حدوتة مانديلا وبراند

الخميس، 19 يوليو 2018 01:22 م
حدوتة مانديلا وبراند
هبة العدوى تكتب:

الزمان :1964 
المكان :سجن روبن آيلاند النائي في جنوب افريقيا 
الشخوص :
مناضل الحرية المحامي الشاب (نيلسون مانديلا )  ..وحارس السجن الشاب (كريستو براند ) ..
***
الحدوتة :
(مانديلا السجين الأسود )
كان مانديلا هو السجين الأسود والمناضل ضد الفصل العنصري, هذا الذي تعرض لألف إهانة, وألف إذلال, وألف لحظة عصيبة أنهكته ..كادت أن تقتل روحه ..أو قل بالفعل قتلت داخله روح التسامح .. وفقط فجّرت بداخله الغضب والمزيد من الكراهية لنظام الفصل العنصري البغيض .. 
 
سُجِن مانديلا ..وفي السجن تعرض لمزيد من سياسات الفصل العنصري ..فإزداد حنقه وغضبه إشتعالا ..أريد أن أحطم قيودي بل وأحطمكم يا من صنعتم قيودي ..ولكن كيف حطم مانديلا قيوده ؟ 
 
***
 
(كريستو براند السجّان الأبيض )
كان كريستو براند السجّان الأبيض قد بدأ لتوه العمل في سجن روبن آيلاند .. علّمه رئيسه قائلا :
- السود ما هم إلا قطيعا من الحيوانات .. بل هم أسوأ .. 
خاطبه زميله السجّان معلما له حرفية مهنتهم :
-كلما قسوت علي تلك الحيوانات كلما نجحت في التعامل معهم ..
 
***
وجاءت المهمة ..كُلِف "براند "  بالإشراف علي زنزانة " نيلسون مانديلا" ..
لا بأس ..هذا مجرد شيخ عجوز ..هكذا حدث "براند " نفسه ..
كان "مانديلا"  قد بلغ الستين من عمره وقتها ؟؟ وكان يعامل "مانديلا" السجين, سجّانه "براند " بمنتهي الإحترام واللطف والمجاملة مما جعله يتعجب من فرط جمال تعامله ..
 
***
وتوطدت العلاقة ....
بمرور الأيام, نمي إحترام " كريستو براند " تجاه "مانديلا "شيئا فشيئا .. تطورت بينهم العلاقة حتي وصلت لصداقة, صداقة بين سجين وسجّانه..
 
***
ذات مرة سمع مانديلا, براند وهو يتحدث مع باقي زملائه السجانين عن علاقاتهم ببعضهم ..أنصت السمع لأصوات ضحكاتهم التي كانت من قلوبهم , عن عشقهم لأبنائهم, عن حبهم لآبائهم, عن حزنهم لفراق أصدقائهم, عن إنسانياتهم ..
لمسوا بإنساينتهم, قلب "مانديلا ".. فأدرك علي الفور أنهم أيضا "ضحايا نفس سياسات الفصل العنصري " .
***
تحولت حياة "كريستو براند " تماما, فكان يسعي دوما لكي يهرب أجود أنواع الأطعمة "لمانديلا"..يتحايل ليحضر له الرسائل ..يكسر من أجله كل لوائح السجن عندما يسمح له أن يري بل ويحمل حفيده الوليد ..
يقول براند فيما كتب في سيرته الشخصية :
-كان مانديلا يخشي أن يتم ضبطي ومعاقبتي ولهذا كتب رسالة لزوجتي يخبرها فيها إنني لابد أن أستكمل دراستي ..
 
***
لنقف هنا قليلا ونصنع (زووما ) بعدسة القلم علي هذا المشهد الإنساني الرائع :
- السجين يشجع السجّان أن يستكمل دراسته !
تُري لأي مدي توطدت بينهم العلاقة  الإنسانية !!
***
 
 السجين والسجان عائلة واحدة ..
كان  " براند " يجعل  (رايان ) ابنه الاصغر يحضر للسجن ليري "مانديلا" ..فنشأ الطفل علي حب هذا الشيخ العجوز..وكأنه جده الحبيب ..
كبر رايان ..وانتصر "مانديلا " بإنسانيته وجمالها ضد سياسات القبح وأصبح رئيسا لجنوب أفريقيا ..فمنح حفيده بالحب والصداقة  (رايان ) منحة دراسية حكومية ..
 
***
تحولت علاقة مانديلا بكريستو براند من علاقة (إنسان بشيء يضعه داخل إطار تصنيفي محدد يعتبره عدوه )
إلي علاقة (إنسان بإنسان يلمس فيها كل طرف قلب وروح الآخر ) ..يتفهم فيها كل طرف دوافع الآخر .. 
يقول مانديلا فيما كتبه بعد أن تحرر :
-وفي تلك السنوات الطويلة من العزلة والسجن تحولت رغبتي الجارفة في حرية شعبي إلي رغبة في حرية كل البشر, البيض منهم والسود ..
ويستكمل قائلا : 
-كنت أعرف جيدا أن الظالم لابد أن يتحرر مثل المظلوم تماما , فالظالم مثله مثل المظلوم من حيث إستلابه من إنسانيته ..
 
 تحررا من إطار السجين والسجان المظلم الذي تزداد معه الكراهية والإحتقان ..والبعد وتقطع أواصر المجتمع وضياع القضايا السامية ..
سمت روح كل منهم خارج الإطار .. فكسروا النموذج المتعارف عليه لعلاقة السجين بسجانه, وصنعوا نموذجهم الخاص الذي يضرب به المثل في الإنسانية,  وفي قدرة الحب بين البشر علي صنع المعجزات ..
***
الحب قوة, فلا تستهين أبدا بها.. 
ولا تجعل قلبك, مهما ظُلِمت في هذه الحياة ينسي أن قوته في قدرته دوما علي الحب .. 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق