قصة إمبراطورية الإخوان الاقتصادية: أموال بريطانيا الحرام أول القصيدة

الأحد، 01 يوليو 2018 07:00 م
قصة إمبراطورية الإخوان الاقتصادية: أموال بريطانيا الحرام أول القصيدة
جماعة الأخوان المسلمين
كتب محمود حسن

- أول أموال نالها الإخوان كانت من الإدارة البريطانية لقناة السويس

- أسس البنا 7 شركات ضخمة مكنت الإخوان من بناء التنظيم الخاص وشراء السلاح

- «الشريف للبلاستيك» أول شركة استخدمها الإخوان لبناء الإمبراطورية المالية 

- نصف مليار جنيه «اشتراكات الإخوان» فى منتصف التسعينات

- الإخوان استخدموا أموالهم فى «الجمعيات الخيرية» لاستقطاب البسطاء

- تحقيقات فى 2007 تشير إلى إدارة خيرت الشاطر لـ 900 شركة أموال إخوانية

- الإخوان امتلكوا 116 «مجمع مدارس» وصراع على إحداها يكشف المستور

- 61 مليار جنيه حجم أموال الإخوان المتحفظ عليها منذ 2013 وحتى اليوم



لا يحتاج الإرهاب فقط إلى أفكار متطرفة، وأشخاص أعمى الحقد والكراهية بصيرتها، بل يحتاج إلى الكثير من المال، فبالمال يمكن شراء الضمائر والذمم ويستقطب البسطاء والفقراء، وبالمال أيضا يشترى السلاح والمتفجرات، وتتوافر الملاذات، وتبنى معسكرات التدريب.

أدركت جماعة الإخوان منذ لحظة تأسيسها الأولى على يد حسن البنا فى الإسماعيلية أهمية المال فى تحقيق انتشارها وأهدافها، وشرع منذ اللحظات الأولى لظهور الجماعة على بناء نظام مالى جعل منه قوة مالية ضخمة فى بلد لطالما شهد مشاكل اقتصادية، وتعرض هذا النظام للضربة الأمنية الكبيرة فى عام 1954 وتوقف نشاط الجماعة خلال فترة عبد الناصر، وهو ما دفع بالمؤسسون الجدد لعودة الجماعة منذ 1974 لتأسيس نظام مالى شديد التعقيد صعب التتبع وأكثر ضخامة من محاولات حسن البنا، بل واستخدام هذا المال فى خلق دولة موازية داخل الدولة، تجتذب المزيد من الفقراء وتستميلهم، بل وتصل إلى «الطبقة الوسطى» المنهكة والمثقلة بالأعباء الاقتصادية، هذه قصة "المال" فى جماعة الإخوان الإرهابية، وهى قصة يحبس الإنسان أنفاسه وهو يتابعها.

- أموال الاستعمار البريطانى التى صنعت اقتصاد الإخوان
 

كان أكثر ما استفز حسن البنا فى مدينة الإسماعيلية هو التباين الشديد بين أوضاع العاملين الأجانب فى شركة قناة السويس التى كانت واقعة تحت يد إدارة إنجليزية فرنسية، وبين العمال المصريين، وكانت أول لبنة فى بناء الإخوان المسلمين أن استغل حسن البنا هذا التفاوت الطبقى الرهيب وأعزاه إلى أسباب "اضطهاد الغرب للإسلام"، لكن شركة "قناة السويس" وإدارتها والتى امتازت بالذكاء قطعت عليه الطريق عبر تبرعها الأول للجماعة لإنشاء مسجد ومدرسة لصالح الجماعة فى مدينة الإسماعيلية.

 

الغريب أن حسن البنا قبل هذا المال، وبالفعل بنى مسجدا تديره الجماعة، ليكون مركزا لها، ليضع بذلك حجر الأساس والقانون المنظم لاقتصاد الجماعة ونظامها المالى: "نقبل المال من أى مصدر كان ونستخدمه لمصلحتنا".

 

- نظام الاشتراكات.. المال الذى ينهمر دون توقف
 

مع توسع الجماعة وانتقالها إلى القاهرة وضع حسن البنا نظاما ماليا هو نظام "الاشتراكات المالية" والذى تطور عبر السنوات ليكون نظاما إجباريا، يقوم كل "عضو عامل" فى الجماعة بسداده بنسبة من راتبه بشكل إلزامى.

 

وامتاز هذا النظام بالسرية والتعقيد، لكن الأوراق التى كشفت عنها أوراق القضية العسكرية رقم 11 لسنة 1995، والتى كانت واحدة من ثلاث قضايا عسكرية خضع لها قادة جماعة الإخوان فى هذا العام، كان بينها تفاصيل النظام المالى الإخوانى للاشتراكات، والذى ضبط بمكتب القيادى الإخوانى حسين شحاتة، استاذ المحاسبة بجامعة الأزهر.

 

وكشفت المحاكمة العسكرية أن النظام المالى الإخوانى كان فى هذا الوقت قد اصبح من الضخامة بحيث احتاج إلى تنظيمه عبر مكتب محاسبة، وبلغ قيمة الاشتراك الشهرى للفرد بالجماعة فى هذا الشهر نسبة 8% من دخل العضو الإخوانى، ويدفع جميع أعضاء الجماعة هذا الاشتراك باستثناء "الطلبة" و"السيدات"، والفقراء الذين يتقدمون بطلب خاص لإعفائهم.

 

أوراق القضية تكشف أن نظام الاشتراكات كان يدر فى هذا الوقت حوالى 40 مليون جنيه مصرى أو حوالى 480 مليون جنيه سنويا، قبل 23 عاما من اليوم، وكى نستطيع أن ندرك مقدار ضخامة هذه الأموال، فإن حجم التداول فى البورصة فى هذا العام وفقا لبياناتها المنشورة فى هذا العام كان قد بلغ 423 مليون جنيه، أى أن الجماعة كان لها دخل مالى يزيد عن إجمالى جميع التداولات بالبورصة.

 

لكن هذا النظام المالى للاشتراكات والذى كانت مداخله عام 1995 نصف مليار جنيه، لم يكن فقط معتمدا على هذا الدخل الضخم، من الأفراد، بل كانت الأموال تذهب إلى استثمارات أخرى فى نظام مالى معقد من الاستثمارات والشركات.


- شركات الإخوان.. حكاية بدأها حسن البنا وختمها خيرت الشاطر

 

فى عام 1939 كان حسن البنا أول من انتبه إلى ضرورة استثمار أموال الاشتراكات الضخمة فى شركات تدر ربحا إضافيا على الجماعة، وفى أوراقه المنشورة بعنوان "مذكرات الدعوة والداعية" تحدث عن استثمار الأموال فى "شركة" خاصة،والتى حملت اسم "شركة المعاملات الإسلامية للإخوان المسلمين.

 

ويشرح حسن البنا فى كتابه طريقة عمل الشركة حيث يقول: "رأس مال الشركة مقسم إلى ألف سهم، قيمة كل سهم اربعة جنيهات، يعتبر شريكا بسهم كل من يدفع عشرة قروش شهريا مدة أربعين شهرا كاملا بدون انقطاع، ويجوز دفع قيمة السهم دفعة واحدة أو دفعات فى مدة أقل، لجمعية الإخوان المسلمين فى القاهرة بعد تأسيس الشركة أخذ 2.5% من رأس المال والأرباح تصرف فى مصارفها الشرعية، وتوزع الأرباح سنويا كالآتى 10% مكافأة لمجلس الإدارة، 20% فى الاحتياطى ، 50% لأصحاب الأسهم".

 

بدأ الإخوان استثماراتهم بإنشاء مطبعة للجماعة، فى منطقة "الغورية"، ووجه دعوة إلى الإخوان المسلمين فى أنحاء مصر بالاكتتاب فيها، قائلا: " فعلى الذين يحملون أمانة الإخوان المسلمين في كافة الشعب أن يقوموا بواجبهم حيال هذا المشروع الأول من مشروعاتها المقبلة، وأن يكون قيامهم هذا خالصاً لوجه الله تعالى وإعلاء كلمته".

 

حين نتتبع الشركات التى أسسها حسن البنا، والتى ذكرها القيادى الإخوانى محمود عبد الحليم، الملازم لحسن البنا ومؤرخ الجماعة، فى كتابه "الإخوان المسلمين أحداث صنعت تاريخ" نجد أن حسن البنا حول الجماعة إلى شركة اقتصادية عملاقة، فمما يذكره محمود عبد الحليم من شركات الإخوان كل من:

 

شركة الإخوان للمعاملات الإسلامية التى أسست برأس مال 4 آلاف جنيه سنة 1939 ثم أصبح رأسمالها فى 1945 ما يعادل 20 ألف جنيه وهو مبلغ ضخم فى هذا الوقت، وأصبحت الشركة فى سنوات قليلة تمتلك شركات داخلية مثل مصنع للنحاس ومصنع لإنتاج "وابور الغاز"، وكذلك  امتلكت سيارات لنقل البضائع.

 

الشركة العربية للمناجم والمحاجر، والتى تاسست فى سنة 1947 برأس مال 60 ألف جنيه فشركة المعاملات تملك سيارات نقل، وتوكيل لسيارات من أمريكا ، ومصنعا للبلاط والاسمنت، وورشة ميكانيكية. شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج، وتأسست برأس مال 8 آلاف جنيه، وانتجت اقمشة الحرير والدمور والكتان.شركة الإخوان للطباعة، والتى كانت تصدر 11 جريدة مختلفة.شركة التجارة وأشغال الهندسة لإنتاج مواد البناء والصابون ومستلزمات الكهرباء والسباكة.شركة التوكيلات التجارية، والتى عملت فى أنشطة التجارة والنقل والإعلان وكان مركزها الرئيسى فى مدينة السويس.شركة الإعلانات العربية.

 

وهكذا امتلك الإخوان المسلمين شركات تعمل فى جميع المجالات تقريبا، فى خلال 10 سنوات فقط من عمرهم، دفعتهم للتوسع وشراء الأسلحة الخاصة بالتنظيم الخاص، حتى باتوا خطرا حقيقيا يهدد المجتمع المصرى عبر تلك القوة.

 

- السبعينات.. حين عاد الإخوان وشركاتهم

 

عادت جماعة الإخوان المسلمين للعمل بداية من عام 1974 حين أفرج عن كوادرهم من السجون، وكتلازم للنشاط التنظيمى عاد إلى العمل النشاط الاقتصادى، فى دراسة نشرت حول "اقتصاد الإخوان" تحت عنوان "اقتصاد الإخوان رؤية اشتراكية"، يقول القائمون على الدراسة إن نظرة على مجلة الدعوة الناطقة باسم جماعة الإخوان المسلمين فى السبعينات تبين حجم هذا الاقتصاد.

 

فالمجلة احتوت على مئة وثمانين صفحة من الإعلانات الملونة، اشترى 49 صفحة مقاولون وشركات عقارية و52 صفحة اشترتها شركات لإنتاج الكيماويات والبلاستيك و20 صفحة لمستوردي السيارات و12 صفحة لبنوك إسلامية وشركات استثمار"، أما نصف الإعلانات فكانت لثلاثة شركات هي الشريف للبلاستيك وشركة مسرة للمقاولات ومودرن موترز.

 

الشريف للبلاستيك تحديدا كانت نقطة انطلاق خاصة ومختلفة لاقتصاد الإخوان ففى كتابه "الإخوان المسلمون بحثا عن الشرعية.. السلطة والإسلام السياسي في مصر في عهد مبارك"، يرصد هشام العوضى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالكويت رحلة هذه الشركة، ففى بداية السبعينات أدار الكادر الإخوانى "أحمد عبيد" الخارج من سجون عبد الناصر حديثا الشركة لصالح رجل الأعمال عبد اللطيف الشريف – إسلامى مستقل وغير منتم للإخوان - والذي كان قبلها يملك مؤسسة صغيرة لتصنيع المنتجات البلاستيكية، كانت الشركة فى هذا الوقت لم تزل شركة صغيرة، وبدأ عبيد فى استثمار أموال الإخوان داخل الشركة، لتتحول من شركة ذات رأس مال صغير لا يتجاوز مليون جنيه فى عام 1975 ليصل إجمالى رأسمالها فى عام 1979 إلى 300 مليون جنيه مصرى.

 

أما راتب أحمد عبيد نفسه فقد كان فى عام 1974 ما قيمته 180 جنيه، ووصل فى عام 1979 إلى 5 آلاف جنيه مصرى، وهو مبلغ خرافى فى ظل أن راتب مدير عام فى شركة حكومية ذلك الوقت لم يكن يتعدى مبلغ 16 جنيه!.

 

وبدلا من العمل فى مجال "البلاستيك" توسعت أنشطة الشركة لتشمل بناء العمارات السكنية، تصنيع المنتجات البلاستيكية ومعدات الإضاءة ومواد التنظيف ،والمعدات الإلكترونية بالإضافة إلى كونها الشركة الأولى من شركات "توظيف الأموال" التى ظهرت فى مصر.

 

بعدها أسس "عبيد" شركة الحجاز الاستثمارية، والتى بدأت فى عمل استثمارات ضخمة فى مجال العقارات، وبالتزامن ظهر عدد آخر من الإخوان بأموال ضخمة مثل مدحت الحداد وشركته "الشركة العربية للتجارة والمقاولات" والتى كانت أول شركة تبنى مجمعات سكنية فاخرة وتحديدا فى منطقة "جانكليس بالإسكندرية"، وظهرت شركة "الأندلس والحجاز" والتى استثمرت فى بناء مدينة سكنية كاملة فى الإسكندرية، وقرية سياحية بمدينة مرسى مطروح هى قرية "أندلسية" والتى تم القبض فيها على مرشد الإخوان محمد بديع مختبئا بعد ثورة 30 يونيو.

 

وفى عام 1986 عاد من الخارج خيرت الشاطر الرجل الذى سيقود كل هذه الأنشطة الاقتصادية فى نظام معقد بل ويعيد استثمارها خارج مصر بالمشاركة مع "يوسف ندا" عن طريق "الملاذات الضريبية"، وهو ما سنتطرق إليه لاحقا.

 

وحتى اليوم وبعد مرور 5 أعوام كاملة على ثورة 30 يونيو، فإن المزيد والمزيد من الشركات الاقتصادية التى أدارها خيرت الشاطر لحساب الجماعة مازالت تتداعى، فقد استثمر الشاطر وتابعه حسن مالك أموال الجماعة فى جميع المجالات تقريبا بداية من الاستيراد والتصدير، وشركات بيع اجهزة الكمبيوتر وتجارة الملابس والكيماويات، وادوات الكهرباء وتشغيل المعادن والأدوية والطباعة، وتجارة الملابس وبناء هياكل الاتوبيسات ومزارع الأبقار والألبان، ومحلات البقالة والمقاولات، والسياحة والأخشاب، وغيرها من المجالات المختلفة.

 

وفى التحقيقات التى جرت أثناء القضية العسكرية لمحاكمة الإخوان عام 2007، اشارت التحقيقات إلى أن هناك 900 شركة تقريبا يمسك بخيوطها خيرت الشاطر وحسن مالك.

 

لكن الأموال الضخمة التى يتم استثمارها فى كل المجالات تقريبا لم تتوقف عند هذه النقطة، بل خرجت من مصر لتستثمر فى الملاذات الضريبية الآمنة فى جزر البهاما، وتحديدا فى "بنك التقوى".


المدارس الإخوانية بيزنس خاص
 

انتبه حسن البنا إلى أهمية المدارس كمعامل لتفريخ أفراد مخلصين لتنظيمه، وفى عام 1947 كان لدى الجماعة قبل حلها 29 مدرسة منتشرة فى أنحاء مصر، تدرس من رياض الأطفال إلى الثانوية، وتوقفت هذه المدارس عند قرار حل الجماعة على يد النقراشى باشا عام 1948، لكنها عادت من جديد للعمل سنة 1949 قبل أن تتوقف تماما بعد الضربة الأمنية التى تعرضت لها الجماعة سنة 1954.

 

وبعد عودة الجماعة للعمل فى السبعينات عادت من جديد لتأسيس تلك المدارس من جديد، والتى وصل عددها قبل قرار اعتبار الجماعة إرهابية فى 2013 إلى حوالى 119 مدرسة، أو بالأصح "مجمع مدارس" حيث تغطى المدرسة الواحدة جميع مراحل التعليم من رياض الأطفال إلى الثانوية، كما تنقسم إلى مدارس بنين وبنات منذ مرحلة رياض الأطفال، بمعنى أننا أمام حوالى ما يقرب من 1000 مدرسة امتلكتها الجماعة.

 

وكى ندرك هذا الحجم الحقيقى من الاستثمار، فإن نموذج مدارس "المدينة المنورة" التى أسستها الجماعة فى محافظة الإسكندرية عام 1986 يمكن أن يشرح لنا الحجم الضخم لهذا الاستثمار.

 

فقد لجأت الجماعة لتأسيس المدرسة، وتسجيلها باسم 2 من رموزها، هما محمود شكرى رئيس المكتب الإدارى للجماعة بمحافظة الإسكندرية خلال السبعينات والثمانينات، وجمعة أمين عضو مكتب إرشاد الجماعة والمقيم بالإسكندرية، وعند وفاة محمود شكرى فى عام 2010 برزت المشكلة التى تسربت انباؤها إلى الصحافة فى ذلك الوقت، فقد طلب جمعة أمين من ورثة محمود شكرى بيع حصة والدهم إلى رجل الأعمال الإخوانى السكندرى "خالد داوود"، بيعا صوريا لأنها فى الأصل أموال الجماعة، لكن الأبناء رفضوا معتبرين أن والدهم أمضى عمرا وجهدا كبيرا فى تأسيس هذه المدرسة، ولا يجب أن يخرجوا صفر اليدين من عملية البيع، وسرب أحمد خالد إلى عدد من الصحف أن قيمة المدرسة تتجاوز 50 مليون جنيه وأن جمعة أمين يريد أن يستولى عليها لصالحه وليس لصالح الجماعة، وظلت المشكلة بين ورثة "محمود شكرى" و"الجماعة" قائمة لسنوات طويلة حتى قامت لجنة أموال افخوان بالتحفظ على المدرسة فى 2014.


- كيف استخدم الإخوان إمبراطورية أموالهم فى توسيع انشطتهم

 

لا يمكن أن تكون كل هذه الأموال الضخمة غرضها الربح وتراكم الثروات فقط، فنحن أمام تنظيم ذو هدف سياسى توسعى واستحواذى بكل الوسائل، اصبح لدى الإخوان امبراطورية ضخمة اعادت استثمارها فى استغلال الفقراء وبناء الجمعيات الخيرية والتى هى في حقيقتها "جمعيات للتجنيد" واكتساب الانصار.

 

وينقل الدكتور رفعت السعيد، عن دراسة بعنوان حركة الإسلام السياسى، بأن جمعيات الإخوان انفقت حوالى 20 مليون جنيه عام 1989 على أنشطتها، وفى هذه الفترة أيضا تغلغلت الإخوان داخل النقابات المهنية مستخدمة قوتها المادية فى تحقيق طفرات انشائية وفى مشاريع العلاج والمعاشات من أجل الاستحواذ على هذه النقابات.

 

وفى كتاب "الإخوان المسلمين والمجتمع المدنى" لأحمد حسن حسين، يرصد كيف استخدم الإخوان هذه الأموال فى التغلغل داخل الأنشطة المجتمعية، فاستغل فاستغل نواب الإخوان هذه الأموال فى الترويج لأنفسهم فى مجالس الشعب، على اعتبار انهم هم من يحلون مشاكل المواطنين، كما هيمنوا على نوادى هيئات التدريس واستطاعوا الاستجابة لمتطلبات الأعضاء المالية والخدمية والصحية والسكنية، كما ظهروا فى كوارث سيول الصعيد والزلزال وقدموا مساعدات مالية ضخمة للمواطنين المنكوبين كما استثمروا الكثير من الأموال فى المستشفيات التى قدموها على أنها مستشفيات خيرية.

 

واستطاع الإخوان استغلال ضعف الأحزاب السياسية فخاضوا انتخابات اتحادات الطلاب وسيطروا عليها فى الثمانينات والتسعينات، ويقدر أحمد حسن بأن جمعيات الإخوان قدمت خدمات إلى 8 مليون مواطن، كما بلغت المساجد التابعة لها فى التسعينات إلى حوالى 6 آلاف مسجد، وانشأت مشروعات مثل "كفالة الأيتام" فى مشروع سمته "رعاية الأسرة المسلمة"، كان يكفل 78 ألف طفل يتيم فى السبعينات.

ويقدر الدكتور سعد الدين إبراهيم فى كتابه عن الإخوان المسلمين، أن الإخوان كانوا يسيطرون فى منتصف الثمانينات على 35% من الجمعيات الخيرية فى مصر، وارتفعت هذه النسبة عام 1991 لتصل إلى 43% من إجمالى الجمعيات الخيرية.

 

وبحدوث ثورة 25 يناير، انتقلت الجماعة فى استخدام اموالها إلى المرحلة الثانية من استخدام هذه الأموال، فبدأت فى تدريب كوادرها على السلاح مستغلة حالة الفراغ السياسى والأمنى، وبدأت فى تدشين مخازن الأسلحة المختلفة والتى بدأ استخدامها على استحياء بداية من مذبحة الاتحادية فى ديسمبر عام 2012 وبوقوع ثورة 30 يونيو بدأت جماعة الإخوان وحلفاؤها فى استخدام هذا السلاح فى مواجهة المواطنين والجيش والشرطة وتنفيذ العمليات الإرهابية المتعددة.

 

- بنك التقوى.. حين استخدم الإخوان "الملاذات الضريبية"

 

لعل فضيحة وثائق بنما التى ضربت العالم عام 2016 لفتت أنظار العالم إلى ما يسمى بـ "الملاذات الضريبية"، تلك الدول الصغيرة التى تتميز بنظام لا يدقق ضريبيا أو ماليا بشكل كبير فى الأموال الداخلة والخارجة، ما يجعل تلك الملاذات الضريبية مكانا آمنا لعمليات غسيل الأموال والتهرب الضريبى وغيرها من الأنشطة المالية المشبوهة.

 

لكن قبل الكشف عن وثائق بنما بـ 28 عاما، كان الإخوان يدركون هذه اللعبة جيدا، وتحديدا حين استخدم القيادى الإخوانى "يسوف ندا" وشريكه "غالب همت" جزر البهاما لتأسيس ما عرف بـ "بنك التقوى" والذى عمل على غسيل أموال نظام الإخوان ووضعها فى أعمال استثمارية بعيدا عن أعين الحكومات العربية، وإعادتها مرة أخرى فى شكل أعمال إرهابية.

 

الانظار ستنتبه إلى هذا البنك عام 1998 حين يتم اكتشاف صلة أحمد إدريس نصر الدين، أحد مؤسسى البنك بتفجير سفالرتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا، وكيف أنه استخدم أموال هذا البنك فى تأسيس "المركز الإسلامى فى ميلانو" والذى كان محطة أوربية لتجنيد أعضاء تنظيم القاعدة، وفى هذه اللحظة سيعلن فجأة يوسف ندا إفلاس البنك، رغم أن رأس ماله كان قبل 4 سنوات فقط من إعلان الإفلاس يقدر بـ 259  مليون دولار أمريكى.

وفى عام 2001 سيتبين صلة البنك فى تمويل أعمال هجمات سبتمبر عن طريق عدد من مساعدين أسامة بن لادن الذين عملوا بالبنك، وفى عام 2005  سيتم اكتشاف صلة البنك بأبو مصعب الزرقاوى، وخضر أبو هوشر بعد تخطيطهما لهجمات إرهابية على السياح فى الأردن، أودت بحياة 59 شخصا، من بينهم المخرج العالمى مصطفى العقاد مخرج فيلمى الرسالة وعمر المختار.

وقد أغلق البنك العام 2001 بقرار دولي من مجلس الأمن الدولي بعد اتهامات له بدعم وتمويل الارهاب.


لجنة التحفظ على أموال الإخوان قصة لم تنته بعد

 

بعد ثورة يونيو 2013 تنبهت الدولة خاصة إلى أهمية أموال الإخوان ونظامها المالى المعقد ودوره فى رعاية الإرهاب، وبالفعل تأسست لجنة لحصر أموال الإخوان والتحفظ عليها، ووفقا لمصادر ذكرت لـ "اليوم السابع" فإن اللجنة حصرت منذ 2013 وحتى نهاية 2017 ما قيمته 61 مليار جنيه للجماعة يديرها أشخاص، موزعة فى 400 شركة، و59 مستشفى و116 مجموعة مدارس.

 

ووافق مجلس النواب فى ابريل الماضى على مشروع قانون لمصادرة أموال الإخوان والجماعة الإرهابية، ورغم أن هناك جهودا ضخمة بذلت فى هذا الملف، إلا أنه يعتقد ان الجماعة احتاطت لمثل هذا اليوم جيدا وقامت بتهريب جانب كبير من ثروتها فى الخارج.

 

ولأن الجماعة استنفذت أغراضها من المجتمع المدنى الذى مولته لسنوات طويلة، تبين مثلا مجموعة من الاختلاسات قام بها الإخوان فى عدد من النقابات قبل الانسحاب منها عقب ثورة 30 يونيو، ولأن ما أتى بـ "الحرام" ذهب فى الحرام، فإن العام الماضى كشف عن وقوع عدد من الاختلاسات داخل الجماعة كشف عنها بعضهم مثل الإخوانى الإرهابى الهارب عز الدين دويدار والذى كشف عن قيام فرد واحد من الإخوان باختلاس 2 مليار دولار والهرب به، مدعيا أن لديه قائمة باسماء عدد من المتورطين من قيادات الإخوان فى اختلاسات ضخمة على مدار السنوات الماضية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق