هل يقتل مارك ربع سكان الأرض؟.. "فيس بوك" يغسل يديه بإعلان الحرب على ملياري شخص

الأحد، 12 أغسطس 2018 10:00 م
هل يقتل مارك ربع سكان الأرض؟.. "فيس بوك" يغسل يديه بإعلان الحرب على ملياري شخص
مارك زوكربيرج وشعار شركة فيس بوك
حازم حسين

فيما يبدو أنه تحرك متأخر لمواجهة حالة التسيب التي تشهدها الشبكة الاجتماعية الأوسع انتشارا في العالم، أو مراوغة للهروب من اتهامات عديدة تلاحقها، تتجه "فيس بوك" لإقرار إجراءات حادة بحق فئات من المستخدمين.
 
الشبكة العالمية التي يستخدمها قرابة ملياري شخص حول العالم، بما يتجاوز 25% من تعداد سكان كوكب الأرض، تمثّل ذراعا اقتصادية ضاربة، ولكنها بجانب هذه القوة الاقتصادية فإنها تكتسب حضورا مؤثرا للغاية كقناة اتصال ووسيلة للربط الاجتماعي وبث المحتوى، ما يزيد من حدّة الآثار التي يمكن أن تنجم عن إساءة استغلال الشبكة، أو مغامرة القائمين عليها بالتغاضي عن بعض التجاوزات والأمور السلبية.
 

أرقام حقيقية أم فقاقيع مزيفة؟
 
عدد المستخدمين الذين تحظى بهم شبكة "فيس بوك" يرى البعض أنه لا يمكن أن يكون دقيقا، في ضوء معدلات انتشار التكنولوجيا وخدمات الإنترنت التي ما زالت بعيدة عن متناول أكثر من نصف سكان الكوكب، بجانب نسب الأمية وعادات الحياة لدى كبار السن في كثير من البلدان الأخرى، ما يصعب معه تصور أن شخصا من بين كل أربعة أشخاص يستخدم الموقع، ويزيد من احتمالات المبالغة والتلاعب بالأرقام، أو توسع جهات وأفراد في إنشاء حسابات وهمية لأغراض سياسية أو دعائية.
 
لا يمكن الجزم بالعدد الفعلي لمستخدمي فيس بوك، لكن إذا حاولنا قياس الأمر على أقرب النماذج المتوفرة له، فإن موقع تويتر للتغريدات القصيرة الذي يملك قرابة 400 مليون مستخدم، أعلن في الفترة الأخيرة أنه حذف أكثر من 70 مليون حساب وهمي ومزيف في الشهرين الأخيرين. هذا الأمر يُعني أن 17.5% من حسابات تويتر كانت مُزيفة، وإذا طبقنا النسبة نفسها على فيس بوك فإن الرقم يقفز إلى 350 مليون حساب.
 
إذا افترضنا أن أرقام مستخدمي "فيس بوك" الحالية غير دقيقة، فإننا إزاء مخاطر محتملة على الوضع الاقتصادي للشركة، خاصة أن نتائج الأداء المالي واتجاهات المُعلنين ومستخدمي الخدمات الدعائية للموقع ترتبط بهذه الأرقام، وإذا أخبرت مُعلنا أن قُرابة خُمس الجمهور الذي يستهدفه ليس موجودا هنا، وأنه يقبع في مكان آخر، فربما يتجه للمكان الآخر باحثا عن نافذة بديلة، أو يُقسّم طاقته على النافذتين. هذا الأمر يُعني خسارة غير هيّنة لعملاق التواصل الاجتماعي، خاصة أن انعكاسه على صورته المستقرة سيكون قاسيا، مع تغير نظرة كثيرين من المستخدمين والعملاء إلى نجاحه الضخم باعتباره فقاعة أو بالونة مليئة بالهليوم، وليس نجاحا حقيقيا.
 

بين محاربة الزيف وغسل الأيدي
 
خطوة تويتر بحذف الحسابات الوهمية لم تؤثر كثيرا على المركز المالي للموقع. ربما في ضوء هذا المشهد يسعى "فيس بوك" لاستثمار الأمر في إطار حملته المتنامية مؤخرا للهروب من اتهامات وتجاوزات نُسبت للموقع على مدى الشهور الأخيرة، بين ثغرات أمنية وتعاملات تنتهك خصوصية المستخدمين وتورط في استهداف سياسي وأيضا تسهيل وصول محتوى يحض على العنف والكراهية لملايين المستخدمين.
 
"فيس بوك" الذي أعلن في وقت سابق عن بدء عملية "تقصّي حقائق" حول محتوى الفيديو والصور، سعيًا إلى حصار الأخبار المُلفّقة والحدّ منها. وهو ما قالت عنه تيسا ليونز، إحدى مسؤولات الصف الأول في الشركة إنه بدأ فعليًّا أواخر مارس الماضي بمساعدة وكالة الأنباء الفرنسية، تمهيدًا لتوسيع الشراكة مع دول ووكالات أخرى. كان الموقع في الوقت نفسه يناور الكونجرس والمحاكم الأمريكية، نافيا مسؤوليته عن اختراق خصوصية المستخدمين، أو عن بث محتوى مخالف ويحض على العنف والكراهية واستغلال الأطفال والنساء.
 
لم يكن الموقع يضع في حسبانه أنه سيمثل أمام الكونجرس والقضاء الأمريكيين. ربما لأن أغلب الانتهاكات تتم بحق مستخدمين من خارج الولايات المتحدة، لكن ما شهدته الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2016 وحديث جهات التحقيق الأمريكية عن تورط روسيا في الأمر، وتسهيل فيس بوك لهذا الاختراق، كان السبب المباشر وراء توقف المؤسسات الأمريكية مع الموقع. هذه الوقفة من المرشّح أن تتكرر مع ترجيح تكرار التدخلات ذات الطبيعة السياسية، ربما لهذا السبب أعلن الموقع اعتزامه تنقية قوائم مستخدميه كرسالة للجهات الأمريكية، لكن هذا الاحتمال لا يُعني انطلاق الموقع من رغبة حقيقية في محاربة الزيف، أو على الأقل لا ينفي احتمال أن يكون الموقف بكامله بغرض غسل الأيدي.
 

إعلان جاد وخطوات هزلية
 
الوسائل التي يمكن لموقع تواصل اجتماعي التحقق من خلالها من صحّة الحسابات أو انتسابها لأشخاص طبيعيين عديدة وفي المتناول. عندما قرر "تويتر" اتخاذ موقف فعل الأمر بشكل جاد وواسع المدى، وأعلن أرقاما واضحة، أما "فيس بوك" فإن إعلانه الجاد يظل مُحاطًا بعلامات استفهام حول خطواته العملية التي تبدو هزلية نوعا ما.
 
بحسب الإعلان، قالت الشبكة إنه اتخذت إجراءات جديدة بشكل يجعل إنشاء حسابات وهمية أو مُخترقة أو مزيفة أمرًا أكثر صعوبة من ذي قبل. أما عن هذا الإجراء فقد قالت إنها طلبت من مستخدميها أصحاب المتابعات الكثيفة في الولايات المتحدة بالحصول على إذن مسبق قبل النشر أو إنشاء صفحات، وأن مديري هذه الصفحات واسعة الانتشار سيُطلب منهم إنجاز عملية واضحة من الخطوات والإجراءات وصولا إلى الاستمرار في النشر، بالشكل الذي يضمن أن تكون إدارة الصفحة من حساب حقيقي أو شخص طبيعي وليس من خلال برمجيات أو حسابات مخترقة أو مزيفة.
 
ضمن التفاصيل الفنية، قالت "فيس بوك" إنها ستطالب مسؤولي الصفحات المذكورة بتأمين حساباتهم بآلية المصادقة الثنائية، مشيرة إلى أنها ستبدأ تنفيذ هذه الإجراءات خلال الشهر الجاري، وستشمل بجانب "فيس بوك" المنصات الأخرى التابعة وفي مقدمتها Instagram، بغرض استكمال خطط الشركة لمنع الأفراد والمنظمات ذوي المصالح غير القانونية من تدشين صفحات أو إنشاء حسابات لتضليل المستخدمين قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل.
 
حدود المعلومات التي وفرتها إدارة "فيس بوك" لا تُعني أن خطة تصفية الحسابات الوهمية خطة جادة أو شاملة. الأمر يتوقف على المستخدمين في الولايات المتحدة، ويستهدف محاولات التدخل المحتملة في انتخابات الكونجرس، بينما لا ينظر للاحتمال القائم بشأن نشاط عشرات الملايين من الحسابات الوهمية المنطلقة من دول أخرى بشكل يمثل تهديدا سياسيا وإنسانيا لملايين البشر، ويبث محتوى سيئا أو مُحرضا على العنف والكراهية والاستغلال.. الخطوات العملية تبدو هزلية جدا قياسا على الإعلان الذي بدا جيدا في ظاهره.
 
 
مارك ورُبع سكان الأرض
 
رسائل "فيس بوك" المغرقة في الأداء السياسي طوال الشهور الماضية منذ الانتخابات الرئاسية، وإنكاره التورط في بيع بيانات 87 مليون مستخدم في واقعة شركة "كامبريدج أنالتيكا" بحجة أنه منصة بث محتوى وليس منصة تقنية، ثم تهربه أمام الكونجرس من مسؤوليته عن المحتوى السيئ والتوجيهي والمحرض على العنف بحجة أنه منصة تقنية وليس منصة محتوى، كلها قد تشير إلى رغبة مباشرة في المناورة من جانب إدارة الموقع، والإبقاء على حالة السيولة التي تشهدها خريطة الانتشار وأرقام المستخدمين، إذ تُعني هذه الأرقام مزيدا من النموّ السوقي والحسابات الختامية الخضراء.
 
وفق هذا التصور لا يُمكن توقع أن يأخذ "فيس بوك" موقفا جادا فيما يخص تنقية قوائم مستخدميه، والتخلص من الحسابات الوهمية والمزيفة التي تسبب إزعاجا على امتداد العالم. هذا الأمر وبحساب النسبة التي أسفرت عنها خطة تويتر الشهيرة يُعني أن "فيس بوك" يحتاج للتخلص من 350 مليون حساب من إجمالي ملياري حساب، وهذا الرقم الضخم للحسابات المحتمل تزييفها أو اختراقها يقتضي وضع الجميع في مرمى النار، أي أن يُخضع مارك وفريقه رُبع سكان الأرض للفحص والتتبع الجادين.
 
لن يفعل "فيس بوك" هذا الأمر. التضحية بعشرات الملايين من المستخدمين تُعني التضحية بعشرات الملايين الموازية من الدولارات، لهذا لن يُخضع مارك زوكربيرج رُبع سكان الأرض الذين يسكنون موقعه للفحص، حتى لو تسبب الانفلات القائم عبر فيس بوك في إبادة رُبع سُكان الأرض الفعليين.. بالتأكيد سينتصر "فيس بوك" للربع الافتراضي - حتى لو كان وهميا - على الرُبع الحقيقي. وربما يكون هذا المسلك إطلاقا للنار على العالم بأكمله.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق