ذكرى نجيب محفوظ.. حكيم الحارة المصرية الذى جاوزت شهرته الآفاق

الخميس، 30 أغسطس 2018 04:00 م
ذكرى نجيب محفوظ.. حكيم الحارة المصرية الذى جاوزت شهرته الآفاق
نجيب محفوظ
كتب محمود حسن

فى لحظة الميلاد كاد القدر أن يحرمنا من "أسطورة حارتنا" الولادة المتعثرة لذاك الطفل، بالكاد نجت الأم وابنها، وعرفانا لهذا الجميل سماه والده عبد العزيز أفندى إبراهيم على اسم الطبيب الذى استطاع أن يخرج به إلى الحياة، "نجيب محفوظ" ، امتدت حياة الطبيب "نجيب باشا محفوظ" حتى عام 1974 ليرى نجيب الصغير الذى أنقذ حياته وهو طفل عام 1911 يكبر ويلمع ويصير معروفا حتى تتجاوز شهرته الآفاق، ويعيش من العمر زمنا طويلا، حتى يغادرنا فى مثل هذا اليوم من عام 2006، عن عمر 94 عاما، يغادرنا وهو الأديب الذى لم يكتب بالعربية مثله أحد، وهو الرجل الذى ترك خلفه رصيدا ضخما من الروايات، وسيناريوهات الأفلام، لم يتركه أحد مثله من قبل.

 

فى حى الجمالية الشعبى نشأ، متنسما عبق القاهرة القديمة ومحتفظا به فى ذاكرته وداخل روحه، وفى عمر السابعة شهد قيام ثورة 1919، تلك الثورة التى سيكتب عنها فيما بعد فى روايته الأشهر "بين القصرين"، تلك الرواية التى تمتزج فيها سيرة حياته الشخصية بسيرة ابطاله الخياليين، وتماما كما والده "الموظف" سلك الشاب نجيب محفوظ طريق الوظيفة، لكنه وفى خلال مسيرته الوظيفية سلك نشاطا جانبيا وهو كتابة "الرواية" فى وقت لم يكن هذا النوع من الفن الغربى ذائع الصيت فى الوطن العربى، وبالكاد كان الرعيل الأول من الروائيين العرب مثل المنفلوطى، ومحمود تيمور، ومحمد حسين هيكل، يخرج رواياته.

 

فى عام 1939 كتب روايته الأولى "عبث الأقدار" لتكون أول ثلاثيته "التاريخية" التى سيستكملها بـ "رادوبيس" و"كفاح طيبة" والتى تدور أحداثها فى زمن الفراعنة، بعد كفاح طيبة وعقب الإعجاب النقدى الذى ناله محفوظ، بدأت رواياته تنهال علينا حتى أصبح رصيده فى عام 1949 يبلغ 8 روايات، ومجموعة قصصية واحدة هى "همس الجنون" والتى رغم أنه كان قد كتبها قبل روايته الأولى عام 1938، إلا أنها لم تنشر سوى فى عام 1947.

 

فى هذه اللحظة توقف نجيب محفوظ عن كتابة الأدب، لينطلق فى عالم السينما بعد لقاء له مع المخرج صلاح أبو سيف عام 1947، فيكتب العديد من الأفلام المعروفة فى تاريخ سينما الخمسينيات، فيكتب "مغامرات عنتر وعبلة" وريا وسكينة، و"جعلونى مجرما، و"شباب امرأة"، و"أنا حرة"، و "بين السما والأرض"، لكن هذه الفترة التى شهد فيها نجيب محفوظ زخما فى الأعمال السينمائية، كان يعانى توقفا ونضوبا أدبيا، ليتوقف عن الكتابة الأدبية لسنوات طويلة، قاربت الـ 7 سنوات، إلى أن يعود من جديد عام 1956 بثلاثيته الأشهر فى التاريخ، لتخرج لنا "بين القصرين" عام 1956، ثم قصر الشوق بداية عام 1957 ، و"السكرية" نهاية العام ذاته.

 

فى هذه الفترة من التوقف تزوج نجيب محفوظ من السيدة عطية الله إبراهيم، لكنه أبقى زواجه سريا ولم ينشره مطلقا وذلك لـ 10 سنوات كاملة، ولم يعرف أمر هذا الزواج إلا حين تشاجرت ابنة نجيب محفوظ

 

استمرت الغزارة الأدبية لنجيب محفوظ مستمرة، فيما غادر مهنة كتابة السيناريو، ليعتمد فيما بعد على تحويل رواياته الأدبية إلى أعمال سينمائية، وأول هذه الأعمال كانت بداية ونهاية التى قام ببطولتها عمر الشريف، وفريد شوقى، واخرجها للسينما صلاح أبو سيف، وفى ظل كل هذا حافظ نجيب محفوظ على سيرته الوظيفية، فهو سكرتير بوزارة الأوقاف، ثم مدير مؤسسة القرض الحس بالوزارة، ومديرا لمكتب وزير الأرشاد، ثم مديرا للرقابة على المصنفات،حتى رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة السينما، والتى خرج منها مودعا المنصب الحكومى على المعاش وذلك فى عام 1971.

 

نالت أعمال نجيب محفوظ شهرة عالمية، وترجمت أعماله إلى أكثر من 23 لغة، وفى عام 1988 كان على موعد مع نوبل الوحيدة فى الآداب لكاتب من كتاب اللغة العربية، تلك الجائزة التى لم يسافر نجيب محفوظ لاستلامها نظرا لأنه كان يعانى من "رهاب السفر".

الجائزة كما جذبت إليه "الفخر" جذبت إليه أيضا "الحقد" حين تعرض محفوظ لمحاولة اغتيال طعنا بالسكين فى رقبته عام 1995، على يد أحد أفراد الجماعة الإسلامية، بعد تحريض عليه من عدد من قيادات الجماعات الإسلامية، وهجوم عليه بسبب روايته المثيرة للجدل "أولاد حارتنا"، تلك الرواية التى بعد أن أثارت جدلا عند نشرها مسلسلة على صفحات جريدة الأهرام طلب هو نفسه إيقاف نشرها.

 

لخمس ساعات ظل نجيب محفوظ فى غرفة العمليات، وكتبت له الحياة من جديد بعد هذه الطعنة الغادرة، وبعد نجاته قال إنه لا يشعر بالحقد على هؤلاء الذين طعنوه، وأنه يتمنى ألا يتم إعدامهما، لكن اثنين من المشاركين فى الهجوم تم إعدامهما لاحقا.

 

وبعد عمر وصل إلى 94 عاما، امتلأ بالعطاء الأدبى والإنسانى، وفاض فيها نجيب محفوظ على قرائه متعة وحكمة، رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم من عام 2006.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق