نار في واشنطن وزيت في طهران.. صراعات السياسة تعيد رسم خريطة الاقتصاد في العالم

الأربعاء، 04 يوليو 2018 04:00 م
نار في واشنطن وزيت في طهران.. صراعات السياسة تعيد رسم خريطة الاقتصاد في العالم
حقل نفط
حازم حسين - وكالات

لا يبدو أن سوق النفط تسير باتجاه الاستقرار، فرغم استجابة منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" لرغبة السعودية وروسيا في زيادة الإنتاج، وتراجعها جزئيا عن قرار خفض الإنتاج، ما زالت الأمور مضطربة في القطاع.

القرار الذي أقرته المنظمة خلال الأسبوع الماضي، يقضي بزيادة الإنتاج مليون برميل، في تراجع جزئي كبير عن قرار اتخذته أواخر 2017، ومددته في الشهور الأولى من العام الجاري، بتخفيض حصص الإنتاج للدول الأعضاء وحلفاء المنظمة من الخارج بواقع 1.8 مليون برميل يوميا.

كان متوقعا أن يقود قرار أوبك إلى ضبط الأوضاع في سوق النفط، والحفاظ على الأسعار مستقرة في مستوى 75 دولارا للبرميل، مع بدء اتجاه تنازلي في الأسعار لاحقا لتصل إلى مستوى 70 دولارا، بعد أسابيع من تنفيذ القرار الذي بدأ سريانه مطلع يوليو الجاري، وتعويض كبار المشترين للفواقد الكبيرة في مخزونهم خلال فترة تقليص الإنتاج.

التصور النظري فيما يخص تأثير القرار الإيجابي على الأسعار لم تثبت صحته، فخلال الأيام الماضية واصلت سوق النفط حالة السخونة التي تشهدها منذ شهور، لترتفع الأسعار في تداولات الأربعاء لمستويات أكبر من كل التوقعات السابقة.

بحسب مؤشرات التداول، فقد سجلت أسعار النفط في العقود الآجلة ارتفاعا قدره 37 سنتا، بنسبة 0.4% في سعر خام غرب تكساس الوسيط، بينما كانت تسويته السابقة عند مستوى 74.51 دولار للبرميل، بينما سجل الخام القياسي من مزيج برنت 78.04 دولار للبرميل، بزيادة 28 سنتا بنسبة 0.4% أيضا عن التسوية السابقة.

تأتي هذه الزيادة بالتزامن مع عطلة عيد الاستقلال في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتعطل فيها كثير من الأعمال في إحدى أكبر الدول استهلاكا للنفط، ما يُعني أن الأسواق قد تشهد مزيدا من الطلب عقب انتهاء العطلة، وبالتبعية ستشهد مزيدا من السخونة في مستويات الأسعار.

الزيادة الجديدة تأتي مدفوعة بحالة المخزون الأمريكي من الوقود والنفط الخام، الذي أظهرت تقارير حديده تراجعه بشكل كبير، مع تصاعد طلبات المصافي ومعامل التكرير، والآثار الضاغطة لتوقف منشأة "سينكرود كندا للرمال النفطية" في ألبرتا، التي يبلغ إنتاجها 360 ألف برميل يوميا، وكان يذهب للولايات المتحدة، ويُرجح أن يتواصل توقفها حتى نهاية يوليو الجاري.

أحدث الأرقام حول مخزون الولايات المتحدة، بحسب تقرير لمعهد البترول الأمريكي، أظهرت تراجع مخزون الخام بواقع 4.5 مليون برميل، ليسجل 416.9 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 29 يونيو الماضي، وهو ما تبعه بحسب التقرير انخفاض مخزون نواتج التقطير من البنزين والديزل ووقود التدفئة.

بجانب الضغط الكبير على المخزون الأمريكي، الذي كان سببا في مطالبة الرئيس دونالد ترامب قبل أيام للمملكة العربية السعودية بزيادة إنتاجها، وتوفير مليوني برميل زيادة عن المعدلات الطبيعية، فإن أجواء الصراع المحيطة بقطاع النفط، والاقتراب المتوجس من حزمة العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران، وفق مقدمتها وقف استيراد النفط الإيراني، تأتي في مقدمة العوامل الضاغطة على توازن العرض والطلب في سوق النفط الدولية، بشكل يُرجح دخول موجة جديدة من الزيادة، أو المعاناة من فقاعة طارئة في مستويات تدفق الخام وسياسات تسعيره.

الصادرات الإيرانية التي تتجاوز مليوني برميل يوميا، تمثل شرارة وشيكة تهدد سوق النفط، التي راهن المتعاملون فيها على أن يسهم قرار زيادة ضخ دول أوبك وحلفائها، وعددهم 24 منتجا، لتدفقاتهم بواقع مليون برميل يوميا، في الخروج من حالة الاحتقان التي سيطرت على السوق طوال الشهور الماضية، بينما يبدو الآن أن المليون برميل المضافة حديثا للسوق ستتبدد آثارها الإيجابية مع خروج مليوني برميل من الأسواق رسميا تحت ضغط العقوبات الأمريكية.

المشكلة التي تقف سوق النفط مكتوفة اليدين قُبالتها، لا تنحصر فقط في سدّ منافذ إيران على الأسواق العالمية، وحرمان المشترين من تدفقاتها الكبيرة، لكن الموقف الإيراني تجاه العقوبات الأمريكية التي يُنتظر سريانها في نوفمبر المقبل، يُهدد بمزيد من الاشتعال عبر مستويين، الأول خبرة إيران الطويلة في اختراق العقوبات وتسريب صادراتها النفطية للأسواق الدولية رغم الحظر، بمعاونة من تركيا وروسيا وبعض الدول الإقليمية، ما يُعني احتمال تضخم المعروض بشكل يضغط على الدول المنتجة ويقود لخطوات ترشيدية للإنتاج، والمستوى الثاني يتمثل في خطورة التهديدات التي ردت بها طهران على فكرة العقوبات.

مع بدء الحديث عن حزمة العقوبات الجديدة، وإشارة "ترامب" إلى سريانها اعتبارا من نوفمبر، وضغوط واشنطن على حلفاء الولايات المتحدة للالتزام بها، مع الحديث عن توزيع حصة إيران على عدد من دول أوبك الكبرى، وتنسيق أوبك مع روسيا ودول أخرى من خارج المنظمة لزيادة إنتاجها اعتبارا من يوليو الجاري، لتعويض غياب إيران وتأثر تدفقات النفط من ليبيا وفنزويلا، هددت طهران بالانسحاب من منظمة الدول المصدرة للبترول.

قالت إيران في تهديدها إنها "لن تقبل أن يجني منتجون آخرون ثمار الانتعاشة في سوق النفط بالاستحواذ على حصتها"، مهددة على لسان مندوبها في منظمة الدول المصدرة للبترول بالانسحاب من المنظمة حال توزيع حصتها على الأعضاء، أو زيادة بعض أعضاء المنظمة للإنتاج بشكل يفوق حصصهم، وخطورة هذا التهديد أنه يُعني انشقاقا كبيرا في صفوف المنظمة، وخروج إيران من دائرة التنسيق مع قادة السوق، وتحللها من ضوابط الإنتاج وتوزيعات الحصص، بشكل قد يدفعها لارتكاب خطوات قد تكون حمقاء ومستنزفة لثرواتها ومخزونها، بزيادة الإنتاج من طرف واحد، لكن آثار حماقتها ستكون قاسية على أوبك وحلفائها.

وسط هذه التوترات، شهدت أسواق المال في أنحاء العالم اهتزازات وتذبذبات ملحوظة، في ظل تصاعد المخاوف بشأن استقرار قطاع الطاقة، وزيادة حدة الصراع في ملف الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وكانت الأسهم الأوروبية الأكثر تأثرا، إذ تراجعت في تعاملات اليوم الأربعاء بعدما حظرت "مايكرون" الأمريكية بيع رقائق للصين، وأيضا انخفض مؤشر قطاع التكنولوجيا الأوروبي 0.5%، مدفوعا بالأثر السلبي لهبوط أسهم "إس. تي مايكرو" لصناعة الرقائق، وشركة إنفينيون، بنحو 2%.

مؤشر ستوكس 600 الأوروبي تراجع 0.2% صباح الأربعاء، كما تراجع مؤشر فايننشال تايمز 100 البريطاني 0.3%، وتراجع مؤشر داكس الألماني 0.2%، وتأتي هذه التقلبات قبل أقل من يومين على بدء فرض رسوم جمركية على واردات بضائع صينية بقيمة 34 مليار دولار، والذي أقرت واشنطن سريانها اعتبارا من الجمعة المقبلة.

على الجانب المقابل، تواصل الصين تحركاتها المضادة لهذا الموقف الأمريكي، وتتواصل مع الدول الأوروبية الأعضاء في مجموعة الدول السبع الكبرى، سعيا لممارسة ضغوط على الولايات المتحدة، بينما تضغط واشنطن على حلفائها لإقرار عقوباتها الجديدة على إيران، وتتواصل بكين وأوروبا حاليا بشأن إيران، وتبحث روسيا ملف العقوبات المرتقبة على إيران، وتزيد إيران تدخلاتها في سوريا والعراق، وتخسر الولايات المتحدة مزيدا من الأرض في هذه الساحات، فتزيد غطرستها ضد إيران وروسيا، فيُصعّد البلدان في مناطق نفوذهما، هكذا تستمر الدائرة المغلقة من التداخلات بين السياسي والاقتصادي.. وتستمر الآثار السلبية المنعكسة على قطاعات الطاقة وأسواق المال، ويبدو أنها ستتصاعد.

ارتفعت أسعار النفط اليوم الأربعاء بعد تقرير يظهر تراجع مخزونات الوقود الأمريكية في ظل توقف منشأة سينكرود كندا للرمال النفطية في ألبرتا والتي عادة ما تورد للولايات المتحدة.

 

كما وجدت أسعار النفط دعما في العقوبات الأمريكية الوشيكة على إيران، والتي تنذر بقطع إمدادات عن سوق شحيحة بالفعل رغم تعهد منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك بزيادة الإنتاج لتعويض أي نقص في المعروض بسبب تعطل الإمدادات.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة