المعركة الأزلية.. تعدد الزوجات بالوطن العربي بين إباحة الشرع ومخالفة القانون

الجمعة، 05 أكتوبر 2018 01:34 م
المعركة الأزلية.. تعدد الزوجات بالوطن العربي بين إباحة الشرع ومخالفة القانون
تعدد الزوجات
علاء رضوان

 

 

«أطالب الشباب بالزواج مثنى وثلاث ورباع لحل مشكلتَي العنوسة والمطلقات..كما أدعوا النساء لإعانة أزواجهن».. بهذه الجملة اشتعل الوطن العربي برمته نتيجة التصريحات التي أدلي بها عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي، الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق.  

تصريحات صادمة للبعض

«المطلق» أجاب خلال سؤال طُرح عليه فى أحد البرامج المذاع عبر أحد القنوات الفضائية العربية، حيث ذكرت له سيدة أنه كثر التعدد وقل العدل؛فرد عليها قائلاَ: «والله يا إخواني، التعدد أحيانًا ضرورة، واأحيانًا جريمة»، مضيفاَ أنه يكون ضرورة في ظل وجود أعداد من المطلقات والعوانس، متسائلًا: «أين يذهبن؟ ماذا يفعلن؟»، وتابع: «بعض الناس عنده قدرة على التعدد، وعندنا بناتنا الآن مطلقات وعوانس، أين يذهبن؟!».    

الشيخ المطلق

تونس وتعدد الزوجات

تصريحات الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق، بالنسبة لعدد كبير من المراقبون وعلى رأسها الجمعيات النسائية جاءت صادمة، وذلك بالتزامن مع الحديث عن الأزمة التى وقعت فى تونس خلال الفترة الماضية بشأن المنع البات والنهائى لمسألة تعدد الزوجات  بموجب الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية، المنقح بالقانون عدد 70 لسنة 1958، الذي ينص صراحة على منع تعدد الزوجات، كما يترتب على مخالفة هذا القانون عقوبات جسدية ومالية حسب الفقرة الثانية منه.

الدولة التونسية منذ اعتماد هذا القانون في الدستور التونسي في الخمسينيات لم تطرح مسألة منع تعدد الزوجات كقضية في الشأن التونسي بل مثلت مصدر فخر للتونسيات من ناحية حفظ كرامتهن وحقوقهن الأسرية.   

اقرأ أيضا: شهريار الحاضر الغائب في حياة المشايخ.. من معز مسعود إلى حسان ويعقوب 

المجلس القومي للمرأة

هذه الأزمة تعود بنا للوراء إلى ما يزيد عن 14 عاما حينما أقدم المجلس القومي للمرأة فى مصر على تقديم مشروع قانون أعده المجلس بشأن فرض إجراءات عقابية قاسية وغرامات مالية تحول دون حق الزوج من الزواج بامرأة بأخرى، حيث رفض أعضاء المجلس مسألة المناداة بتعدد الزوجات على اعتبار أنه ليس من حق أي إنسان الدعوة بتعدد الزوجات مهما كانت مكانته في المجتمع.  

المجلس القومى للمرأة، في تلك الأثناء، أكد أنه المرأة المصرية لا تستطيع تحمل أي فتوى تطالب بتعدد الزوجات لأن الدين لم يناد بهذا التعدد ولكن سمح به في ظروف معينة، لأن التعدد في رأيي يشكل إذلالا للمرأة، وقهرا لها.    

2017_9_15_20_27_32_923

تعدد الزوجات في نظر رجال الدين

تلك التصريحات من قبل المجلس، أدت إلى اشتعال حرب تصريحات من جانب رجال الدين في مصر، حيث عبرت المؤسسة الدينية «الأزهر الشريف ودار الإفتاء» عن رفضها مشروع القانون الذي أعده المجلس القومي للمرأة.  

الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، خرج حينها ليعلن رفضه لمشروع قانون تجريم تعدد الزوجات، قائلاَ: «إن الشارع أعطى الرجل حق الزواج بأربع، ولم يضع عقوبات أو يفرض غرامات تحول دون حقه في الزواج من أكثر من زوجة، طالما أن ذلك لا يتعارض مع أحكام ونصوص الشريعة الإسلامية»، بينما رفض شيخ الأزهر حينها التوقيع على وثيقة نسائية صدرت من المجلس النسائي العالمي تحتوي على منع تعدد الزوجات.

وبعد مرور 14 عاماَ على إثارة إشكالية تعدد الزوجات، تصاعدت وتيرة الجدل داخل برلمان المصري وبالتحديد فى عام 2017 حينما طالبت البرلمانية آمنة نصير بتقنين تعدد الزوجات، في الوقت الذي شهد انقساماَ داخل مجلس النواب حيث رأى البعض تجريمه على غرار عدد من الدول، في حين يطالب آخرون: «بتقنينه ووضع ضوابط وشروط واضحة لإحكام عملية التعدد».   

download

البرلمان وتعدد الزوجات

تطبيق تعدد الزوجات- وفقا لمشروع «نصير»- تتضمن شروط، منها القدرة على العدل والقدرة على حماية البيت والأطفال والمساءلة والمصارحة مع الزوجة بعد الاتفاق معها، وكان تبرير   «نصير» أن تعدد الزوجات في مصر «يحتاج إلى التقنين حتى لا يترك الحبل على الغارب، ما يؤثر على مستقبل الأطفال»، وأن 75% من أطفال الشوارع كانوا بسبب تعدد الزوجات، وضربت البرلمانية التجربة التونسية مثالًا، حيث لا يعطي القاضي تصريحًا بالتعداد إلا بعد التحري من صحة الشروط المتاحة والمقننة للزواج داخل الدولة.   

رأى القانون فى تعدد الزوجات

وعن تلك الإشكالية، يقول رجب السيد قاسم، المحكم الدولى والخبير القانونى، أن نظام تعدد الزوجات في بعض الدول المسلمة مقيد بشروط جديدة لم تأتي بها  أحكام الشريعة الإسلامية، وتهدف بعض التشريعات من وضع هذه القيود على هذا النظام لتنظيمه وضبطه و تقييده، ومن بين هذه التشريعات نجد كل من سوريا و المغرب و العراق و الجزائر، بحيث قيد القانون المغربي التعدد بسبب الخوف والظلم بين الزوجات، بينما قيد القانون السوري التعدد بالقدرة على الإنفاق، أما  القانون العراقي فقد قيد التعدد بمصلحة مشروعة تكمن في القدرة على الانفاق والعدل بين الزوجات حيث يتعين على القاضي ضرورة مراعاة هذه الظروف وإلا اعتبر التعدد غير جائز. 

3fc8a1de353a9c6c8c733124e79ac7f5-1.jpgبرلمان-1-661x328

تعدد الزوجات فى المغرب

أما المشرع المغربي- بحسب «قاسم» فى تصريح لـ «صوت الأمة» فقد نظم  تعدد الزوجات في المدونة المغربية من المواد 40 إلى 46 جواز تعدد الزوجات إلى أربع ولكن إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لم يجيز التعدد، وهذا ما جاء في المادة 40 من المدونة المغربية، غير أنه تم انتقاد المشرع المغربي حول شرط العدل ذلك أن العدل أمر ديني وليس قضائي وأنه لا يقضي بطلان العقد أو فساده فقد يخاف الإنسان الظلم، ولا يظلم وقد يظلم تم  يتوب ويعدل بين زوجاته و أضاف المشرع المغربي قيد أخر للتعدد ألا وهو الإذن من المحكمة حسب فالمادة 41 والتي تنص لا تأذن المحكمة بالتعدد إلا: «إذا لم يثبت المبرر الموضوعي الاستثنائي»،  «إذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لتولي مسؤولية الأسرتين، وضمان جميع حقوق من نفقة ومسكن والمساواة  في جميع أوجه الحياة». 

اقرأ أيضا: بعد أزمتها مع الشعب التونسي ..أبو شنب: شوية ستات فشلة وراء قانون حبس الأزواج

تعدد الزوجات فى سوريا 

أما المشرع السوري بموجب المادة 71 قيد التعدد بالقدرة على الانفاق لجواز التعدد بحيث نصت المادة 17 بقولها: يمنح القاضي الإذن للمتزوج أن يتزوج على امرأته إذا كان لديه مسوغ شرعي وكان قادرا على نفقتهما.

 تعدد الزوجات في العراق

كذلك من بين التشريعات جاء  المشرع العراقي مقيدا التعدد بموجب قانون الأحوال الشخصية  تحت رقم 188 لسنة 1959 بموجب المادة 4، التي تنص بقولها: لا يجوز الزواج بأكثر من واحدة إلا بإذن القاضي ويشترط لإعطاء الإذن تحقق شرطين هما: «1-أن تكون للز وج كفاية مالية لإعالة أكثر من زوجة واحدة، 2- أن تكون هناك مصلحة مشروعة»، إذا خيف عدم العدل بين الزوجات فلا يجوز التعدد وتبقى السلطة التقديرية للقاضي، واذا عقد أكثر من واحدة خلافا لما ذكر في الفقرتين  4 و 5 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة مالية بما لا يزيد على مائة دينار، واستثناءا من أحكام الفقرتين 4 و5 من هذه المادة يجوز، الزواج بأكثر من واحدة إذا كان المراد الزواج منها أرملة- طبقا لـ «قاسم». 

43111313_246294252683173_2427434104594104320_n

 تعدد الزوجات في تونس

ووفقا لـ «قاسم» في حين جاء المشرع التونسي منظما نظام تعدد الزوجات في الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية على أن تعدد الزوجات ممنوع، مما نتج عن هذا المنع ثورة في العادات والتقاليد التونسية لدرجة أن بعض شيوخ جامع الزيتونة عارضوا مضمون الفصل 18 واعتبروه مناقض كليا لأحكام الشريعة الإسلامية وفي المقابل منح هذا المنع خطوة إلي الإمام في سبيل تحرير المرأة التونسية، غير أن المشرع التونسي وبدهاء كبير تدخل بوضع قاعدة قانونية رقم 70/58 المؤرخ في 4 يوليو 1958 وذلك لمنع أي تحايل على قاعدة منع التعدد حيت نص في الفقرة الثانية من الفصل 18 من المجلة بمايلي :

- كل من تزوج وهو في حالة الزوجية وقبل فك عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدة عام وبخطية قدرها مئتان وأربعون الف دينار تونسي أو بإحدى العقوبتين ولو ان الزواج الجديد لم يبرم طبق أحكام القانون.

- يلاحظ أن المشرع التونسي يمنع التعدد مطلقا الزواج بأكثر من امرأة مع عقوبة رادعة لكل من خالف هذا المنع مع حكم ببطلان الزواج الجديد، غير أن هذا المبدأ الذي يقضي بالأحادية الزوجية لا يسري فقط على المواطنين التونسيين بل يشمل الأجانب المقيمين على الإقليم التونسي ولو كانت قوانينهم تبيح التعدد .

تعدد الزوجات فى فرنسا

أما موقف المشرع الفرنسي فقد ورد في المادة 147 من قانون المدني أنه لا يجيز إبرام زواج ثان إلا بعد حل الزواج الاول، وجاءت المادة 184 من نفس القانون أن كل إبرام عقد خلافا لأحكام التي تضمنتها 2 الزواج الأول 3 المواد 147.146 يمكن الطعن ببطلانها من الزوجين نفسيهما أو من له مصلحة أو من النيابة العامة.

والبطلان في القانون الفرنسي-بحسب «قاسم»- يعد من النظام العام ويطبق على جميع الفرنسيين أيا كانت ديانتهم سواء وقع الزواج داخل أو خارج الإقليم الفرنسي، ونفس الحكم يسري على المسلمين الأجانب المقيمين في فرنسا غير أنه لم ينص المشرع على قاعد جزائية على الأجنبي المسلم الذي أبرم عقد زواج خارج فرنسا تم عاش في فرنسا مع زوجتين أو أكثر مما يبح ذلك وبطريقة غير مباشرة ولا عقوبة عليه على الرغم من سيطرة الحرية التعاقدية على القانون الفرنسي إلا أنه وضع عدة إجراءات لضمان تطبيق القوانين والتي تجعل من المستحيل تطبيق تعدد الزوجات.

وذلك بإلزام الموظف المختص بإبرام عقود الزواج «ضابط الحالة المدنية» من الحصول على شهادة الميلاد عند إبرام عقد الزواج وهي الشهادة التي أوجبتها المادة 80 من القانون المدني الفرنسي أنه وجوب ذكر حالة الشخص من حيث الزواج، وإثبات كل زواج سابق في هذه الشهادة، وذلك لإعلام الغير ودفع الجهالة، بمعنى أن القانو ن الفرنسي يعترف بنظام الخليلات. 

31212346-v2_xlarge

تعدد الزوجات فى مصر

ويُضيف «قاسم» أما موقف المشرع المصري من تعدد الزوجات فمسموح به لمسلمي مصر على أساس أن الشريعة الإسلامية تبيح للزوج المسلم أن يتزوّج بأكثر من واحدة في حدود 4 زوجات وبشرط العدل المستطاع بينهن وبشرط القدرة على القيام بواجبات التعدد، واحتمدت في مصر المناقشات حول نظام تعدد الزوجات فأسفرت عن إصدار القانون رقم 44 لسنة 1979، الخاص بتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية والذي أوجب على الزوج المسلم أن يقدّم للموثق إقراراً بحالته الاجتماعية، وذكر أسماء زوجاته اللاتي في عصمته «إذا كان متزوجاً) مع قيام الموثق بإخطارهن بهذا الزواج.

كما اعتبر القانون أن زواج الرجل على زوجته بغير رضاها أو دون علمها يعدّ إضراراً بها، حتى وإن لم تشترط عليه في عقد زواجها عدم الزواج عليها وأعطى الزوجة حق طلب التطليق لهذا الضرر، وذلك خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج عليها أي أن هذا القانون اشترط لتعدد الزوجات رضاء الزوجات أنفسهن عليه. 

اقرأ أيضا: فريدة الشوباشى.. اليسارية الثائرة على الشعراوى والحجاب وتعدد الزوجات

المحكمة الدستورية العليا

إلا أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكماً بعدم دستورية هذا القانون في 4 مايو 1985 لعيوب شكلية وإجرائية فصدر القانون رقم 100 لسنة 1985 ليحل محله وقد ألزم القانون الجديد أيضاً الزوج بأن يقرّ في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، وتوضيح زوجاته اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن وعلى الموثق إخطارهن بهذا الزواج.

وأجاز القانون الجديد للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها الذي تزوّج عليها، خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي بسبب التعدد يتعذّر معه دوام العشرة حتى ولو لم تكن قد اشترطت عليه في عقد زواجها ألا يتزوّج عليها، ويتجدد حقها في طلب التطليق كلما تزوّج بأخرى، وتأخذ نفس الحكم، الزوجة الجديدة التي لم تكن تعلم بأن زوجها متزوج بسواها؛ فلها أن تطلب التطليق كذلك وهذا القانون لا يجعل من مجرد التعدد في ذاته ضرراً يوجب التطليق، كما كان الحال في قانون سنة 1979، بل يضع على الزوجة عبئ إثبات وقوع ضرر مادي أو معنوي عليها يدفعها لطلب التطليق من زوجها الذي تزوج عليها. 

4455345361481291526

رأى خبير قانونى نسائى

من جانبها، قالت يارا أحمد سعد، الخبير القانونى والمحامية، إنها ضد تعدد الزوجات ولكن الأمر يختلف اجتماعيًا من امرأة لأخرى بحسب تفكيرها وموقفها الاجتماعي، بحكم العادات والتقاليد وغيرها من فروق اجتماعية تختلف من امرأة لأخرى.

وأضافت «سعد»، لـ صوت الأمة، أن القرآن الكريم حسم الأمر في تلك القضية، حيث أعطى رخصة للرجال بالزواج بعد اتفاق الطرفين، كما «أعطى الحق للزوجة بالاختيار إذا كانت تريد أن تكون ضمن قائمة حريم السلطان أم لا»، حسب قولها.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق