الأستاذ حمدي يختطف «الإعلاميين».. هل قرر الكنيسي اعتبار النقابة مكافأة نهاية خدمته؟

الأحد، 05 أغسطس 2018 06:00 م
الأستاذ حمدي يختطف «الإعلاميين».. هل قرر الكنيسي اعتبار النقابة مكافأة نهاية خدمته؟
حمدي الكنيسي و"تأسيسية الإعلاميين" ومجلس النواب
حازم حسين

تمضي الأمور في مصر وفق إيقاع سريع، لا شيء يبقى على حاله، التغيير يطال كل شيء. الوزراء يرحلون والفساد يتداعى، لكن شيئا واحدا يظل على حاله رغم أنف القانون، هو اختطاف الكنيسي لنقابة الإعلاميين (تحت التأسيس).
 
رغم رحلته الإعلامية الطويلة وما حققه من حضور وانتشار ولمعان، لا يقتنع الأستاذ حمدي الكنيسي على ما يبدو بأن لكل زمن رجاله، وأنه يصعب أن تظل نجما ومتصدرا للمشهد طوال العمر. الكنيسي لا يستشعر أنه أدّى دوره وعليه الاحتجاب وترك الساحة لأجيال جديدة ودماء أكثر شبابا وحيوية، أو ربما قرر الرجل بإرادة فردية أن تكون نقابة الإعلاميين مكافأة نهاية خدمته.. حتى لو جاء هذا على حساب المنطق والقانون.
 

هل يسعى الكنيسي للبقاء طوال الحياة؟
 
خلال الشهور الماضية تداولت تقارير صحفية عديدة معلومات تشير إلى رغبة الإعلامي حمدي الكنيسي في البقاء نقيبا للإعلاميين بعد الانتهاء من تأسيس النقابة، رغم أن القانون يحظر عليه الترشح في أول انتخابات لمجلس النقابة. وقتها نفى الرجل ومقربون منه الأمر، وقالوا إن هذه التقارير مُغرضة وتستهدف تشويه النقابة ولجنتها التأسيسية.
 
رغم نفي الكنيسي ولجنته التأسيسية، والتهرب من الأمر، فإن تتبع تفاصيل المشهد وتصريحات رئيس اللجنة التأسيسية نفسه تكشف حقيقة الأمر، ففي تصريح لصحيفة «الدستور» بتاريخ 30 ديسمبر 2017، قال «الكنيسي» إنه يعتزم «الترشح على منصب نقيب الإعلاميين خلال أول انتخابات للنقابة، بعد فتح لجان القيد وتشكيل الجمعية العمومية»، بينما تنص المادة الثانية من قرار الرئيس بإصدار قانون النقابة، فيما يخص أعضاء اللجنة التأسيسية المؤقتة، على أنه «لا يجوز لأعضاء هذه اللجنة المؤقتة الترشح لعضوية أول مجلس نقابة للإعلاميين»، أي أن الأستاذ حمدي الكنيسي ينوي الترشح لمنصب النقيب بالمخالفة للضوابط القانونية التي استدعته للجنة التأسيسية للنقابة، ولا يمكن فهم التصريح في إطار عدم الإلمام بالقانون الذي يعمل من خلاله الأستاذ حمدي وفريقه، وربما كان يراهن على تعديل النص، خاصة أنه صرح في ندوة بـ«اليوم السابع» قبل سنة بأن «الدراما تاهت وسط القانون، كل منظومة وكل جهة يجب أن تعرف حدودها، وهذا يدفعنا للحديث عن تعديل تشريعي في قانون النقابة».
 
بين الموقفين تتأكد رغبة الأستاذ حمدي الكنيسي (77 سنة) في البقاء نقيبا للإعلاميين بعد استكمال إجراءات تأسيس النقابة وهيكل الجمعية العمومية الأولى، التي ستتولى إقرار اللائحة الداخلية وانتخاب أول مجلس في تاريخ النقابة. بالتأكيد لن يمكنه هذا في ظل النص القانوني الحالي، ما يُعني أننا بصدد تعديل القانون في الفترة القريبة المقبلة، أو على الأقل سعي الكنيسي وداعميه لطرح مشروع التعديل.
 

رئيس "تأسيسية الإعلاميين" يفصح عن نواياه
 
ربما يُبادر داعم للأستاذ حمدي الكنيسي أو للجنة التأسيسية لنقابة الإعلاميين، بنفي الحديث عن تعديل القانون بشكل يسمح بترشح الكنيسي أو أعضاء لجنته في أول انتخابات للنقابة. لكن الحقيقة أن النفي الذي حدث من قبل، أو الالتفاف على الأمر بتصريحات دبلوماسية غامضة، لم يعد متاحا الآن، إذ أفصح "الكنيسي" عن نواياه وخططه بشكل واضح.
 
بحسب تصريحات لرئيس "تأسيسية الإعلاميين" فإن هناك طلبًا مُقدّمًا لمجلس النواب بتوقيع 73 نائبا، لتعديل عدد من مواد قانون نقابة الإعلاميين، أو حسبما أسماه الكنيسي في تصريحه (تصحيح 6 مواد) مشيرا إلى أن أبرز المواد المطروحة للتعديل أو التصحيح هي المادة الخاصة بعدم جواز ترشح أعضاء اللجنة التأسيسية في أول انتخابات لمجلس النقابة. متابعا: "قانون النقابة يحتاج إعادة نظر في بعض مواده" مشيرا إلى أن عددا من المستشارين القانونيين استنكروا النص على عدم ترشح اللجنة التأسيسية لانتخابات المجلس.
 
ولفت "الكنيسي"، بحسب تصريحات نشرتها الزميلة "اليوم السابع" إلى أن اللجنة التأسيسية للنقابة - التي يرأسها- خاطبت القنوات الفضائية والإذاعات، لإرسال قوائم بأسماء ممارسي النشاط الإعلامي تمهيدا لقيد من يستوفون الشروط منهم، والنظر في أوضاع غير المستوفين، قائلا إن "المشكلة التي تواجهها اللجنة التأسيسية الآن تتمثل في أن عددا كبيرا من طالبي القيد لم يستكملوا أوراقهم".
 

لجنة غير قانونية تتلاعب بالقانون
 
ربما لا يكون السعي لتعديل القانون في ذاته مشكلة، حتى لو تلاعبت اللجنة التأسيسية بالأمر فنفته في وقت وأقرته في وقت آخر. لكن تظل المشكلة الأكبر أن اللجنة التأسيسية نفسها ليست قانونية، وتمارس مهامها بمخالفة صريحة وانتهاك واضح للقانون، ومن ثمّ ليس منطقيا أن تُطالب بتعديل قانون لم تحترمه، أو القول إنه يحتاج للتصحيح بينما الخطأ الحقيقي في وجود اللجنة وليس في القانون، وبالضرورة يحق الشك في نوايا اللجنة وأمانتها على مشروع القانون إذا كانت لم تحترم نصوصه الآن، إذ ما الذي يضمن أن تحترمه مستقبلا؟ أو تكون تعديلاتها موضوعية متجردة وللصالح العام؟
 
قبل سنتين و6 شهور تقريبا تأسست نقابة الإعلاميين بموجب القانون 92 لسنة 2016. وبحسب المادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية بإصدار القانون فإنه «يصدر رئيس مجلس الوزراء، بعد موافقة مجلس الوزراء، قرارا بتشكيل لجنة مؤقتة من أحد عشر إعلاميا من ذوي الخبرة، من العاملين في المجال الإعلامي العام والخاص، تتولى مباشرة إجراءات تأسيس نقابة الإعلاميين»، وتستكمل المادة الثالثة بالنص على أن «تُباشر لجنة التأسيس المشار إليها في المادة الثانية أعمالها بمجرد نشر قرار تشكيلها، وتضع لائحة تنظم طريقة عملها، وإجراءات اتخاذ قراراتها، وتتولى مؤقتا إدارة جميع أعمال النقابة المنصوص عليها في القانون المرافق، أو أي قانون آخر، وتنتهى مهمتها بانتخاب مجلس إدارة للنقابة، على أن يتم ذلك خلال ستة أشهر على الأكثر من تاريخ أول اجتماع لها».
 
بالنظر إلى صدور قرار رئيس الوزراء رقم 573 لسنة 2017 بتشكيل اللجنة المؤقتة لتأسيس النقابة، برئاسة الإعلامي حمدي الكنيسي، في مارس 2017، وبدء اجتماعاتها في الشهر نفسه، كان الواجب وفق نص القانون أن تنجز اللجنة كل أعمالها والمهام المنوطة بها في مدى زمني أقصاه سبتمبر 2017،. لكن حتى الآن لم تنجز اللجنة أعمال القيد، وأصدرت ميثاق الشرف بالقرار 17 لسنة 2017 ونُشر بالجريدة الرسمية في 20 ديسمبر الماضي، وبالتبعية لم تنظم انتخابات مجلس الإدارة، أي أن كل التزامات اللجنة التأسيسية خارج القانون تقريبًا، أحدها تحقق بعد أقصى موعد ممكن بثلاثة أشهر، وأغلبها لم يتحقق حتى الآن، بعد سنة وخمسة شهور من التأسيس، بل إنها اختارت المحامي أشرف عبد العزيز مستشارًا ووكيلا قانونيًّا في يناير 2018، بينما بنص القانون 93 لسنة 2016 يُفترض أن اللجنة أصبحت والعدم سواء منذ سبتمبر 2017.
 
وفق كل هذه التفاصيل فإن الرأي القانوني في ضوء النص القائم حتى اللحظة، يقطع بأن اللجنة التأسيسية لنقابة الإعلاميين قد استنفدت المهلة القانونية، التي نص عليها القانون بشكل توقيفي لا استرشادي، وتصريحات حمدي الكنيسي نفسه التي تتحدث عن "تصحيح مواد القانون" تشير إلى أن اللجنة ترى أن هناك خطأ ما، ربما تحاول تحميله للنص القانوني، لكن حقيقة أن القانون أسبق من اللجنة، فالخطأ بالتأكيد يخص اللجنة نفسها لا القانون. أي أن الأستاذ حمدي ولجنته موجودون بشكل غير قانوني حاليا، واستمرارهم مواصلة لانتهاك القانون والتلاعب به، والواجب على الحكومة والسلطة التشريعية التدخل لإنهاء هذه الحالة من العبث بالقانون.
 

سر تعطيل الجمعية العمومية
 
السؤال الأكثر سخونة في مشهد نقابة الإعلاميين الراهن، حول سرّ تأخر إجراءات القيد واستكمال الجمعية العمومية التأسيسية، اللازمة لإقرار اللائحة وإجراء الانتخابات. المنطق يشير إلى استحالة عجز اللجنة التأسيسية عن وضع قواعد القيد وإنهاء عضوية 1000 عضو للجنة التأسيسية خلال سنة وخمسة شهور. ووفق هذا المنطق قد يجوز الشكّ في أن هناك طرفا لديه رغبة في تعطيل الأمر، لحين إقرار التعديلات القانونية التي تسمح لأعضاء اللجنة التأسيسية بالترشح في الانتخابات.
 
الغريب أن اللجنة التي تتجاهل اختصاصاتها الأساسية، لا تتوقف عن إثارة أمور فرعية لا طائل من ورائها في مرحلة التأسيس. في وقت سابق خاضت صراعات مع الإعلاميين والقنوات الفضائية، واصطدمت بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. ومؤخرا أثارت مسألة مطالبة الحكومة بصرف بدل نقدي لأعضاء النقابة، بشكل يُحمّل الدولة مزيدا من الأعباء غير المبررة، في ظل أن كثيرين من الإعلاميين يتمتعون بوضع وظيفي واقتصادي جيد، وهياكل أجور مرتفعة نسبيا قياسا على الصحفيين الذين يحصلون على بدل للتكنولوجيا والتدريب. هذا الأمر يُعني أن "تأسيسية الإعلاميين" لا تكتفي بكونها عبئا ضاغطا على القانون فقط، وإنما تواصل ضغوطها لتتحول إلى عبء على الدولة، وعلى المنظومة الإعلامية بشكل عام.
 
بمنطق التفتيش عن صاحب المصلحة، لا يمكن النظر إلى تعطيل المهام الأساسية المنوطة باللجنة التأسيسية لنقابة الإعلاميين، وتأخير لجنة القيد وعمومية التأسيس واللائحة والانتخابات ما يقرب من ثلاثة أمثال المهلة المحددة قانونا، إلا باعتبارها أمرا يصب في المصلحة المباشرة لبعض أعضاء اللجنة التأسيسية، وفي مقدمتهم الأستاذ حمدي الكنيسي، الذي صرح بنفسه باستعداده الترشح لرئاسة النقابة قبل أكثر من ثمانية شهور، وهو يعلم أنه يُعلن عن موقف مخالف تماما للقانون، ثم أعلن اليوم عن دفعه بتعديلات قانونية إلى مجلس النواب، تسمح ضمن تفاصيلها العديدة بترشحه في الانتخابات. أي أن الأستاذ حمدي، وربما بعض أعضاء اللجنة التأسيسية، يتعمدون تعطيل اللجنة عن أداء مسؤولياتها، حتى يتسنّى لهم تغيير القانون بما يُحقق مصالحهم، وهذا الأمر يستدعي التوقف مع اللجنة وإنهاء عملها الذي تجاوزت فيه القانون، ليس فقط لتجاوز القانون، ولكن لتغليب المصالح الشخصية على الصالح العام.
 
حتى لو كان هذا القول سيثير ضيق الأستاذ حمدي الكنيسي - الذي نُكنّ له التقدير - فمن واجبنا القول إننا أمام حالة اختطاف مُتعمّدة لنقابة الإعلاميين، وتجاهل غير حميد للقانون ونصوصه، ووجود تنفيذي للجنة تأسيسية بعد انتهاء صلاحياتها القانونية بشهور. يمارس فيها الأستاذ حمدي مهامًا ليست من حقه حاليا بقوة القانون وقرار رئيس الوزراء، والخطر أن يُثار نزاع قانوني يقودنا إلى حكم قضائي بإلغاء كل ما ترتب على وجود لجنة غير قانونية في إدارة النقابة.. والحقيقة أنه من غير المفهوم أن يصمت المعنيون وأصحاب الحق في النقابة وانضباط العمل الإعلامي ونزاهة الأطر القانونية، على ما يحدث في نقابة الإعلاميين، أو الإقرار الصامت للأستاذ حمدي بأن يعيد ضبط الأوضاع حسب هواه وما يُناسبه، أو يتعامل مع النقابة كمكافأة نهاية خدمة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق