رحلة الصغيرين من الموالد إلى الرئاسة.. لماذا استدعى عبد الناصر "السنباطي" في حفل «الأطلال»؟

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018 10:00 م
رحلة الصغيرين من الموالد إلى الرئاسة.. لماذا استدعى عبد الناصر "السنباطي" في حفل «الأطلال»؟
السنباطي وأم كلثوم وجمال عبد الناصر
منة خالد

 

 

كانت العلاقة قوية بين عائلتي الشيخ إبراهيم البلتاجي وصديقه المُنشد محمد السنباطي قوية حيثُ تجاورا في بلدة المنشأ، كانت تربط الأسرتين علاقة صداقة قوية، تعرف الصغيران السنباطي وأم كلثوم على بعضهما البعض في الصغر، فكان الصغيران يلتقيان في ليالي الموالد والطرب والمناسبات الدينية التي تُقام في البلدات الريفية في بدايات القرن الماضي، فيأتي السنباطي من قريته فارسكور بدمياط وهي على مقربة من الدقهلية حيثُ منشأ أم كلثوم.

تفتحت أذنا الفتى الصغير على أبيه وهو يعزف على العود، ويغني الغناء الأصيل والتواشيح الدينية، توقّع الفتى أن الموسيقى ستكون دربًا له، فكان يهرب من مدرسته وهو في التاسعة مُختبئًا في بيت أحد جيرانه ليضرب على العود ويُدندن بعض من أغنيات سيد درويش، فطرب صوته، وعلّت مقاماته، ضبطه والده في أحد الليالي عند جارهم النجار، وهو يغني ويُطرب من حوله،  فقرر أن يصطحبه للغناء في الأفراح معه.

كان الابن ووالده كثيرا النزوح من بلدة إلى أخرى، حيثُ لم تدم إقامتهما في فارسكور طويلاً ليحولا وجهتهما إلى المنصورة، فيتقابل الفتى بأم كلثوم، وتبدأ رحلة التعارف هُنا في حلقات "درينش" بالدقهلية، في هذا الوقت لمح المُنشد عدم ميول ابنه للدراسة، فركّز على تعليمه قواعد الموسيقى الأصيلة  وإيقاعاتها، أظهر الفتى استجابة سريعة، وبارعة، حتى عُرف بـ "بلبل المنصورة"، وذاع صيته حتى استمع إليه سيد درويش وأثنى عليه.

وفي وقت كانت لمصر دُنياها، وللأرياف دُنياها، كان يخشى الوالد على ابنه الصغير من النزوح إلى مصر أو الإسكندرية، بعد العروض التي لحقت به، فكان يعتمد عليه اعتمادًا كبيرًا في فرقته وكان مصدر دخل له، حتى أنه عمل صبي منجد بجانب الموسيقى لاحتياجهم إلى المال.

السنباطي وأم كلثوم من رحلة القرية إلى قصور الرئاسة

حظي السنباطي على مكانة فريدة من نوعها لدى كوكب الشرق، فكان مُلحنها الأوحد خلال فترة الخمسينات، كان شديد الذكاء نابغ العقل، مُنطوي الهيئة، لم يهوى العمل الجماعي فلا يتواجد مع فريق بمكان، ولم يكن لديه قدرات على التواصل الإجتماعي، هكذا كانت شخصية الطفل والموسيقار.

بدأ لقاء جديد مع الموسيقار والآنسة أم كلثوم، بعد دخولهما الوسط الفني، بعد استقراره بالقاهرة، حيثُ كان يعيش في شقة بمفرده، وقتها كان صيتها قد ملأ الآفاق في القاهرة، واستمع  السنباطي إلى إحدى أغانيها في الإذاعة، وقتها حسَد الذين يلحنون لها، عاوده الحنين إلى حلقات قرية درينش ومحطة الدلتا حيثُ كانا يلتقيان، وفي اليوم الأول الذي دخل فيه التليفون إلى شقته، طلب بعدها المُلحن الشاب، رقم تليفون أم كلثوم من الإذاعة فاتصل بها، حتى التقيا مرة أخرى.

 بدأت علاقة العمل في بدايات عام 1935، لتُغنّي أم كثوم أولى أعمالها على أوتار السنباطي "علي بلد المحبوب وديني"، بعدها ظل السنباطي يلحن لأم كلثوم ما يقرب من 40 سنة، ويكاد يكون هو ملحنها الوحيد في فترة الخمسينات، بعدها بعام لحنت أغنية "يارتني كنت النسيم".

جاء تحول فني ملحوظ في مسيرتها الغنائية، بعدما تأسست أول نقابة للموسيقيين برئاستها سنة 1943 بعدها بعامين، غنّت 3 قصائد من ألحان السنباطي وكلمات أحمد شوقي، بعد أن حققت أم كلثوم نجاحًا باهراً برائعة أنت عُمري لموسيقار الأجيال عبد الوهاب، تغنّت بقصيدة الأطلال، التي جاءت بمثابة رد من السنباطي على عمل عبد الوهاب أنت عمري الذي حقق نجاحًا كبيرًا واثبت السنباطي أيضًا قدرته الفائقة علي تلحين القصائد.

لحّن السنباطي لأم كلثوم نحو 90 لحنًا، إلى جانب تميزه فيما فشل فيه الآخرون ألا وهي القصيدة العربية التي توج ملكا على تلحينها، سواء كانت قصيدة دينية أو وطنية أو عاطفية، فآثرته أم كلثوم من بين سائر ملحنيها بلقب العبقري.

بعد النجاحات التي حققها السنباطي في التلحين، نال إعجاب القصر الرئاسي، حيثُ طلب الرئيس جمال عبد الناصر من السيدة أم كلثوم رؤية السنباطي وقال لها " أين هو أنا لم أره من قبل"، لترد عليه كوكب الشرق بأنه لم يحضر أي حفلات غنائية قط.

استدعاء عبد الناصر للسنباطي في حفل الأطلال

كان يهوى العمل في صمت فيلحن أعماله، ثم يدخل إلى صومعته وعالمه الخاص، متناسيًا أي حفل، هكذا كانت حياته وسط فنانين القاهرة، لم يكن السنباطي يتعمد لفت الإنتباه أو نيل الألقاب، وفي أحد المرات طلب الرئيس عبد الناصر من أم كلثوم استدعاء السنباطي إلى حفل الأطلال لمقابلته، وبالفعل حضر الموسيقار ليحظى بثناء الرئيس، وتناولا العشاء على مائدة واحدة، وتلازما الحديث حتى نال شرف التعارف على الرئيس كما رأى كِبار الوسط الغنائي وقتها.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة