسرع.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق