برميل على المنحدر.. النفط يدخل دائرة التراجع والرهان على الخزانات الأمريكية

الثلاثاء، 26 يونيو 2018 09:00 ص
برميل على المنحدر.. النفط يدخل دائرة التراجع والرهان على الخزانات الأمريكية
حقل نفط
حازم حسين

 

هل أحدثت نتائج اجتماع أوبك حالة من الارتياح في سوق النفط العالمية؟ ما تشير إليه مؤشرات التداول والأسعار منذ انتهاء الاجتماع الذي استضافته العاصمة النمساوية فيينا الجمعة الماضية، يؤكد أن تغيرا مرتقبا واسع المدى بانتظار السوق الأبرز في قطاع الطاقة عالميا.

تداولات أمس الاثنين شهدت هبوط أسعار النفط من مزيج برنت القياسي بنسبة تتجاوز 2% من سعر الخام الشهير في آخر عملية تداول سابقة، في إشارة مباشرة على تراجع الطلب العالمي أمس، مع حالة الاطمئنان التي بدأت تغزو السوق العالمية عقب نتائج اجتماع أوبك، وبدء تعامل المشترين الكبار مع القفزة المرتقبة في التدفقات خلال الأيام المقبلة.

تراجع برنت من مستوى 75.5 دولار للبرميل، إلى 73.9 دولار بانخفاض 2.2% عن سعر الإغلاق في تعاملات الأحد، لم يكن الإشارة الوحيدة لتحول كبير تستعد له سوق النفط، حتى لو كانت نسبة التراجع لا تحمل في ذاتها انعطافة صادمة فيما يخص مؤشرات الأسعار، أو جاء تراجع أنواع الخام الأخرى بنسب أقل تأثيرا ولفتا للأنظار، كما حدث مع خام غرب تكساس الوسيط، الذي سجل 68.36 دولار للبرميل بنسبة انخفاض 0.3% في العقود الآجلة، وهي الأرقام المرشحة للزيادة في الساعات المقبلة، مع استعداد الأسواق لاستقبال أكثر من مليون برميل زيادة على مستوى التدفقات الحالية.

الفارق الكبير في نسب التراجع بين "برنت" وغرب تكساس ربما يوفر مؤشرات صالحة للقراءة واستكشاف مستقبل السوق العالمية في الفترة المقبلة، فبينما هبط الخام المعياري مدفوعا بتنفس الأسواق التي تقترب من العودة لمستويات إنتاج أوبك حتى النصف الأول من العام الماضي، فإن خام غرب تكساس الوسيط كان أكثر ثباتا بفعل الدعم الذي يتلقاه في السوق الأمريكية، سواء بتوقف حصة من الإمدادات الكندية، أو تراجع أنشطة الحفر والاستكشاف الأمريكية، والأهم بقاء الطلب مرتفعا من المصافي في ظل تآكل نسبة كبيرة من المخزون الأمريكي، ما يعني أن حفرة أمريكية عميقة قد تكون جاهزة لامتصاص زيادة الإنتاج المتوقعة.

في وقت سابق طلبت الولايات المتحدة من المملكة العربية السعودية مليون برميل زيادة، وأشارت تقارير إلى أن المصافي ومحطات التكرير الأمريكية رفعت من نسب تشغيلها في الشهور الماضية، واستهلكت جانبا كبيرا من المخزون الأمريكي الضخم، وفي ظل مستويات العمل الحالية، والحاجة لإنعاش خزانات الاحتياطي الأمريكي، فإن الطلب قد يظل مرتفعا بدرجة واضحة عن مستوياته الحقيقية، ما يُمكن أن يُبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة نسبيا، ويمتص أثر الزيادة التي أقرتها أوبك دون أن يسفر الأمر عن تهاوي سوق النفط.

الرؤية السابقة تدعمها آراء المحللين ومراقبي سوق النفط، الذين توقعوا أن تشهد أسواق النفط العالمية حالة من الشح النسبي حتى نهاية العام الجاري، آخذين في الاعتبار مستويات الزيادة في إنتاج أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" الثلاثة عشر، وحلفاء المنظمة الأحد عشر، وفي مقدمتهم روسيا (أكبر منتج في العالم) والمملكة العربية السعودية (أكبر مُصدّر في العالم).

الملمح الجدير بالالتفات أن قرار أوبك بالتراجع عن خفض الإنتاج الذي أقرته في وقت سابق من العام الماضي، ومدّدته في مطلع العام 2018، لم يتحدد حتى الآن المجال الكامل لآثاره الاقتصادية وضغوطه على سوق النفط أو دعمه لها، فالمنظمة أقرت زيادة الإنتاج لكنها لم تُقر حصص الأعضاء والحلفاء في الزيادة الجديدة، وخريطة توزيع الحصص قد تشكل فارقا غير هيّن، في ظل خريطة التعقيدات السياسية التي توجه صادرات بعض الدول باتجاه مستهلكين محددين، أو تحاصر منتجين آخرين وتضيّق عليهم فرص تسويق منتجهم، فحصول فنزويلا أو إيران على حصة كبيرة من الزيادة قد يعني أن الولايات المتحدة قد تشكل ضغطا على المصادر الأخرى لتلبية احتياجاتها، والعكس تماما، إذا كانت حصص الدول الحليفة أكبر فقد لا تشعر السوق العالمية بأثر الزيادة المرتقبة، لأنها قد تتوجه رأسا من فوهات الآبار إلى فوهات الخزانات.

في أوضاع طبيعية يمكن توقع أن تؤدي زيادة الإنتاج إلى تحول في ميزان العرض والطلب، ومع توفر أكثر من مليون برميل زيادة على المستويات الحالية، فإن مستويات الأسعار قد تهبط إلى ما دون 60 دولارا للبرميل، ولكن في السياق الراهن للأسواق يبدو أن الزيادة المرتقبة لن تُحدث هذا الأثر، فبعد ما يقرب من سنة على سريان قرار أوبك بخفض الإنتاج، تعاني الأسواق العالمية من حالة تعطيش، بجانب الأثر الكبير الذي أحدثته نسب النمو العالمية وفي الاقتصادات الكبرى على مستويات الطلب التي كانت سائدة في 2017، واتجاه واشنطن لتعويض الفواقد الكبيرة في احتياطاتها، وهو ما يُعني أن الدول التي كانت متحفظة نوعا ما في طلبها على النفط قد تتخلى عن هذا التحفظ مع تخلي أوبك عن قرار خفض الإنتاج، وهو ما سيلتهم الزيادة الجديدة من أوبك ويُبقي على مستويات الأسعار الحالية، أو مع قدر ضئيل من التراجع.

لأسابيع مضت كانت روسيا والمملكة العربية السعودية تدفعان داخل أوبك باتجاه زيادة الإنتاج، وكانت دول المنظمة تتحفظ على الأمر خوفا من انهيار المكاسب المتحققة لها في ظل ارتفاع الأسعار، قياسا على المستويات التي لم تتجاوز 50 دولارا في العام الماضي، ولامست حدود الـ80 دولارا في الأسابيع الماضية، ومع ضغوط موسكو والرياض، وتراجع إيران عن رفضها سياسي الطابع في إطار المكايدة مع الولايات المتحدة، وصلت أوبك لمحطة زيادة الإنتاج، ويبدو أن واشنطن سترد جميل المنظمة بامتصاص الزيادة الجديدة، سعيا لتعويض مخزونها، ما سيضمن للدول المنتجة للنفط استمرار مكاسبها، وبقاء الأسعار في مستوياتها المرتفعة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق