واشنطن تراهن على إيران جديدة خلال سنة.. هل يتدخل ترامب للإطاحة بنظام الملالي؟

الأحد، 01 يوليو 2018 02:24 م
واشنطن تراهن على إيران جديدة خلال سنة.. هل يتدخل ترامب للإطاحة بنظام الملالي؟
الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأمريكي دونالد ترامب
حازم حسين

 

قرار مباغت بالانسحاب من الاتفاق النووي، ثم انتقادات متواصلة للنظام الحاكم، ثم إعلان عن الاتجاه لفرض عقوبات جديدة، ثم تحديد نوفمبر المقبل موعدا لوقف استيراد النفط الإيراني، هكذا جاء تسلسل الموقف الأمريكي من طهران في الشهور الأخيرة، فيما يبدو أنها رغبة مباشرة لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحجيم المشروع الإيراني وحرمانه من براح واسع تمتعت به في ولاية سلفه الديمقراطي باراك أوباما.

ترامب الذي قضى في البيت الأبيض حتى الآن أكثر من سنة وخمسة شهور، لم يكن راضيا منذ اللحظة الأولى عما ورثه من "أوباما" في ملف العلاقات مع إيران، وخلال حملته الانتخابية التي امتدات شهورا عديدة قبل إجراء الانتخابات في نوفمبر 2016، انتقد سياسة باراك أوباما والحزب الديمقراطي تجاه طهران، واعتبر هذا الأمر نقطة ضعف مهمة في خطاب منافسته هيلاري كلينتون، ووجه ضربات قاسية لها منطلقا من هذا الملف الذي يمثل إزعاجا كبيرا لإسرائيل واللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة "إيباك"، وهو طرف فاعل للغاية في سباق الانتخابات الرئاسية.

التخلي عن اليسار الديمقراطي واتجاه الأمريكيين لحمل دونالد ترامب على أعناقهم إلى البيت الأبيض، بالتأكيد لم يأت في إطار رؤية اقتصادية يعلم عموم الأمريكيين أن ترامب سيكون متشددا فيها على الصعيد اليميني، وداعما لرجال الأعمال أكثر من دعمه للمستهلكين العاديين، وربما كان الباعث الأبرز على الاختيار خطاب ترامب المتطرف في قوميته، ووعوده باستعادة أمريكا القوية المؤثرة قائدة العالم.

لم يتخل الرئيس الأمريكي عن وعوده تلك مع الوصول للسلطة، بين قرارات حادة بشأن المسافرين من عدة دول إسلامية، ثم قراراته بشأن اللاجئين، ثم فرض رسوم جمركية مضاعفة على واردات الولايات المتحدة من دول أوروبية وآسيوية عديدة، والخروج من الاتفاق النووي، والتدخلات العنيفة في سوريا، وتهديد طهران بحزمة عقوبات اقتصادية قاسية، والضغط على الحلفاء والدول التابعة لواشنطن لإقرار هذه العقوبات والالتزام بها، تبدو صورة "ترامب" في عيون الأمريكيين العاديين، ممن تدهشهم النزعة اليمينية وتُخدّر مشاعرهم وتفعل فيهم فعل السحر، صورة البطل الأمريكي الذي يستعيد أمجاد البلد القوي الفاعل في كل ملفات العالم وأقاليمه، بعد حقبه من الدبلوماسية الهادئة في سنوات ترامب.

التصعيد الأمريكي بحق إيران ربما لا يمر بطريقة هادئة كما يحدث مع واشنطن في كل الجبهات الساخنة، أو التي تتدخل بشكل مباشر لتسخينها، ففضلا عن اعتياد طهران للعقوبات الأمريكية وابتكارها طرقا بديلة للتغلب عليها، أبرزها تهريب النفط عبر الأراضي والموانئ التركية لقاء عُمولات تحصل عليها أنقرة، وهو الأمر الذي تنظر المحاكم الأمريكية قضية مفتوحة بشأنها منذ العام 2016، متورط فيها "خلق بنك" التركي، وأكبر تجار الذهب في أنقرة، رضا ضراب، فإن إيران بجانب هذا التحايل السهل والمعتاد، تملك كثيرا من المفاتيح وعناصر القوة التي توفر لها متسعا لإثارة القلاقل وخلق إزعاج حقيقي للولايات المتحدة الأمريكي في عديد من المناطق الاستراتيجية بالنسبة لها، سواء عبر الميليشيات الشيعية والأحزاب والقوى التابعة لها في العراق، أو من خلال النظام السوري وحزب الله المنتشرين في سوريا، أو قواعد وصواريخ حزب الله المتأهبة في الجنوب اللبناني وقدرتها على تهديد تل أبيب وكل المدن الإسرائيلية تقريبا، أو الميليشيات الشيعية النشطة في اليمن وقدرتها على تهديد الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وربما تهديد قوات ووحدات أمريكية في دول مجاورة لليمن، أو حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة وقدرتها على تسخين أجواء المنطقة والتسبب في حرب جديدة تتورط فيها إسرائيل، مع ما يُحدثه هذا من ارتباك ضاغط على كل الأوضاع في المحيط العربي، بما فيها سوق النفط وإنتاج الدول الكبرى بالمنطقة، السعودية والعراق والكويت.

المؤكد أن حزمة العقوبات الأمريكية المرتقبة لن تمثل ضربة قاضية لطهران، ولا حتى التظاهرات المشتعلة في شوارعها الآن، فكما تعاملت مع العقوبات من قبل ستجد طرقا ومسالك للتعامل مع الحزمة الجديدة، وكما تجاوزت احتجاجات العام 2017 ستتجاوز الاحتجاجات الراهنة، لكن المشكلة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أنها لا تعرف بالضبط حدود الجنون الإيراني، مع معرفتها بحدود الانتشار الواسع لميليشيات الحرس الثوري والجماعات العنيفة المرتبطة عضويا بطهران أو المدعومة والموجهة منها، ما يُعني أن الولايات المتحدة حال استهدافها تحجيم إيران والضغط عليها بشكل جاد ومؤثر، فإنها لن تكتفي بحزمة العقوبات أو التهديدات المعلنة حتى الآن.

من المدخل السابق فإن واشنطن ربما تطوّر استهدافها لنظام الملالي في طهران، وتقطع خطوات أوسع وأكثر حدّة باتجاه حصار القوة الإيرانية المنتشرة إقليميا، وتأثيرات الاقتصاد والسلاح الإيرانيين في أيدي كثيرين من أعداء الولايات المتحدة بامتداد المنطقة، وهو ما قد يُعني تحرّكا غير مُتوقّع من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لخلق مأزق جديد للنظام الإيراني.

هذا التوقع ربما يعززه ما يتواتر بين وقت وآخر في تصريحات مسؤولين بالإدارة الأمريكية من معانٍ وإشارات بشأن حدود الرؤية الأمريكية للأوضاع في طهران، ففي تصريحات صحفية مفاجئة توقع المستشار القانوني للرئيس دونالد ترامب، رودي جولياني، ألا يستغرق النظام الإيراني الحالي أكثر من سنة قبل سقوطه تحت ضغط الغضب الشعبي وإجراءات الحصار والخنق الأمريكية. 

"جولياني" قال في تصريحات نقلتها قناة "الحرة" الأمريكية، إن قرار البيت الأبيض بإعادة فرض عقوبات أمريكية على إيران هدفها "خنق نظام آيات الله الديكتاتوري وصولا إلى تغييره"، مشيرا إلى أن هذه التحركات الجادة بدأت بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، واصفا قرار "ترامب" في هذا الشأن بأنه "إيجابي وخطير"، ومشددا على أن واشنطن "تستطيع الآن رؤية نهاية النظام الإيراني، فعندما تتوقف أعظم قوة اقتصادية في العالم عن التعامل معها تجاريا فإنها ستبدأ الانهيار، وستصبح العقوبات أعظم وأعظم، فقد حان وقت التغيير في إيران".

تصريحات مستشار الرئيس الأمريكي لا تُعني مجرد إشارة إلى الجانب الظاهر والمحتدم من الصراع، والتحركات المعلنة في الأطر الدبلوماسية والاقتصادية وخطوات الحصار التجاري، ولكنها قد تشير إلى تحركات أكثر جدية وعمقا، سواء بدعم عناصر من قادة الحراك السياسي والشعبي في الداخل الإيراني، أو بالضغط لتقويض تحالفات إيرن وتقطيع أذرعها الإقليمية، بشكل يضمن انحسار خطوط التواصل مع كثير من المناطق الساخنة، ما يُقلل قدرتها على المناورة وتوظيف ملفات المنطقة للإبقاء على حضورها المؤثر في معادلاتها، وهذه الخطوات قد تكون مقدمة مهمة للقضاء على ألاعيب طهران وآليات تحايلها على العقوبات وتهريب النفط، والأهم خسارة مجالها الحيوي الذي يضمن لها قدرة أوسع على التنفس وتشكيل تهديد مباشر للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بشكل قد يردع واشنطن أو يجبرها أحيانا على التخلي عن خطط رغبات التدخل المباشر.

ما تشير إليه الصورة الراهنة فيما يخص مستقبل طهران وما تخبئه لها الأيام خلف ظهرها، يؤكد أن نظام الملالي سيواجه أياما قاسية خلال السنة المقبلة، سيفقد كثيرا من قدراته الاقتصادية، كثيرا من مجاله الحيوي سياسيا وعسكريا، وكثيرا من الدعم والمساندة المتحققة على المحور التركي في تهريب النفط، أو على المحورين العراقي والسوري في تسخين الأوضاع وتهديد الوجود الأمريكي بالمنطقة.. وهذه المتاعب قد تسهل مهمة واشنطن في التدخل المباشر لإنجاز هدفها الذي يبدو نهائيا، وأفصح عنه مستشار ترامب في إطار تجهيز المنطقة لقبول هذه النهاية الطبيعية لنظام الملالي، بعد 40 سنة تقريبا من الإمساك برقبة إيران، ووضع الأحذية على رقاب الإيرانيين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق