في ذكرى ميلاد محمود سامي البارودي.. فارس الشعراء ورائد مدرسة البعث الشعري

السبت، 06 أكتوبر 2018 11:00 م
في ذكرى ميلاد محمود سامي البارودي.. فارس الشعراء ورائد مدرسة البعث الشعري
محمود سامي البارودي
وجدي الكومي

أين أيام لذتي وشبابي..أتراها تعود بعد الذهاب

اليوم وفي ظل ثورة الشعر الحديث، والزخم الكبير الذي أحدثته قصيدة النثر، وجمالياتها الشعرية، التي لفتت إليها الانتباه، وكرست وجودها، وسط ألوان شعرية تحقق لها الرسوخ من زمن، تحل ذكرى مولد فارس الشعراء، ورائد مدرسة البعث والإحياء، محمود سامي البارودي، المولود في السادس من أكتوبر عام 1839، والمتوفي عام 1904، وأطلع البارودي على التراث العربي، ولا سيما الأدبي، وحفظ شعر البحتري ، وأبي تمام، والشريف الرضي، وبجانب ذلك كله، كان البارودي أحد زعماء الثورة العربية، وتولى وزارة الحربية في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب الثورة العرابية، خلفا لعثمان رفقي باشا.

محمود سامي البارودي
محمود سامي البارودي


ذهب الصبا ، وتولت الأيام..فعلى الصبا، وعلى الزمان سلام.

تالله أنسى ما حييت عهوده..ولكل عهد في الكرام ذمام.

إذ نحن في عيش ترف ظلاله..ولنا بمعترك الهوى آثام.

في ديوان البارودي، يقول محمد حسين هيكل، أن شعر البارودي، هو حياته، فكل قصيدة في ديوانه صورة لحالة نفسية من حالات هذا الشاعر الملهم، والديوان في مجموعه صورة للعصر الذي عاشه، وللبيئة التي أحاطته.

ويقول محمد حسين هيكل: كان أبوه حسن حسني بك البارودي من أمراء المدفعية، ثم صار مديرا لبربر، ودنقلة، في عهد محمد علي باشا والي مصر، وكان عبد الله بك الجركسى جده لأبيه، أما لقبه البارودي، فنسبة إلى بلدة إيتاي البارود إحدى بلاد البحيرة، وذلك أن أحد أجداده الأمير مراد البارودي بن يوسف شاويش، كان ملتزما لها، وكل كل ملتزم ينسب في ذلك العصر إلى التزامه.

كان أجداد البارودي يرقون بأنسابهم إلى حكام مصر المماليك، وكان الشاعر شديد الاعتداد بهذا النسب في شعره وفي كل أعماله، فكان له فيه أثر قوي في جميع أدوار حياته، وفي المصير الذي انتهى إليه.

يلقى محمد حسين هيكل إطلالة تاريخية على مصر، وقت تخرج البارودي من الكلية الحربية عام 1854، فيقول: كانت مصر قد آلت حينئد إلى عباس الأول، ثم إلى سعيد، وكان عباس قد عدل عن الخطة التي بدأها محمد علي، حين رأى الدولة العثمانية تنظر إلى جيش مصر بعين الريبة والقلق، لذا تعطلت النهضة التي كانت متصلة بالجيش، وأطل عهد سعيد، وخرج محمود سامي البارودي من المدرسة الحربية في هذه الظروف، فأندفع يقرأ الشعر، ويكتبه، وبدأ منذ شبابه يقول الشعر مثل ابن المعتز، والشريف الرضي، وأبو فراس، وكان قد قرأ شعرهم جميعا، ويستقي هيكل بيتين للبارودي يقول فيهما:

تكلمت بالماضين قبلي بما جرت..به عادة الإنسان أن يتكلما

فلا يعتمدني بالإساءة غافل..فلابد لابن الأيك أن يترنما

يتناول محمد حسين هيكل ظروف دولة الشعر التي يصفها بأنها كانت ناشئة آنذاك، فكان عبد الله فكري، ومحمود صفوت الساعاتي وعبد الله النديم وقليلون يقولونه في أغراض شتى، لكن البارودي كان غيرهم بموهبته في الشعر، وحينما سافر إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية، والتحق بوزارة الخرجية، وتعلم اللغتين التركية والفارسية، وعكف على آدابهما، حفظ شعرهما، وتغنى بأوزنه، ودعته سليقة الشاعر إلى القول فقال بالتركية والفارسية، كما قال بالعربية.

وعما لفت الانتباه في شعر البارودي، يقول محمد حسين هيكل: اهتم البارودي بتصوير الواقع، كما هو في بساطة وسلاسة وقوة دون اعتماد على محسنات اللفظ البديعية، من جناس وطباق ونحوهما، ودون إغراب في الخيال، وإن آثار العجب، ولم يثر الإعجاب.

عاش محمود سامي البارودي فترة حياة ثرية، سواء بمعاصرته لظروف مصر السياسية الشديدة، والتي مرت بها بمحن جسام، وكان مقربا من الخديوي إسماعيل، وعاين بنفسه المحن التي سقطت فيها مصر تحت وطأة أعباء الديون، وكان مقربا من الخديو توفيق عقب ارتقائه عرش مصر، واقترب من رموز الإصلاح ومنهم الشيخ محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، وكان محمود سامي البارودي من أنصار الحركة القومية، ومن المقربين إلى توفيق في أول عهده، وتولى الأوقاف، ثم زادت اضطرابات البلاد بسبب التدخل الأجنبي في شؤون مصر، فثار العسكريون المصريون، وتولى محمود سامي البارودي نظارة الحربية، بعد إقالة عثمان رفقي، ثم تسارعت الأحداث بعدما اعترض رياض باشا رئيس الوزارة على إيثار توفيق للبارودي فاضطره للاستقالة من الأوقاف والحربية، ودفعه إلى اعتزال الحياة السياسية، ولكن هذا لم يمر بسهولة، واضطر توفيق إلى إقالة رياض وإسناد الوزارة إلى شريف باشا، ولم يقبل البارودي بالعودة حتى ألح عليه توفيق، واستقال شريف، واضطر البارودي إلى أن يؤلف الوزارة.

لم يمنع تولي البارودي الوزارة من اندلاع الحركة العرابية، وسار البارودي مع الحركة، وإن لم يبرز في الصف الأول من صفوفها، ولم يتولى زعامتها، ولو أنه كان مؤمنا بها، ونفي البارودي مع زعماء الثورة إلى سيلان، فأقام بها 17 عاما.

إن سيرة البارودي هي سيرة وطن، وليست مجرد سيرة شاعر كبير، أثرى الشعر في ذلك الزمن، ولعل ذكرى مولده مناسبة لاستعادة السيرتين، الشعر، والوطن.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة