الفتوى الشاذة في مرمى نيران الإفتاء.. شوقي علام يكشف آليات ردع ظاهرة فوضى الفتاوى

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018 06:00 ص
الفتوى الشاذة في مرمى نيران الإفتاء.. شوقي علام يكشف آليات ردع ظاهرة فوضى الفتاوى
شوقى علام مفتى الجمهورية
منال القاضى - نقلاً عن العدد الأسبوعى

تسعى دار الإفتاء المصرية على مدار تاريخها بوصفها من أهم المؤسسات الدينية لنشر صحيح الدين، وتوضيح كافة المسائل الفقهية لدى الرأى العام والرد على كل الاستفسارات من كل حدب وصوب سواء داخليا أو خارجيا عبر منفاذها المتعددة والمتطورة بتطور العصر، بهدف التصدى للفكر المتطرف، ومواجهة أصحاب الفتاوى الشاذة، وتتمتع دار الإفتاء بالكثير من المواقف الشفافة فى قضايا تجديد الخطاب الدينى، وتطبيق المعارف والأحكام الإسلامية السديدة، وهو ما أكده الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية فى حوار لـ«صوت الأمة» حول وجود خطة وضعتها دار الإفتاء فى مواجهة فوضى الفتاوى والتطبيق الصحيح لها، وعلاقة دار الإفتاء بدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وإلى نص الحوار: 
 

■ كيف واجهت دار الإفتاء الفتوى الشاذة فى الآونة الأخيرة وكيفية التواصل مع الجمهور؟
- نعمل على توظيف الأدوات الإلكترونية، من «مواقع وصفحات التواصل الاجتماعى» فى النشر والترويج لمخرجات مراكز دار الإفتاء البحثية، ونشرها بين الأفراد، علاوة عل تبنى مبادرة لتدشين موقع إلكترونى خاص تم إطلاقه بالنسخة العربية، بالأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بعدة لغات للتواصل مع الجمهور الإسلامى فى كافة أرجاء العالم، ويجرى التجهيز للنسخة الإنجليزية والفرنسية، وهو يعد من أهم الأدوات العصرية التى تساعد على ربط الأمة بعضها البعض، وتسهل من نقل المعلومات وتداولها.
وأضاف أن الصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية حققت متابعات فاقت 7 ملايين متابع، وفى زيادة، لتحقيق أكبر تواصل ممكن ونشر هادف لمخرجات المراكز البحثية ومنتجاتها العلمية والبحثية الهادفة، علاوة على مرصد خاص للفتاوى الشاذة والمتطرفة للقضاء على التشدد ومصادر التطرف، وحصار الفتاوى الشاذة.
 
■ متى وكيف يكون المفتى مجتهدا فى العلم الشرعى؟
- من الشروط التى أقرها العلماء، ويجب توافرها فيمن يقوم بمهمة الإفتاء، أن يكون مدركا فاهما للنصوص الشرعية، وعالما بمواطن الإجماع، وباللغة العربية وبأصول الفقه ومقاصد الشريعة، وأن يكون فقيه النفس، وأن يكون مدركا للواقع، وأن يكون قادرا على تنزيل النصوص على الواقع، وكل شرط من هذه الشروط به من التفاصيل والدقائق ما لا يتسع المقام لذكره، والغرض أن نعلم أن الفتوى بعيدة كل البعد عن الممارسة العشوائية الفوضوية، بل هى صناعة علمية دقيقة لا يتقنها إلا الراسخون فى العلم الذين يتقون الله تعالى ويعظمون العلم والشريعة غاية التعظيم.
 
■ الفتاوى المباشرة على التليفزيون كيف نتحكم فيها؟
- على جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ضرورة وضع ميثاق شرف لمواجهة مثل هذه الظاهرة من الفوضى فى الفتاوى، والتى تصدر عن غير المتخصصين فى مجال الإفتاء، كما أدعو الجميع إلى ضرورة لجوء المواطنين إلى المتخصصين والعلماء عند الحصول على الفتاوى، وقانون الفتوى سيضبط كل هذه الفوضى وسيحسم قضايا جدلية وفوضوية كثيرة.
 
■ هل يمكن تمكين المرأة للعمل كمفتية خاصة متعلقة بشئون المرأة؟ وهل تم تدريب سيدات على الفتوى؟
- دار الإفتاء المصرية لديها نماذج رائعة فى هذا الصدد، فلا مانع أبدا من قيام المرأة بمهمة الإفتاء، فالفيصل هو العلم والفقه، فالمفتى والمفتية ليس لقبا إنما من تنطبق عليه الشروط، يكون مؤهلا للفتوى ويتصدر للإفتاء، ولدينا بالفعل فى دار الإفتاء المصرية عدد من العاملات والمتدربات فى مجال الفتوى، وهنا بعض علماء الأزهر من السيدات بالطبع يصلحن للفتوى ولديهن التأهيل العلمى والشرعى للقيام بتلك المهام الجليلة.
 
■ ماذا عن رؤية فضيلتكم لتطوير دار الإفتاء؟ وكيف تصل إلى من هم خارج مصر؟
- لدينا مجهودات مستمرة من أجل تجديد الخطاب الدينى داخليا وخارجيا، وبحث كل جديد من المسائل الفقهية، ومناقشتها بالمنهجية العلمية المنضبطة التى تعتمدها دار الإفتاء، والتى من أهمها إدراك الواقع، ومراعاة المآلات والمقاصد، وتحقيق مصالح البلاد والعباد، حتى تستقيم حياة الناس، ولا نترك الساحة لغير المتخصصين ليشتتوا الناس ويتسببوا فى فوضى الفتاوى، وذلك عبر تطوير موقعنا الإلكترونى وصفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعى واستخدام كافة وسائل التواصل الحديثة للوصول إلى أكبر قدر من الناس فى جميع دول العالم، وعبر مراكز الدار البحثية على رصد وتفنيد فكر التيارات المتطرفة، ومن خلال دليل إرشادى لمعالجة التطرف ومساعدة صانعى القرار فى التعامل الأمثل مع هذه الظاهرة، وخارجيا لفت النظر إلى دور وجهود الأمانة العامة مع دور وهيئات الإفتاء فى العالم استجابة لمعطيات الواقع فى القطر الإسلامى، مؤكدا أن الأمانة العامة للإفتاء تعمل على قيادة قاطرة الخطاب الدينى فى العالم الإسلامى أجمع.
 
■ بوجود أمانة العالم للإفتاء أصبح لدار الإفتاء المصرية المرجعية الأولى لكل دور الإفتاء فى العالم.. ما الدعم الذى تحتاجه الدار؟
- نحتاج لتوحيد كلمة مفتيى العالم، بهدف ترسيخ المنهج الوسطى، والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، هى أول مؤسسة إسلامية فى العالم تعنى بتجميع وتكتيل المؤسسات والهيئات الإفتائية فى مختلف بقاع الأرض لتعيد إلى الفتوى دورها الإيجابى فى حياة المجتمعات والشعوب، وتزيل عنها ما لحق بها جراء تصدر غير المتخصصين وأنصاف العلماء وأصحاب التوجهات المتطرفة.
وتهدف الأمانة إلى ترسيخ منهج الوسطية فى الفتوى، وإيجاد منظومة علمية وتأهيلية للقيادات المسلمة فى العالم ترسخ لديهم قيم الوسطية والتعايش، وكذلك تبادل الخبرات العلمية والعملية والتنظيمية بين دور وهيئات الإفتاء الأعضاء، وتقديم الاستشارات العلمية والعملية لتطوير أدائها الإفتائى، هذا إلى جانب بناء شراكات علمية تدعم المنهج الوسطى فى بلادها باعتبارها خط الدفاع الأول عن مبادئ الإسلام الصحيح، وقيادة قاطرة تجديد الخطاب الدينى عبر تقديم النماذج الواقعية فى التجديد، ومحاولة تقليل فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء من خلال التشاور العلمى، والتصدى لظاهرتى الفوضى والتطرف فى الفتوى ونشر قيم الإفتاء الحضارية فى العالم.
 
■ كيف نطبق الفتوى فى جميع التخصصات الاقتصادية والطبية؟
- أجندة مؤتمر تجديد الفتوى المرتقب، تحمل محاور مهمة تتعرض جميعها لكل هذه القضايا، وسوف نناقش ضوابط الإفتاء فى المستجدات الطبية، مثل قضية نقل وزراعة الأعضاء، وقضايا التلقيح وتأجير الأرحام والإجهاض وتنظيم النسل أو منعه، وأحكام الحيض والصيام والتجميل، وعيوب رد النكاح، والتداوى بالمحرمات... إلخ.
وعلى الصعيد الاقتصادى سيتم تناول قضايا اقتصادية مهمة من خلال محور «ضوابط الإفتاء فى المستجدات الاقتصادية» ومن أمثلتها الإفتاء فى المعاملات بين الموروث والنوازل الجديدة، ومن المنتظر مشاركة عدد من الخبراء فى الجلسات الخاصة بهذين المحورين بهدف الخروج بآليات ترشد البشر لما فيه صحيح الدين والحياة، وتساعد العاملين فى المجالين على اتباع النهج الرشيد.
 
■ هل جميع المشاركين من مختلف دول العالم العربى والإسلامى يشاركون بأبحاث وتوصيات المؤتمر؟
- هذا من صميم الدور المنوط لجميع المشاركين فى جلسات المؤتمر وورش العمل، فعقب مناقشات الجلسات التى تستمر على مدار ثلاثة أيام هى عمر المؤتمر، يجتمع المشاركون خلال ورش العمل، لبحث ووضع توصياته بغرض تنفيذها على مدار العام وحتى انعقاد المؤتمر الذى يليه.
 
■ هل هناك ما يسمى بمشروع الأهلة أى بمعنى «توحيد الهلال» لتحكيم الرؤية الشرعية فى تحديد بداية الشهور العربية وهلال رمضان وغيرها؟
- بالفعل لدينا مشروع إطلاق قمر صناعى لضبط وتوحيد الأهلة وما زال قائما، وقد تم اتخاذ خطوات ملموسة لإطلاق القمر الصناعى، والذى سيكون بمثابة مرصد جوى لتحديد بدايات الأشهر القمرية لجميع الدول الإسلامية، مما يسهم بشكل كبير فى اختفاء الخلافات بالرؤية الشرعية لرصد الهلال وتوحيد الأعياد، كما سيعمل المشروع على توحيد جهات الرصد لتحديد أوائل الشهور القمرية، وتقديم خدمات كثيرة فى مجال الاقتصاد والبيئة وقضايا التنمية فى الدول الإسلامية.
 
■ ما أسباب اختيار دار الإفتاء عنوان المؤتمر «التجديد فى الفتوى.. النظرية والتطبيق»؟
- الفتوى تتغير بتغير الزمان بهدف إنزال الأحكام على الواقع المعيشى للناس المتغير والمتجدد بقدر حركة الواقع المستمرة، فهى ديوان لتطبيق المعارف الإسلامية، ومن ثم فالاجتهاد فى كل عصر فرض.
وقضية التجديد هى قضية محورية لازمة للمجتمعات، وتشهد تطورا دائما على مدار الساعة لملاحقة التغييرات المتتالية، ومن ثم لا بد من إيجاد العقل المنضبط الذى يعالج هذا التغيير فى إطار الأصول الشرعية، واللجوء إلى أهل التخصص يحل هذه الإشكالية، فالاجتهاد الفقهى وتجديد المفاهيم والمصطلحات ضرورة من ضروريات العصر، ونحن مطالبون بوضع حلول لكل المشكلات وفق تطور المجتمعات، لأن العصر أفرز الكثير من المشكلات.
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ترك للصحابة الكرام رضوان الله عليهم مساحة للاجتهاد ودربهم تدريبا عمليا على الاجتهاد حتى يستطيعوا مواجهة الحياة وتغيراتها من بعده، كما أن المولى سبحانه وتعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها. 
 
■ وما الذى يضيفه المؤتمر فى ضبط الفتوى؟ وما المقصود بالفتاوى العصرية؟
- المؤتمر يأتى فى إطار مساعى دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم لقيادة قاطرة التجديد فى الخطاب الدينى، ووضع ميثاق عالمى لضبط الفتوى، واستجابة لمبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى والتى دعا فيها إلى تجديد الخطاب الدينى، وجعله على رأس أولوياته، وكذلك لاتخاذ إجراءات وتدابير من شأنها المساهمة فى إيجاد خطاب دينى وإفتائى واعٍ بقضايا المجتمع، وخاصة قضايا التنمية، وتحفيز المجتمع بسائر فئاته وخاصة الشباب إلى العمل والإنتاج والسلوك الإيجابى البنَّاء، كما يهدف المؤتمر إلى التركيز على واقع الجاليات المسلمة الذى يزداد صعوبة يوما بعد يوم فى ظل ظاهرة (الإسلاموفوبيا) التى تسيطر على الواقع الذى يعيشه أغلب أبناء الجاليات المسلمة، خاصة أن هذه الصعوبة فى أكثر الحالات يكون المتسبب فيها بعض المنتسبين إلى الإسلام بأفعالهم اللإنسانية الخالية من القيم، والمليئة بالكراهية لكل مخالف، وهذا يعنى ضرورة وجود بديل لتلك الصورة المشوَّهة التى تزداد سوءًا إذا لم يتم تداركها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق