عن طه حسين في ذكرى رحيله.. العميد صانع النور كيف قدم روشته لإصلاح التعليم

السبت، 27 أكتوبر 2018 03:00 م
عن طه حسين في ذكرى رحيله.. العميد صانع النور كيف قدم روشته لإصلاح التعليم
عميد الأدب العربي طه حسين
وجدي الكومي

هناك طرق مختلفة للتعبير بها عن مكانة عميد الأدب العربي طه حسين في قلوبنا، الذي تحين ذكرى رحيله الخامسة والأربعين، غدا الأحد، 28 أكتوبر عام 1973، عن عمر ناهز الأربعة وثمانين عاما، لعل أبرزها هو استعادة كتبه، والتذكير بأدبه، وهو ما نملكه ولعل جهات وأجهزة وزارة الثقافة تمتلك أكثر من ذلك بعقد ندوات عن الراحل الكبير، وتعريف الأجيال الجديدة بأدبه، وبمكانته.

غلاف كتاب مستقبل الثقافة في مصر
غلاف كتاب مستقبل الثقافة في مصر

 

ومن حسن الحظ، أن كتاب الأيام لطه حسين، سيرته الذاتية المهمة، لم تزل مقررة على طلاب الصف الثالث الثانوي، ولم تحذف، على غرار حذف قصة "كفاح طيبة" لنجيب محفوظ، واستبدالها برواية "الصقر الجرئ"، إلا أن هذا غير كاف لإحياء سيرة عميد الأدب العربي، الكفيف الذي صنع النور لأجيال وأجيال.

كانت معركة طه حسين الأساسية هي التعليم، وأن يكون متاحا للمصريين كالماء والهواء، وفي كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" يشدد عميد الأدب العربي على أن التعليم الأولُّي ركن أساسي من أركان الديموقراطية، وأن مهمته أخطر من محو الأمية، ويناقش في موضوعات وفصول عديدة من الكتاب مشكلات التعليم العام، ووجوب مراقبة الدولة للأطفال، وحذر من ازدحام المدارس بالتلاميذ، أو ما بات يعرف الآن بارتفاع الكثافة أي أن طه حسين كان له من البصيرة أن يحذرنا وقت كتابته كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" عام 1938، مما نعانيه الآن عام 2018 من تخبط في أنظمة التعليم، وتطويرها، ومدارسنا غارقة في مشكلات كثافة الفصول، وقلة المدرسين، وندرة الدكك الخشبية، وتصارع الأهل والأطفال على الصفوف الأمامية، ومصرع بعضهم دهسا في مغبة هذا الصراع البشع.

يقول طه حسين في فصل "التعليم العام" من الكتاب: فليس الغرض من التعليم العام تزويد الفرد بما لابد منه ليعيش في أمة متحضرة، ولكنه يتجاوز هذا الغرض إلى شيء أرقي من ذلك وأسمى، فهو يرتقي في الثقافة إلى حيث يلغ المعرفة من حيث هي، وإلى حيث يقصد به إلى توسيع العقل وتغذيته بألوان مختلفة، من العلم الإنساني، قد لا يحتاج إليها الفرد من عامة الناس، فليس من الضروري أن يعرف أبناء الشعب جميعا مقدارا متوسطا من الطبيعة والرياضة والكيمياء، وعلوم الحياة، وليس من الضروري أن يعرف أبناء الشعب جميعا مقدارا متوسطا من تاريخ أوروبا وأمريكا، وليس من الضروري أن يعرف أبناء الشعب جميعا لغة أجنبية أو لغتين أجنبيتين، بل تستطيع كثرة الشعب أن تعيش عيشتها الهادئة اليومية بغير هذه الألوان من العلم، وإذن فطبيعة هذا التعليم العام مخالفة لطبيعة ذلك التعليم الأولي الإلزامي الذي يجب أن يشارك فيه المصريون جميعا.

يشدد عميد الأدب العربي على أن التعليم العام يهيئ الطلاب لتعليم آخر أرقى منه، وهو التعليم الجامعي، أو التعليم الفني العالي، فهو إذن ينتهي بهم إلى غاية مخالفة للغاية التي يقصد إليها التعليم الأولي، وينشأ عن امتياز هذا التعليم في طبيعته وفي غايته أن تتكلف الدولة له جهودا أشق وأعنف، ونفقات أكثر وأضخم مما تتكلف للتعليم الأولي، فتهيئة المعلم للتعليم العام أدق وأشد تعقيدا وأكثر نفقة من تهيئة المعلم للتعليم الأولي، وإنشاء المدرسة العامة أعسر من إنشاء المدرسة الأولي فهي تحتاج بحسب رأي طه حسين في الكتاب إلى المعامل المختلفة وهي تحتاج إلى عدد من المعلمين لا تحتاج إليه المدرسة الأولية، وعمل هؤلاء المعلمين فيها أشق وأدق، كما أن إعدادهم لهذا العمل كان أشق وأدق، فهم قد بذلوا في الاستعداد لهذا العمل جهودا طويلة شاقة.

يهاجم طه حسين حرمان الفقراء من التعليم، لأنهم فقراء، بقوله: من حق الفقراء أن يتعلموا، ومن حقهم أن يطمحوا في أكثر مما يعطيهم التعليم الأولي، ومن حقهم أن يطمحوا إلى التعليم العام، وإلى التعليم العالي، ذلك حقهم من جهة، ومن جهة أخرى فيه مصلحة الأمة، وفيه تحقيق الديموقراطية من جهة ثالثة، فحرمان الفقراء لأنهم فقراء، أن يتعلموا، وأن يرقوا، وأن يصلحوا أحوالهم، وأن يطمحوا إلى الكمال، هو تقرير لنظام الطبقات، وإيمان بسلطان المال، وعبادة لهذا السلطان، وفناء فيه، وليس هذا كله من الديموقراطية الصحيحة في شيء.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة