زمن "العدل".. وأيام "المساواة"

الإثنين، 27 أغسطس 2018 09:00 ص
زمن "العدل".. وأيام "المساواة"
محمود خليل يكتب:

 
 
لفت أنتباهى استخدام لفظ "العدل" على لسان عدد من النسويات اللاتى يحاولن أن يكونوا فى منطقة العدم الوسطى بين الرجال والنساء فى القضايا الخلافية، وعلى رأسها قوانين الأحوال الشخصية.
 
فمنذ مطلع الألفية الجديدة ترسخ مفهوم المساواة فى ذهن المرأة المصرية، واعتبرته حقا لها غير قابل للنقاش، فهى مساوية للرجل فى كل شئ، مساواة فى العمل، ومساواة فى شروط الزواج، بل ذهب البعض للمناداة بالمساواة فى الميراث.
 
والمساواة فى تعريفها البسيط هى التمتع بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون التمييز بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو الرأى السياسى أو المستوى الإجتماعي، وهو تعريف أممى طبقته الأمم المتحدة بكل حسم وحزم، بل فرضت عقوبات عديدة على دول رأت أنها لا تطبق المساواة فى قوانينها أو فى تعاملها مع سكانها.
 
والمساواة بين الرجل والمرأة يهدف لخلق التكافؤ بين الجنسين وتمتعهم بكافة الحقوق والامتيازات فى جميع مجالات الحياة، وهو أحد أهداف الألفية للأمم المتحدة لإنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وهنا فى بلدنا، يتخذ التمييز ضد المرأة أشكال عديدة، قاومت من أجل تغييرها وكافحت من أجل نيل حقوقها، حتى صارت كلمة "المساواة" فخر لكل امرأة، وفى الوقت نفسه غصة فى حلق بعض الرجال.
 
وللخروج من هذه الأزمة، ظهر مفهوم "العدل"، وظهرت أصوات نسائية تطالب بتطبيق العدل بين الجنسين بدلا من تطبيق المساواة، ورفعن شعار وتعريف "العدل" الذى يعبر عن الإنصاف، كما يُعبر عن معاملة الناس بشكل متساوٍ، وعدم الانحياز لفئةٍ معينة، أو تعريضهم للظلم أو التعامل معهم بعنصرية، وذلك من خلال سن القوانين الاجتماعية، والسياسية، والجنائية. 
 
وهنا بدأت نغمة العدل تعلو، مفهوم العدل يقول الإنصاف والتساوى فى سن القوانين السياسية والاجتماعية، وهنا امتدت أصابع الاتهام لقوانين الأحوال الشخصية المطبقة حاليا بأنها لا تحقق العدل، بل تميل ناحية المرأة، وتأخذ من حقوق الرجل، الذى بدأ صوته يعلو مطالبا بالعدل هو الآخر، مستفيدا من الأصوات النسائية التى رفعت شعار "عدل وليس مساواة".
 
والحقيقة فى رأيى الشخصى أن العدل والمساواة وجهان لعملة واحدة، بل أزيد لهذه الأصوات تعريفا لغويا يقول: إن المساواة هى الغاية المرجوة من تحقيق العدل، والمساواة هدف فى حد ذاتها، أما العدل وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وإذا حادت الوسيلة - وهو العدل - عن طريقها فلن تصل أبدا لتحقيق الهدف وهو المساواة.. ولتحقيق المساواة بين الأطراف دون زيادة أو نقصان يلزم تطبيق العدل على أكمل وجه.
 
بمعنى أدق، لا يهم كثيرا رفع شعار العدل أو رفع شعار المساواة، فالعدل أن يعدل المجتمع فى تصرفاته بين الرجل والمرأة، ولا يعتبر الرجل كائنا له أفضلية عن فتاة يحزن والدها حتى الآن من ولادتها، مجتمع يعتبر المرأة جانى فى كل الجرائم المجتمعية، هى السبب فى التحرش، هى السبب فى الطلاق، هى السبب فى الخيانة، هى السبب فى العنف الأسري، العدل أن الرجل - كما المرأة - له دور كبير فى جرائم التحرش والعنف الأسرى والخيانة، وحتى الطلاق الذى يرمى "يمينه" دون اكتراث لما يحدثه من أثر بالغ فى زيادة معدلات الطلاق، والتى يتهمون المرأة أيضا بأنها السبب فى زيادتها.
 
العدل أن تنفق أولا على أطفالك قبل أن تطالب باستضافتهم، العدل أن تتقى الله فى سمعة وعرض زوجتك السابقة قبل أن تطالب بنقل الحضانة إليك مباشرة بعد الأم، العدل أن تنظر جيدا لسنوات العمر التى قضيتها مع زوجتك وهل كنت زوجا رحيما رءوفا عادلا قبل أن تطالب بخفض سن الحضانة.. لو عدلت يا سيدى سيتحقق لك كل طموحاتك وأمانيك دون حتى أن تعرف طريق محكمة الأسرة.
 
أنت - ومن معك من الأصوات النسائية - تطالبون بتطبيق العدل فقط فى قانون الأحوال الشخصية، الذى ترون أنه يميل لصالح المرأة، لكنك تغض الطرف أنت - ومن معك من الأصوات النسائية - عن تطبيق العدل فى أى قانون آخر يمنح المرأة جزء ولو بسيط من الامتيازات الخاصة التى تحصل عليها فقط لأنك رجل.
 
هل العدل فى مفهومكم يقتصر فقط على قانون الأحوال الشخصية، هل العدل الذى تنشدونه موجود فقط فى مواد القانون الذى تحاولون تغييره لصالحكم.. لو طبقنا العدل فى كل شيء وتركنا المجتمع يطبق معايير العدل عليكم بمنتهى الصرامة، وقتها سنجدكم - ومن معكم من الأصوات النسائية - ترفعون شعار المساواة.. وتتمنون يوما واحدا من أيام "المساواة الجميلة".
 
سموها عدل، سموها مساواة، سموها كما تريدون، تخلصوا أولا من العادات المجتمعية التى تسوقكم سوقا لكسر المرأة، قبل أن تتلاعبوا بالألفاظ، وتتهمون المساواة بأنها السبب الرئيسى فيما يحدث فى المجتمع، بل أبشركم أن مفهوم العدل – إذا سلمنا بوجود فارق- سيمنح المرأة قوة أكبر بكثير من مفهوم المساواة!.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق