للفاجومي وجه آخر.. قصة ضابط شرطة مدحه أحمد فؤاد نجم

السبت، 08 سبتمبر 2018 08:00 م
للفاجومي وجه آخر.. قصة ضابط شرطة مدحه أحمد فؤاد نجم
مصطفى الجمل

 

«أمراء دولة العامية».. بهذا العنوان احتفت مجلة الهلال بعدد من شعراء العامية في عددها الجديد الصادر لشهر سبتمبر حاملاً رقم 1507، يضم الملف المنشور داخل العدد الكثير من أسرار شعراء العامية كأحمد فؤاد نجم وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي، والتي ننشر جزء منها في «صوت الأمة» على حلقات متتابعة.

خصصت المجلة مقالاً عن الديوان التبشيري لأحمد فؤاد نجم، الذي كتبه أثناء تواجده لأول مرة في السجن 1959، بسبب التزوير في مستندات هيئة السكك الحديدية التي كان يعمل موظفاً بها، من أجل اختلاس بعض الجنيهات.

كان يذهب «نجم» إلى محلات الأقمشة ويصرف استمارة بسبعين جنيهاً، يستلم بها أقمشة يبيعها ويقتسم ثمنها مع ساع في المصلحة، وكانت هذه الاستمارات مزورة وتكرر الأمر، حتى قبض عليه هو ورفيقه الساعي، فحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ليقضيهم بسجن قرة ميدان، وهناك تفتحت موهبته الشعرية، فبدأ كتابة الشعر وقراءته على رفاق السجن، وعلم  ضابط السجن بأمر هذه الأشعار، فاستدعاه وسمع منه ووقع في غرامها، وكما هو معروف عن الفاجومي لم يترك الفرصة تفوت دون استغلالها، فراح يكتب قصائد مدح في مأمور السجن، معدداً خصاله الحسنة.

ذاع أمر هذا الشاعر في عنابر السجن، حتى أن اللواء إبراهيم عزت، مدير سجن أرميدان، والرائد سمير قلادة مأمور السجن، اهتما به اهتماماً فنياً خالصاً، وكان يقيمان له الندوات الشعرية على مسرح السجن، وينشران له قصائده في جريدة الحائط، ومن خلال هذه المجلة فاز أحمد فؤاد نجم بجائزة الشعر الأولى عن قصيدته بحر الحنان، التي كتبها عن أمه بمناسبة عيد الام، وكانت الجائزة عبار عن جنيه كامل، مائة قرش، الأمر الذي جعل الرائد سمير قلادة يشجعه على الاشتراك في مسابقة وزارة الثقافة التي يقيمها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، بعنوان الكتاب الأول، وتكفل هذا الرائد بإحضار الأوراق والأقلام للفاجومي، وقام بنسخ كل قصائده، التي كانت تدور حول السجن وتجلياته المختلفة، لذا سمي الديوان بـ«صور من الحياة والسجن».

امتنان أحمد فؤاد نجم لهذا الضابط، دفعه لأن يهديه هذا  أول ديوان له، فكتب في الصفحة الأولى هذا الإهداء:

فنان وتعطف ع الفنان

ولك آيادي ومآثر

ولك حكاية في كل مكان

يا صورة من عبد الناصر

وتكفل هذا الرائد بكتابة قصائد الديوان على حسابه الشخصي، على الآلة الكاتبة وإرسالها بمعرفته للجنة المسابقة.

بانقضاء ثلاثة أرباع المدة، وبحسن سيره وسلوكه تقرر في يوم الجمعة الموافق 21 مايو 1962 الإفراج عن الشاعر أحمد فؤاد نجم، وإذا هو سارح في مصيره بعد الخروج من السجن، دخل عليه اللواء إبراهيم عزت والرائد سمير قلادة، وباركا له على قرار لجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بنشر ديوان صور من الحياة والسجن للشاعر الشاب بعد فوزه في مسابقة مشروع الكتاب الأول.

بعد أن تسلم نجم عشر نسخ من ديوانه، كان مثل المجنون، كان شديد الفرح بإنجازه الجديد، وكانت العشر نسخ تحت إبطه ولا يعرف أحداً يقاسمه الفرح، وفي أحد الأتوبيسات الكثيرة التي كان يركبها دون هدف بعينه، نظر لجاره الذي يقتسم معه الكرسي، كان يبدو عليه أن أفندياً طيباً، فسحب نسخة من العشر نسخ وقدمه له وهو يقول: «هذا هو ديواني الأول، وقد استلمته اليوم من المطبعة، ولا أعرف أحداً في هذه المدينة الكبيرة، فهل يمكنني أن أهديك نسخة منه؟.

قبل الرجل النسخة منه، بل ووضع يده في جيبه ليدفع ثمنه، ولكن نجم رفض، فابتسم الرجل قائلاً: «يسعدني أن أكون أول قارئ لك، وتأكد أنني سأبحث عن اسمك في الصحف، وعن كتبك القادمة لدى الباعة، لكي اقرأ كل ما تكتبه».

أحمد فؤاد نجم أسقط هذا الديوان من قائمة دواوينه فيما بعد، حتى نسي المتابعون الديوان بما له من دلالة تبشيرية.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق