رهاب الذكاء الالكتروني

السبت، 18 أغسطس 2018 05:03 م
رهاب الذكاء الالكتروني
هشام السروجي

الأمر لا يتوقف عند انتهاك الحياة الخاصة من خلال اختراق الأدوات التكنولوجية التي نستخدمها كل لحظة، وتعرف عنا مالا يعرفه أقرب الناس، وأصبحنا لا نملك رفاهية الاستغناء عنها لأن حياتنا كلها تتوقف دونها، بل إن عملنا اليومي يقوم في الأساس عليها، وأصبح احتراف التعاطي معها من أهم مقومات تقييمك إن كنت ناجحا أم فاشلا في عملك، حيث تحتل المرتبة الأولى التي يهتم بها رب العمل في السيرة الذاتية.
 
سيطرة الآلة على مجريات حياتنا يجعلني أعتبر ما سبق مثل احتلال سلمي تخطى حاجز الحدود والجغرافيا وتحول لاحتلال الجنس البشري كله، وما أخشاه أن خطوة تنحيته جانبًا في صالح الذكاء الاصطناعي أصبحت مسألة وقت لا أكثر، وقد يضاف إلى قاموس الأمراض النفسية قريبًا "رهاب الذكاء الاصطناعي"، المهدد الفعلي للإنسانية.
 
تنبأت الأعمال السينمائية العالمية بسيطرة الذكاء الاصطناعي على البشرية منذ ما يقرب من عقدين، ويعتبر بعض المختصين أن فيلم Blade Runner إنتاج سنة 1982 هو أول فيلم يناقش نظرية توغل الروبوت الذكي المتطور ذاتيًا، في حين أن البعض يعود إلى عصر السينما الصامتة في فيلم Modern Times بطولة شارل شابلن وإنتاج عام 1936، وفي كلاهما كانت الماكينة الذكية هي التي تحدد مصير السيناريو ومن ثم مصير الأبطال البشريين، بسيطرتها على مجريات الأحداث.
 
التفكير في الأمر أصبح يفزعني، كيف تكشف الآلة كذبنا حين نمارس بشريتنا، وتفضح مشاعرنا، وترتب لنا أولوياتنا، وتتحكم في إثارة دوافعنا، وتستشعر حالتنا النفسية وتبث مغرياتها وإعلاناتها لتغييرها، والأكثر رعبًا أننا سلمنا حياتنا عن طيب خاطر للذكاء الاصطناعي يفعل فيها ما يشاء.
 
شئنا أم أبينا فإن الذكاء المتطور ذاتيًا يهدد مهن وفئات عريضة من المجتمعات في العالم، حين يصبح قادرًا على صياغة خبر وتقرير خبري، بعد أن أعلنت الصين عن إنتاجها الروبوت الصحفي منتصف العام الماضي، بعدها بشهور صادف أن شاهدت تقريرًا تحدثت فيه مسؤولة تطوير إحدى الصحف الأجنبية التي سقط اسمها سهوًا من ذاكرتي، أعلنت فيه عن استخدام صالة تحرير الصحيفة لتطبيق ذكاء اصطناعي قادر على صياغة خبر كامل من خلال تلقيه المعلومات من المصادر المفتوحة عبر صفحات التواصل الاجتماعي وكذلك تلقي الرسائل الالكترونية عبر البريد الالكتروني، ومن ثم صياغتها بحسب أسلوب الصياغة التي تعتمده المؤسسة ونشرها تلقائيًا، وحين سألها مقدم التقرير عن مصير الصحافيين في المؤسسة، قالت إن التطبيق لا يهدد عملهم بل سيساعدهم في التفرغ لكتابة القصص التي يعجز التطبيق عن صياغتها، لكن في الحقيقة قد غاب عنها عمدًا أن الذكاء الاصطناعي الذي يتطور بسرعة الضوء قد يكون قادرًا على صياغة سيناريو سينمائي كاملًا.
 
قد يرى البعض أن خبر وجود طائفة جديدة تعبد الذكاء الاصطناعي، ساخر يثير الضحك، لكن حين نعلم أن مؤسس هذا الدين هو المهندس العالمي ليفاندوسكي الذي ساهم في تأسيس Google Street View وهندسة سيارة غوغل "وإيمو" ذاتية القيادة وسيارة "أوبر"، علينا أن نرتجف ونفزع من مستقبل قريب جدًا يهدد حياتنا وثوابتنا بل وجودنا البشري.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق