إكرام الميت دفنه.. حلاوة المولد والمرتبات الخيالية كتبت نهاية القومية للأسمنت

الأربعاء، 03 أكتوبر 2018 12:00 ص
إكرام الميت دفنه.. حلاوة المولد والمرتبات الخيالية كتبت نهاية القومية للأسمنت
الشركة القومية للأسمنت
مصطفى الجمل

«إكرام الميت دفنه»، هكذا تعلمنا حتى كبرنا وبتنا نطبق ما أملاه عليه آبائنا ظنا منهم أنه حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وميت اليوم تأخر المصريون في دفنه ما لا يقل عن خمس سنوات، في معرض الحديث عن مشروعات قطاع الأعمال العام الخاسرة، قال الرئيس في افتتاح أحد المشروعات القومية الكبرى جملة لم يقف كثيراً عندها رغم ما تحتويه من رسالة واضحة تجاه التعامل الحكومي مع تلك الكيانات التي أتلفها الهوى، قال الرئيس نصاً: «مرتبات عمال القومية للأسمنت ما بين 12 و 14 ألف جنيه»، قالها الرئيس واضعاً يده على سبب من مئات الأسباب التي أدت إلى تدهور واحدة من مئات الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، المسئولون المتواجدون بالمؤتمر كانوا يعرفون تمام المعرفة أن ما يقوله الرئيس يعبر عن الخطة التي وضعتها الدولة لوضع حلول واضحة المعالم لخسارة تلك الكيانات.

في الوقت الذي كان الجميع يقدم خطوة ويعود بأخرى مثيلة لها، قرر الرئيس أن يزيل أساب الأزمة بالمكاشفة، شهران فقط فصلا بين حديث الرئيس السيسي والقرار الذ صدر اليوم من ملاك الأسهم بحلها وتصفيتها، على ضوء تقرير مركز الدراسات التعدينية بجامعة القاهرة حول الشركة والصناعة.

قطعاً لم تكن مرتبات العمال المتخطية ضعف المتوسط العام للمرتبات في شركات قطاع الأعمال العام هي السبب، فهناك من الأمور التي وقعت داخل تلك الشركة مضحكة أكثر، فلك أن تتخيل أن رئيس مجلس إدارة الشركة قال في أحد حواراته التليفزيونية إن تكلفة حلوى المولد النبوي للعمال الذين يحصلون على 12 ألف جنيه راتب شهري، كلفت الشركة فقط العام الماضي 3 ملايين جنيه، في ظل أن قيمة المرتبات كلفتهم سنوياً 355 مليون جنيه، ناهيك عن أنه هناك 370 جنيها خسائر فى كل طن أسمنت تنتجه الشركة ويخرج للسوق، لتصل جملة الخسائر في العام الحالي إلى 861 مليون جنيه، مقارنة بمليار و392 مليون جنيه جملة خسائر العام الماضي.

قد يقول قائل ها هي الشركة قادرة على تقليص خسائرها، فلم لا يتم الصبر عليها وإعداد برنامج لهيكلتها وتحويلها إلى كيان رابح بدلاً من تجميدها وتسريح ما بها من عمالة، وهنا لابد أن نوضح أن سبب تدني الخسائر هو وقف عمل الأفران بدءاً من نوفمبر 2017، رئيس امجلس إدارة الشركة قال في معرض تعليقه على هذا الأمر إن هذا القرار لو كان تم تطبيقه منذ فترة لتم توفير خسائر بقيمة 2 مليار جنيه، بما يعني أن وقف خسائر الشركة متوقف على وقف عملها، وهو ماتم اليوم بتجميدها وتصفيتها على يد متخصصين في هذا المجال، ففي العام المالي 2017/2018 بلغت إجمالي إيرادات 1.2 ملايار جنيه، مقابل مصروفات 2.1 مليار جنيه.

المزايدون بنغمة ضياع حقوق العمال – رغم أنهم جزء من الخسارة الكبيرة التي تتكبدها الشركة- رد عليهم وزير قطاع الأعمال العام بأن الوزارة مستمرة في صرف التعويض، للحفاظ على حقوق العاملين بالشركة، تنفيذاً لتعليمات القيادة السياسية، التي وجهت بوضع حل جذري للشركة مع الحرص على حفظ حقوق كل عامل بها، وفي هذا السياق أوضح رئيس مجلس إدارة الشركة أنه فور صدور قرار بإغلاق الشركة سيتم تعويض العاملين، فمن تخطت سنواته التأمينية 20 عامًا سيكون له معاش وبالتالي لن يحصل عل نفس تعويض العامل الذي لم يصل لهذه السنوات فبينما سيحصل من لم يتخط هذه السنوات على 300 ألف جنيه، بما يعني أنه الشركة  ستصرف ما يوازي 650 مليون جنيه.

99.4% من مالكي الأسهم صوتوا خلال اجتماع الجمعية العامة على وقف أعمال الشركة وتصفيتها، حجم المأساة التي تعاني منها الشركة القومية للأسمنت لم يقف عند هذا الحد، فالمكتب الاستشاري الفني الذي أسندت له عملية التقييم للشركة وتوضيح مدى جدوى استمرارها، لم يوص فقط بتجميدها،  بل طالب في توصيته بسرعة تنفيذ الأمر تفادياً لارتفاع الديون، التي سيتم تسديدها وفقاً لمصادر من داخل الشركة من خلال بيع حصة الشركة في أسمنت النهضة والمحددة بـ30% من اجمالي الاسهم، والسويس للأسمنت بنصيب 2.2% من اجمالي الأسهم، واستغلال أراضي الشركة المتجاوزة 300 فدان، بالإضافة إلى بيع المعدات الصالحة للاستخدام لشركات أخرى عاملة في قطاع الأسمنت.

مسلسل تدهور أحوال الشركة الشركة التي تعمل منذ عام 1956 بهذا الشكل المفزع بدأ في 2015، بوقف عمل أول فرن من أصل 6 أفران، ومع استمرار وقف عمل الأفران اضطر الشركة إلى بيع مخزون الكلينكر لعدم قدرة الأفران على إنتاج الأسمنت، ونتيجة لذلك تآكلت حقوق المساهمين حتى وصلت إلى 1.9 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي، ليكتب بذلك كلمة النهاية في قصة آخر شركة أسمنت تابعة لقطاع الأعمال العام. 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة