التربية السياسية

الإثنين، 16 يوليو 2018 12:37 م
التربية السياسية
منى أحمد

تصريحات وزيرة الصحة الجديدة بتعميم إذاعة السلام الجمهورى وأداء الأطباء للقسم يومياً بالمستشفيات الحكومية أثارت موجة جدل كبيرة فى الرأى العام فى مصر والذى يعانى من تردى أوضاع المؤسسات الصحية.
 
هذه التصريحات المثيرة للجدل لم تكن الأولى بلى سبقها تصريحات لمسئولين ووزراء سابقين، وهو ما أعاد طرح  قضية الوزير التكنوقراط  بخلفيته الإدارية أم الوزير السياسى صاحب الرؤية الشمولية الواضحة، والذى تربى سياسيا فى مدرسة العمل الحزبى وتدرج بكوادره  وتعلم كيف ينفذ برنامج حزبه  بحس شعبوى من خلال ممارسة حقيقة ودراية كاملة بالمتطلبات العامة للشارع المصرى.
 
مصر طبقت هذه التجربة الثرية مابين 1923 و1952 فكانت هناك وزارات سياسية تولاها وزراء بعيدين فنيا وادريا،  ففى ظل حكومات حزب الوفد شغل الوفدى الابرز فؤاد سراج الدين خريج الحقوق كلية الساسة فى ذلك الوقت مناصب وزراية متعددة مثل الزراعة والمالية، وكان من انجح وزراء الداخلية فى تاريخ مصر، كما كان  محمود فهمى النقراشى خريج كلية المعلمين، وهو الذى شغل منصب رئيس الوزراء بالإضافة لوزارة الداخلية، وهو  ممن يحسب لهم الفضل فى حل جماعة الإخوان المسلمين. 
 
واستمر الوزير السياسى حتى قيام ثورة 23 يوليو وإلغاء الأحزاب السياسية، وقتها انتهى عصر الوزير السياسى، لكن بعد مرحلة انتقالية ظهرت الحاجة لوزراء لديهم حس سياسى وتواجد جماهيرى فحلت منظمة الشباب التى أنشاها الرئيس جمال عبد الناصر محل الأحزاب لتنمية الوعى السياسى لطلاب الجامعات والمدارس، وبحل منظمة الشباب 1976‏ اختفت التربية السياسية للوزراء وشغل أساتذة الجامعات والكوادر الإدارية مقاعد الحكومة وتراجع دور الأحزاب عن تقديم القيادات.
 
وأصبحنا أمام تركيبة وزراء تكنوقراط،‏‏ وتحول العمل الوزارى من سياسى إلى إدارى ربما كان أداء بعضهم جيدا، لكن على الجانب الأخر كان للبعض الأخر تصريحات نارية غير مسئولة أطاحت بهم لعدم الإدراك والاستيعاب بالأبعاد والمقتضيات التى يتطلبها نظام سياسى عام وبين التى يحتاجها المجتمع‏، وأصبح لدينا فجوة كبيرة مابين الرؤية العامة ومابين آليات التنفيذ والقبول، وهذه الفجوة يصعب شغلها بدون وزير بحس سياسى لديه رؤية واضحة وإدراك كامل بالمسئولية الملقاة على عاتقه هدفها خدمة المجتمع، وتعكس قدرا من الانجاز والتفاعل الايجابى للنهوض وتحقيق التنمية التى تستهدف تحقيق تطلعات المواطنين مع وجود نائب تكنوقراط يمتلك الأدوات الفنية لتنفيذ السياسة العامة للوزير‏.
 
‏وزير بهذه المواصفات لن يأتى الا بوجود منظمات سياسية تهدف إلى تربية كوادر يمكن الاستفادة بهم،  ولعل المبادرة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى لتأهيل الشباب من خلال طرح البرنامج الرئاسى لتدريب الشباب واعداهم لتولى مناصب وزارية‏ خطوة جيدة، يجب أن يقابلها تفعيل لدور الأحزاب الهامشية التى أصابها الجمود، فلم يعد لها وجود ملموس على مستوى المواطن او فى الحياة السياسية، وتوقفت عند جيل بعينه، الأمر الذى أدى إلى أزمة حقيقية فى مختلف المجالات اسمها أزمة الصف الثانى وإعداد قيادات جديدة. 
 
المنصب الوزراى سياسى فى المقام الأول وله تبعات سياسية واجتماعية يحتاج لمسئول أكثر وعيا بتصريحاته، واكثر انضباطا، يعرف متى يصرح ومتى يصمت لتجنب الجدال وعدم القبول المجتمعى، خاصة فى تلك المرحلة لمجتمع منهك ومثقل بالأعباء.. مصر ألان تحتاج لوزير قادر على بلورة رؤية واضحة لمهام وزارته والتصدى للتحديات وطرح رؤى خلاقة للارتقاء بأدائها.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق