حرب المياه والنار وكردستان.. هكذا يشن أردوغان حملة إجرام عثمانية جديدة على العراق

الثلاثاء، 03 يوليو 2018 02:00 ص
حرب المياه والنار وكردستان.. هكذا يشن أردوغان حملة إجرام عثمانية جديدة على العراق
الجيش التركي ورجب طيب أردوغان
حازم حسين

بات الحديث عن إضمار تركيا نوايا سيئة تجاه العراق أمرا رومانسيًّا، فخلال الأسابيع الماضية بدأت أنقرة اتخاذ خطوات عدائية واضحة تجاه الجار العربي، بشكل يفضح مخططات أردوغان تجاه بغداد.

قرون عديدة عانت فيها العراق، ضمن حزمة واسعة من الدول، سلسلة من الجرائم التي نفذتها الدولة العثمانية تجاه المناطق التي احتلتها واستنزفت ثرواتها، كان الظهير المحرك لها دائما إحساس الأتراك بتفوقهم العرقي وأفضليتهم على محيطهم الجغرافي والاجتماعي، وتطلعاتهم الإمبراطورية، وقدرا من الغطرسة والجلافة والدموية يخالط التركيبة النفسية والذهنية للتُرك.  

خلال الفترات الماضية لم يخل الأمر من مناوشات وتدخلات محدودة، منها تنفيذ ضربات جوية وعمليات إسقاط وعبور بري في مناطق من إقليم كردستان ومحيط أربيل، واليوم نفذت طائرات حربية تابعة للجيش التركي هجمات مباشرة ضد عدد من المناطق شمالي محافظة دهوك العراقية.

قناة "السومرية نيوز" العراقية نقلت عن شهود عيان قولهم، إن "طائرات تابعة للجيش التركي نفذت طلعات جوية ظهر الاثنين، شملت قصف جبل زركي قبالة مركز قضاء العمادية، لتتصاعد ألسنة النيران من المواقع والنقاط التي قصفتها الطائرات التركية" وقد أثار الهجوم حالة من الذعر وسط المدنيين وقاطني المنطقة، ولم تُحدد الجهات العراقية حجم الخسائر حتى الآن، بينما ما زالت الطائرات العراقية تواصل تحليقها في أجواء المنطقة.

التحركات التركية على صعيد الجبهة العراقية تتواصل منذ شهور طويلة، ودائما ترفع أنقرة مبررا وحيدا لها، هو تتبع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذي يعتبره النظام التركي تنظيما إرهابيا، بينما يحتجز زعيمه عبد الله أوجلان منذ سنوات طويلة.

رغم التدخل الفعلي الذي لم يتوقف، يبدو أن أنقرة وضعت في الأيام الأخيرة خطة للتصعيد، وهو ما يترجمه خروج وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم 19 يونيو الماضي، معلنا استعداد القوات التركية لاتخاذ ما وصفه بـ"خطوات حازمة" تجاه منطقة قنديل شمالي العراق، مدعيا أنها تشهد تمركزا كبيرا لمقاتلي حزب العمال.

وزير الخارجية التركي لم يوضح في تصريحاته التي نقلتها قناة "إن. تي. في" وقتها، طبيعة التدخل المرتقب من الجيش التركي في جبال قنديل، خاصة أن الطائرات التركية كانت قد قصفتها عدّة مرات في الأسابيع السابقة، ما يُعني أن التصعيد المخطط له من جانب أنقرة يتجاوز القصف الجوي إلى احتمالات التدخل المباشر بالاجتياح البري.

قبل تصريحات "أوغلو" أعلنت أنقرة مطلع يونيو الماضي، بدء توغل جيشها بشكل فعلي في مناطق عديدة شمالي العراق، رافعة الحجة نفسها تبريرا للتحركات المخترقة للقانون الدولي والسيادة العراقية، وترافقت مع الأمر نفسه خطوة عدائية أشد حدّة تجاه العراق، مع إدخال أنقرة سدّ "اليسو" للعمل بكامل طاقته تزامنا مع انطلاق فصل الصيف، ما حرّم العراق من نصف حصته المائية من دجلة وأدى إلى جفاف النهر.

في الأيام الأولى من يونيو الماضي فوجئ العراقيون بتراجع حاد في منسوب المياه بنهر دجلة، استمر حتى وصل لحالة الجفاف الكامل، وقال مدير مشروع سد الموصل، رياض عز الدين، في تصريحات صحفية وقتها، إن المياه المتدفقة في النهر من الاتجاه التركي انخفضت 50% عن مستوياتها المعتادة، لتنحسر لأقل من 390 مترا مكعبا في الثانية، مقارنة بـ700 متر مكعب في هذه الأوقات من العام.

"اليسو" يبعد يبعد حوالي 50 كيلو مترا عن الحدود العراقية، بدأت تركيا إنشاءه على أراضي القرية التي يحمل اسمها في العام 2006، بطول 1800 متر وارتفاع 140 مترا، وتبلغ تكلفته الإجمالية 1.7 مليار دولار، ومن المقرر أن يولّد 1200 ميجاوات من الطاقة الكهربائية، ويحرم العراق من نصف حصتها المائية، وقد ظهرت آثار تشغيل السد سريعا على العاصمة بغداد، ومناطق شاسعة من الموصل ومحيطها، ففي غضون ساعات من بدء التشغيل ظهر التراجع الحاد في تدفقات المياه، وقال مواطنون من سكان الموصل، بحسب تقارير صحفية وتليفزيونية، إن النظام التركي يعاقب المحافظة بعدما نجح أهلها في تحريرها من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي.

الخطوة التركية القاسية جاءت خلافا لما اتفق عليه وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي مع نظيره التركي في وقت سابق، ببدء تشغيل سد "اليسو" بنهاية يونيو ومرور فترة كبيرة من فصل الصيف، مع تشغيله بمستويات لا تؤثر على تدفقات المياه للعراق، وهو ما خالفته أنقرة تماما في خطوة لا يمكن اعتبارها حَسنة النية، وهي بجانب خطوات وتفاصيل أخرى تكشف مسلسل الترصد التركي للعراق، واستهداف أردوغان ونظامه لحكومتي بغداد وكردستان، ومساعيه لتقويضهما في الوقت الذي يتواصل فيه الدعم التركي لعناصر "داعش" والميليشيات الإسلامية المسلحة التي تجوب المثلث الساخن بين تركيا والعراق وسوريا. 

نظرة الجانب العراقي للتوغل التركي في الأراضي العراقية لم تنحصر في آثاره العسكرية والاقتصادية والأمنية، لكن مراقبين ومصادر مقربة من الحكومة العراقية في بغداد، أشاروا إلى احتمال وجود تفاهمات سرية بين أنقرة وحكومة كردستان، وأن النظام التركي يستغل آثار حالة الاحتقان التي سيطرت على الأجواء بين بغداد وأربيل عقب فشل انفصال كردستان عن العراق في الاستفتاء الذي جرى قبل شهور.

تصريحات وزير الخارجية مولود أوغلو، وتأكيدات رجب طيب أردوغان نفسه في وقت سابق أن عمليات الجيش التركي ستتواصل في شمالي العراق وسوريا، حتى "القضاء على آخر إرهابي يصوب سلاحه نحو تركيا" بحسب زعمه، قد ترجح فكرة التفاهمات مع حكومة كردستان، خاصة مع عدم تسجيل مسعود بارزاني وحكومته أي ملاحظات أو اعتراضات على الاختراقات التركية الدائمة لمجال كردستان الجوي وحدودها البرية، والأهم وجود أكثر من ألفي جندي تركي في "بعشيقة" منذ العام 2015، بحجة تدريب القوات المحلية في كردستان، بطلب من رئيس الإقليم مسعود بارزاني.

في السياق ذاته قال رئيس الوزراء التركي، قبل أيام من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت الأسبوع الماضي، إن الجيش التركي توغل 30 كيلو مترا داخل العراق وصولا إلى جبال قنديل التي يتحصن فيها مقاتلو حزب العمال الكردستاني، وهو ما اعتبره محللون توظيفا سياسيا للتحركات العسكرية بهدف تحقيق تقدم في الانتخابات، وفي الوقت نفسه تأكيد التصريحات المتواترة من مسؤولين أتراك في إطار التمهيد لحملات أوسع من التدخل.

الخطط التركية لا تتوقف على جبال قنديل، ففي كلمة سابقة قال "أردوغان" إن قواته ستواصل مهاجمة معسكرات الأكراد شمالي العراق، وتضع "سنجار" و"مخمور" ضمن أهدافها المحتملة، في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة المركزية في العراق اعتراضاتها وإدانة التجاوزات والخروقات التركية المتواصلة للقانون الدولي، وتواصل حكومة كردستان صمتها تجاه الأمر.

هكذا يبدو أن تركيا تواصل مخططها تجاه العراق بخطوات حثيثة، بين حرب النار التي تقذفها الطائرات العسكرية التركية على مناطقها وساكنيها ليل نهار، وحرب الماء ومساعي تجفيف نهر دجلة، وأخيرا حرب كردستان واستغلال مشاعر الغيظ التي تسيطر على مسعود بارزاني بعد فشل تحركاته، ونجاح الحكومة المركزية في إحباط مخططات كردستان للانفصال.. ويبدو أن أردوغان لن يتوقف عن هذه الجريمة العثمانية الجديدة بحق العراق.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة